الجزائر
في زيارة دولة تدوم 3 أيام بدعوة من فلاديمير بوتين

الرئيس تبون في روسيا لبناء شراكة استراتيجية جديدة

عبد السلام سكية
  • 7092
  • 0
ح.م

شرع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الثلاثاء، في زيارة دولة إلى روسيا، بدعوة من نظيره فلاديمير بوتين، تستمر ثلاثة أيام، تندرج في إطار تعزيز التعاون بين بلدين تجمعهما علاقات متينة منذ عقود، والمضي نحو توقيع وثيقة شراكة استراتيجية جديدة بين البلدين، بعد تلك الموقعة بينهما بداية الألفية.
وقال بيان لرئاسة الجمهورية، الثلاثاء، إن زيارة الرئيس تبون لفدرالية روسيا “التي تدوم ثلاثة أيام، بدعوة من نظيره الروسي، السيد فلاديمير بوتين، تأتي في إطار تعزيز التعاون بين البلدين الصديقين”، مضيفا أن الرئيس تبون “سيشارك خلال هذه الزيارة في أشغال المنتدى الاقتصادي الدولي بسان بطرسبورغ الروسية”.
وزيارة الدولة هي الأعلى مستوى بين أنواع الزيارات التي تتم بين قادة الدول ورؤساء الحكومات، ولها مراسيمها الخاصة وبرامجها المميزة، إذ تعد أهم أشكال الاتصالات الدولية في مجال البروتوكول الدبلوماسي، والتي يجريها الرئيس تبون إلى روسيا، تتويجا لمباحثات وتفاهمات موسعة بين كبار مسؤولي البلدين في الأشهر الأخيرة.
وقام الجانبان الروسي والجزائري طيلة الأشهر الماضية، بالإعداد الدقيق لزيارة الرئيس تبون، وهو ما أكده سفير روسيا بالجزائر فاليريان شوفاييف قبل فترة في لقاء مع “الشروق”، عندما قال “هنالك عمل كبير يخص التحضير للزيارة التي سيجريها الرئيس تبون إلى موسكو”، فيما شددت الجزائر على ضرورة التحضير الجيّد للاستحقاقات الثنائية الهامة القادمة، وعلى رأسها زيارة الدولة للرئيس تبون، لإعطاء محتوى أكثر صلابة وأكثر تنوّعا للشراكة الاستراتيجية الشاملة التي يطمح البلدان لإرسائها.
واتسمت العلاقات بين الجزائر وموسكو في السنوات الأخيرة بالكثافة والديناميكية، وبدرجة عالية من التشاور، إذ ظل الحوار بين البلدين نشطا لاسيما في قضايا دولية وإقليمية، وتترجمها الاتصالات الهاتفية المتكررة بين الرئيس تبون ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وكانت هذه الاتصالات بمثابة فرصة لتبادل الرؤى حول الوضع الدولي وملفات إقليمية إلى جانب آفاق التعاون الطاقوي.
كما اتفق الرئيسان بمناسبة هذه الاتصالات على أهمية تبادل الزيارات الرفيعة المستوى، وهو ما تجسد فعلا من خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الجزائر في ماي 2022، والتي أكد خلالها عزم البلدين على تعزيز تعاونهما من خلال التوقيع على وثيقة جديدة تكون أساسا للعلاقات الثنائية، بالإضافة إلى الزيارات المتبادلة لمسؤولين عسكريين.
ويقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية نسيم بلهول عن زيارة الرئيس تبون أنها تأتي في ظل “ما يشهده العالم المعقد اليوم من تحركات إيجابية، وعمليات نشطة ترمي إلى وقف بوادر ظهور ملامح طبعة جديدة للحرب الباردة، ومواجهة عالمية على رقع شطرنج إقليمية عديدة، وتزايد فرص وإمكانيات التسوية السياسية – السلمية للمشاكل والنزاعات الدولية، خاصة بعد التحاق الجزائر بنادي مهندسي السلم والأمن الدوليين، وهي خطوة مهمة تدعم من خلالها المرئية الجديدة لعالم متعدد الأقطاب، مستفيدة في ذلك من المؤازرة الاستراتيجية الروسية”.
ويؤكد الدكتور بلهول الذي يتولى تحرير مجلتي دفاعات وجيوبوليتيكا، في حديث لـ”الشروق”، أن “الزيارة يراد منها توحيد البوصلة الاستراتيجية والعسكرية الجزائرية-الروسية بخصوص ملفات إقليمية وعالمية تنتظر تشكل محور استراتيجي مستقر ومضمون في المنطقة، من شأنه أن يساهم في استكمال بوادر تشكل نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر أمنا واستقرارا، بعد إفلاس الرؤية والقيادة الموحدة للعالم.
