-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الركائز الأساسية لهوية الاقتصاد الجزائري بعد “كورونا”

د. عمر هارون
  • 78
  • 0
الركائز الأساسية لهوية الاقتصاد الجزائري بعد “كورونا”

ديناميكية غير مسبوقة يعرفها الاقتصاد الوطني والتقارير الدولية تشهد على النتائج المحققة من نمو اقتصادي بلغ 4.1 بالمئة إلى تراجع لمستويات التضخم، وكل هذا في ظل ظروف عالمية أقل ما يقال عنها إنها صعبة وغير مستقرة، ومع ذلك، فالأمر لم يعطّل عجلة الاقتصاد الوطني عن إيجاد الحلول لكل الوضعيات الصعبة التي عشناها ونعيشها، وبدايتها كانت بأزمة “الكوفيد 19” التي عصفت بالعالم وصولا إلى الأزمة الروسية الأوكرانية التي شكّلت ولا تزال واقعا جيواستراتيجيا جديدا في العالم، عالم يعيش مع بداية فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة على انقطاعات غير مبرمجة في التيار الكهربائي تصل إلى 06 ساعات مسّت 07 من البلدان العربية الشقيقة وتراجع رهيب في مستويات المعيشة والقدرة الشرائية، تقابلها زيادة غير يسيرة في أجور الجزائريين.
إن التوازنات الكبرى في الجزائر تشهد استقرارا بمؤشرات تتوشّح بالأخضر وتتوجه نحو التحسن أكثر فأكثر، وتبقى هذه المؤشرات تعتمد على إستراتيجية متكاملة مسّت جل القطاعات الاقتصادية.

صناعة الطاقة وتكرير النفط
لا يخفى عن أحد قوة قطاع الطاقة في الجزائر والذي يشهد تحسنا مواكبا لاحتياجات الجزائريين وزبائن الاقتصاد الوطني، فالجزائر تكاد تصل إلى إنتاج 25 جيغاواط ساعي من الكهرباء، وتعمل ليصل إنتاجها إلى 150 مليار متر مكعب من الغاز، بالإضافة لتصديرها ما يصل إلى 900 ألف من النفط يوميا، يضاف إلى ذلك مجموعة من البرامج الطموحة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، والرفع من حجم قدراتها الانتاجية في الغاز وقد احتلت المرتبة الثانية السنة الماضية في عدد الاكتشافات الجديدة، يضاف إلى كل ذلك برامج التطوير الداخلية التي أطلقتها “سوناطراك” بـ40 مليار دولار خلال أقل من خماسي، ومجموعة من الاتفاقات الدولية على غرار التي جرت مع مؤسسات إيطالية، فرنسية وإمريكية بملغ إجمالي قدره 4 مليار دولار، وبرامج أخرى عديدة أهّلت الجزائر لتكون الشريك القادر بكل سهولة على تعويض الغاز الروسي في الاتحاد الأوروبي ولتصبح صمام أمان الطاقة في “القارة العجوز”.
الأمر لم يتوقف هنا، فالرفع من قدرات تكرير النفط الجزائري بمنشآت داخل الوطن وخارجه جعل الجزائر في الطريق الصحيح لرفع عوائدها من هذا المجال لتصل خلال السنة الماضية إلى حدود 56 مليار دولار والطموح لتفوق الـ70 مليار دولار خلال السنتين القادمتين.

صناعة الحديد والصلب
من أهم القطاعات التي تعرف نجاحا حقيقيا هو قطاع الحديد والصلب بشراكات عالمية متميزة من خلال ثلاثة أقطاب صناعية متميزة تتمثل في مصنع “توسيالي” ومصنع بلارة ومصنع الحجار، يضاف إلى ذلك مصنع بشار المتمثل في أول وحدة مختلطة لإنتاج مركزات خام الحديد مع شركاء الجزائر الأتراك والقطريين والصينيين، واقع يؤكد انفتاح الجزائر على الاستثمار الأجنبي ونجاح تجارب رائدة في المجال مما سيمح بتوسيع هذه التجارب إلى مجالات أخرى.

