الرأي

“الربيع” المفترى عليه

قادة بن عمار
  • 3173
  • 17

عادت قصص “داعش” الدموية لتُنعش معسكر خصوم الربيع العربي مجدّدا، بقولهم إنه لم يأت من وراء هذه الثورات “أو المؤامرات” سوى الخراب والدمار، ومزيدا من التقتيل وأشباح التقسيم، وكأن العالم العربي قبل الربيع، كان موحّدا، متقدّما جدا وخاليا من المعارك والحروب والمظالم وصور القمع!

تاريخيا، “داعش” ليست ظاهرة طارئة.. بل حتى تنظيميا، ما هي إلا حلقة جديدة من مسلسل القاعدة الذي بدأ قبل سنوات، ولا يريد “صانعوه” والنافخون فيه أن ينتهي.. بل في كل مرة، يخرجون لنا بورقة سحرية من جيوبهم السرية، ليرموا بها في الساحة من أجل خلق مزيد من الفتن وتنشيط حال الهرج السياسي والمرج الإعلامي !

لكن ما ذنب الربيع العربي؟.. وما هو ذنب تلك الشعوب التي خرجت إلى الشارع في تونس، مصر وسوريا واليمن بحثا عن الحرية، وهي لا تعرف أن ما ينتظرها بعد إسقاط أصنام الحكم في بلدانها أبشع بكثير، فلا أحد يريد لها أن تتحرر ولا أن تعيش بكرامة.. الواقع أنه لا أحد يريد لها أن “تعيش”!

مبدئيا.. لو كان للربيع العربي ميزة واحدة تتمثل في إسقاط حسني مبارك ومنع توريث نجله، وخلع بن علي وتقليم أظافر زوجته.. ودفع الليبيين للتخلص من آل القذافي وإجرام مخابراته التي قتلت في يوم واحد 1400 معتقل في سجن أبو سليم.. لاكتفت الشعوب المقهورة بتلك الإنجازات التي لم تكن تحلم بها قبل سنوات قليلة.

ثانيا، يجتهد البعض في البحث عن أيّ خطإ أو يتمنى وقوعه في تونس حتى يُثبت للجميع أن الربيع العربي “كله دون استثناء” لا يصلح.. فالنموذج التونسي المشرّف حتى الآن، يزعج هؤلاء، لذلك لم يملّوا ولم يسأموا من النفخ طول الوقت، في صراع مبتذل للوقيعة بين الإسلاميين والعلمانيين، محركين جماعات القتل والتكفير في عمليات إجرامية بشعة بين الفينة والأخرى.. والواقع أن هؤلاء الذين يتمنون لتونس الفشل والدمار، يشبهون في مرضهم، من يتمنون أيضا فوز النصرة وداعش حتى يسقط بشار الأسد ونظامه، بل ويحلمون في يوم يصل فيه أمراء الحرب لقصر دمشق من أجل سحل الرئيس السوري وعائلته.. فقط ليثبتوا أن الثورات العربية “ناجحة كلها دون استثناء” في إسقاط كل الأنظمة التي اندلعت في بلدانها..

هنا مربط الفرس ومكمن الخطورة، فلكلّ معسكر رأيه الذي يتحصن خلفه ولا يريد التخلي عنه أو التنازل عن “انتقامه”.. أو بمعنى آخر.. انقسمنا وأضحى “كل حزب بما لديهم فرحين”!

نظلم الربيع العربي كثيرا، إذا ما حكمنا على نتائجه وليس على مقدماته، خصوصا بعدما تسرعنا أيضا في الحكم على ما انتهت إليه الثورات الشعبية من “فوضى” وتصفية حسابات، وانبعاث متوقع لقوى الثورات المضادة. وما زاد الطين بلة، أن “بعض النخب” لم تجد مانعا بربطه حتى بداعش.. وفي هذا الصدد، كان الكاتب غسان شربل مصيبا جدا حين قال: “لم تبدأ المأساة مع داعش. بدأت قبله بفعل سياسات الاستبداد والإقصاء والتهميش والفساد. بدأت مع التزوير الممنهج للإرادات والمؤسسات. مع السياسات الفئوية والأحلام الانقلابية. مع انتصار نهج الشراهة على نهج الشراكة داخل الدول وعلى مستوى الإقليم. بدأت مع احتقار حقوق المواطن والإنسان والقوانين الدولية”.. تلك هي المشكلة الحقيقية.

مقالات ذات صلة