ويشدد المتحدث على أن الزيارة تأخذ مسألتين مهمتين، الأولى هي “مسألة التوزيع الجديد للقوى العسكرية بواجهة دبلوماسية والأدوار الجيوسياسية في مناطق الارتكاز المصلحي الجزائري الروسي، ووحدها آفاق تطور الموقف السياسي – العسكري المنظورة بين الطرفين، ما ستحدد إلى درجة كبيرة اتجاه البناء الجيو – عسكري الخاص بالدولتين، والذي سيرتكن إلى وسائط نزع فتيل التهديدات الأمنية أكثر من أية مسألة مرتبطة بنظم المجابهة التقليدية للمخاطر، والثانية تتعلق بمناقشة فرص تعزيز رؤية الدولتين لمسألتي السلام والعدالة العالمية من باب النظر للبلازما الدولية من خلال بوابات جيوسياسية وأحلاف جديدة على غرار تكتل مجموعة بريكس”.
أما عن مسعى البلدين للمضي نحو شراكة استراتيجية بينهما، فيقول بلهول الذي تولى عضوية المجلس العلمي العسكري الروسي إن “توقيت مثل هكذا زيارة هو إرادة في ترقية هذا التفاعل الجاد والنوعي بين الدولتين ويأتي في توقيت عالمي جد حساس ومتوتر (الأزمة في أوكرانيا، صدمة الطاقة)”، مضيفا أن “الاهتمام الأساسي يأتي بهذا المحور الجيوسياسي المهم من باب تعزيز عمقها ونفوذها الإقليمي، أي تقوية مكانتها السياسية والدبلوماسية في محيطيها الجهوي والقاري والتوجه من خلال تجسير ذلك المحور نحو وضع دولي يتيح لها، بل ويفتح لها الكثير من الخيارات والفرص، وذلك من مدخل استراتيجي بحت”.
وإن كان مستوى التعاون بين البلدين في الجانب السياسي والأمني والعسكري في أوجه، إلا أن ذلك لا ينطبق على الجانب الاقتصادي رغم وجود مقومات واسعة لبلدين مثل الجزائر وروسيا.
وفي هذا الخصوص يقول الخبير الاقتصادي ورئيس الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل رحمون زرقون، إن “المتعارف عليه أن التعاون الأكبر بين الجزائر وروسيا محصور في الجانبين السياسي والعسكري، إذ لا تتواجد المؤسسات الروسية بشكل كبيير في الجزائر، اللهم المساهمة في انجاز مركب الحجار، وبناء خطين للغاز بين حاسي مسعود وعين امناس”.
ويتوقع الخبير الاقتصادي زرقون في حديث لـ”الشروق”، أن تساهم زيارة الرئيس تبون ومشاركته في أشغال المنتدى الاقتصادي الدولي بسان بطرسبورغ الروسية، في فتح آفاق جديدة للتعاون في الجانب الاقتصادي بين البلدين، ويقول في هذا الخصوص إن “هنالك وفرة في بعض المنتجات المحلية يمكن تصديرها في ظل الحصار المفروض على روسيا ماديا ولوجيستيكيا”.
واستفسرت “الشروق” رئيس الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل، إن كان مناخ الاستثمار جذابا للشركات الروسية، فأجاب “هنالك قانون استثمار جديد يعطي فرصا وتسهيلات كبيرة للشركات الأجنبية، كما أن الوكالة الوطنية للاستثمار تعمل على جذب الاستثمار الأجنبي”، ليخلص إلى أنه “لا عوائق تواجه تواجد الشركات الروسية في الجزائر، وبالمقابل تساءل عن وجود رغبة لدى الروس في الاستثمار بالجزائر”.
في هذا الخصوص، كشف المتحدث أن هيئته استقبلت 3 مجموعات روسية خلال الأيام الماضية، وخلالها عُقدت لقاءات مع نظرائهم الجزائريين لبحث إمكانيات التعاون.
وشهر مارس الماضي، أجرت 6 شركات من منطقة كالوجة الروسية زيارة إلى الجزائر بحثا عن شركاء أعمال، إقامة تعاون تجاري وإبرام اتفاقيات شراكة جديدة.
وتنشط الشركات التي زارت الجزائر، في مجال المعدات الطبية والفواصل المغناطيسية للنفط والغاز والصناعات الكيماوية والمعدنية ومصنعي معدات الوزن والمرشحات السائلة، وكذلك منتجات الألمنيوم والصلب.

مقالات ذات صلة