لا يخفى عن أحد قوة قطاع الطاقة في الجزائر والذي يشهد تحسنا مواكبا لاحتياجات الجزائريين وزبائن الاقتصاد الوطني، فالجزائر تكاد تصل إلى إنتاج 25 جيغاواط ساعي من الكهرباء، وتعمل ليصل إنتاجها إلى 150 مليار متر مكعب من الغاز، بالإضافة لتصديرها ما يصل إلى 900 ألف من النفط يوميا، يضاف إلى ذلك مجموعة من البرامج الطموحة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، والرفع من حجم قدراتها الإنتاجية في الغاز.

إن إنتاج الصفائح الحديدية في الجزائر بالإضافة إلى حديد البناء غير تكلفة إنشاء العديد من المنتجات النهائية والحديث هنا عن تكلفة بناء المنشآت القاعدية التي تتطلب حجما مهولا من حديد البناء، بالإضافة إلى صناعة السيارات والصناعة الكهرومنزلية التي تعتبر الصفائح الحديدة أهم محدّدات تكلفتها، وبإنجاز هذه المواد في الجزائر التي تملك خام الحديد وطاقةً منخفضة تصبح تنافسية الاقتصاد الوطني في هذه المجالات خلال السنوات القليلة القادمة في أوجها، وهو ما سيسمح بنزوح عديد المصنّعين من مختلف دول البحر المتوسط إلى الجزائر نظرا لما تملكه الجزائر من تكلفة منخفضة وقرب جغرافي، يضاف إلى ذلك البنى التحتية المنجَزة والتي هي بصدد الانجاز على غرار توسعة ميناء جن جن وربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب من خلال السكك الحديدية.
ولعل تصريح المسؤول على الاستثمارات في مؤسسة “توسيالي” الذي أكّد فيه أنه سيصل إلى تصدير 02 مليار دولار في آفاق 2026 هو دليل حقيقي على قدرات هذا القطاع في المساهمة في مضاعفة الناتج الداخلي الخام للجزائر.

الفلاحة والصناعة التحويلية
أن تحقِّق الجزائر وفرة إنتاجية تمكِّنها من تقليص فاتورة الإستيراد من القمح الصلب بـ1.2 مليار دولار فهذا إنجازٌ ينبغي تثمينُه، والتوجه نحو سياسة استثمارية في مجال الفلاحة من خلال مشروع “بلدنا” في ولاية أدرار الذي يتربع على 117 ألف هكتار وبتكلفة إجمالية تصل إلى 3.5 مليار دولار لتوفير 50 بالمئة من إحتيازات الجزائريين من بودرة الحليب، إذ تبقى إمكانات جنوبنا الكبير في استقطاب المشاريع الفلاحية كبيرةً جدا بمساحة تقدّر بـ1.5 مليون هكتار لإنجاز المشاريع الفلاحية المدمجة حسب ما أكده وزير الفلاحة من ولاية النعامة في بداية الشهر الجاري، يضاف إليها المشاريع الطموحة القادرة على توفير اكتفاء ذاتي في مجال زيت المائدة من خلال إنتاج البذور الزيتية وسحقها، والسكر من خلال إنتاج الشمندر السكري وإنتاجه السكر.
لكن يبقى التحدّي الأكبر في مجال اللحوم الحمراء والبيضاء، وهي القطاعات التي تحتاج إلى دفعة حقيقية لتجاوز العجز الموجود فيها، خاصة من خلال الوصول إلى أرقام حقيقة، وهو ما تعمل عليه المصالح المختصّة من خلال الإحصاء الفلاحي ثم التوجه نحو إستراتيجية وطنية قادرة على الرفع من حجم الثروة الحيوانية خلال الخمس سنوات القادمة، وسنكون قادرين خلالها على أن نصبح مصدّرين للُّحوم بأنواعها.

المناجم.. الورقة الرابحة
إن منجم “غار جبيلات” بقدرة إنتاجية أولية خلال الفترة الحالية إلى غاية 2026 تاريخ إنجاز السكة الحديدية قادرٌ على إنتاج ما بين 2 إلى 3 مليون طن سنويا من خام الحديد، وهو ما يمكن أن يدرَّ على الجزائر 1.5 مليار دولار، ويمكن أن يصل الإنتاج إلى حدود قصوى في مستوى 50 مليون طن سنويا، حسب التقديرات المنشورة في وكالة الأنباء الجزائرية في 22 ديسمبر 2023، وهو ما يجعل عوائده التقريبية تصل إلى 50 مليار دولار في حال بيعه بشكل خام، وسيتضاعف الرقم أربع مرات في حالة جرت معالجة الحديد ليصبح حديد بناء أو صفائح حديدية.
من جهتها، تشترك الجزائر مع الصين باستثمار يقدّر بـ07 مليار دولار لإنتاج الفوسفات في جبل العنق بتبسة بإنتاج يصل إلى 10.5 مليون طن خام تحوّل إلى 06 مليون طن كمادة نهائية محوّلة.
من جانبه منجم أميزور وتالا حمزة ببجاية والذي يحوي الزنك والرصاص بإنتاج سنوي يصل إلى 170 ألف طن، ويضاف إلى كل هذا مخزون مهم من الأتربة النادرة التي لم تعلن السلطاتُ الوصية عن تفاصيلها بعد، لكن الأكيد أن حجمها سيوفر للجزائر ملايير الدولارات حال البداية في استغلالها بشكل واسع.

التجارة أيضا مهمة
إن التجارة واحدة من العوامل القادرة على تثمين المنتجات المحلية وتوجيهات نحو الاقتصاد العالمي للرفع من صادرتنا بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي، والواضح أن مجال العجائن والمشروبات والبسكويت والصلصات حقَّقت فيه الجزائر الاكتفاء الذاتي وصدّرت ما قيمته 49 مليون دولار خلال السنة الماضية بعد أن كانت تستورد 700 مليون دولار من هذه المنتجات.
من جهتها، كانت وارداتنا من مواد البناء في حدود 1 مليار دولار، واستطعنا تحقيق الاكتفاء الذاتي في الإسمنت والحديد المسلح وصدّرنا ما قيمته 1.3 مليار دولار خلال 2023، من جانبها صدّرنا من مواد التنظيف 119 مليون دولار، وكذلك الحال بالنسبة لمواد التجميل بصادرات بلغت 3.8 مليون دولار، من دون إغفال صادراتنا من التمور والعديد من المنتجات الفلاحية.

أهم تحدّيات المستقبل
إن الرفع من عدد المؤسسات المصغرة الصغيرة والمتوسطة والناشئة من أهم تحدّيات المرحلة القادمة في الجزائر، فالاقتصاد الوطني بحاجة لما يعادل مليون مؤسسة، بالإضافة إلى حاجتنا لآليات اقتصادية من أجل مرافقة المؤسسات المتعثرة في الاقتصاد الوطني، لاسيما ما يتعلق ببرامج التكوين والمرافقة، وهو أسلوبٌ عالمي قادر على الرفع من مستوى بقاء المؤسسات المستحدثة في السوق الوطنية مما سيرفع من عدد مناصب العمل الموفَّرة.
كما وجب ربط الامتيازات الجبائية الممنوحة للمؤسسات الكبرى، بحجم الرفع في رقم أعمالها وعدد مناصب الشغل المستحدثة، وزيادة سلاسل المناولة التي تم إيجادها، وهو ما سيساعد على زيادة عدد المؤسسات الاقتصادية واستمراريتها في المدى المتوسط وحتى البعيد، يضاف إلى كل هذا وجوب استحداث إستراتيجية وطنية للابتكار، تركّز على دور هذا المؤشر في مختلف القطاعات والمجالات، لتوفير الأجواء لبعث قفزة نوعية في الأداء على مختلف الأصعدة وفي كل المجالات.
لا شك أبدا أن القادم أحسن، بإذن الله، وأن الاقتصاد الجزائري قادرٌ على قيادة القارة الإفريقية ومواكبة التطورات الإقليمية ومزاحمة أكبر الاقتصادات العالمية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!