الرأي

الذُّلُّقْرَاطِيَّة

تابعتُ عبر القنوات المراكشية ما يسمى عند أكثر المراكشيين «عيد العرش» الذي يقام بمناسبة تولِّي «سيدهم» الحكم. وأعَزَّ الله شعبنا المجاهد الذي يقول في أمثاله الأصيلة، ورَبَّانَا آباؤُنا عليها ومنها «سِيدْنَا الله وَحْنَا عْبَادُو»، ولا نقول هذه العبارة إلا لآبائنا وعلمائنا، أما إخواننا المراكشيون، فلا يجري على ألسنتهم إذا تكلموا، ولا تسطّر أقلامهم إذا كتبوا إلا كلمة “سيدنا”، ولا يقصدون بها إلا من سمى نفسه، وسماه السفهاء من قومه: «أمير المؤمنين»، ويا ضيعة الألقاب، بين «السادس» وعمر بن الخطاب الذي هو أول من تسمى بأمير المؤمنين. ورحم الله الإمام العملاق محمد البشير الإبراهيمي القائل «قَبَّحَ اللهُ الاشتراكَ اللفظي».

لقد تأكَّدتُ وأنا أرى تلك «الطقوس الوثنية» من ركوع ذليل لـ”سيدهم” أنها أحدُ الأسباب الرئيسَة لانحطاط المسلمين، وما أظنها تُمارَس في جزء من العالَم إلا في هذا الـ«مَرُّوك»، حيث يركع الناس، عالمُهم وجاهلهم، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم، لبشر مثلهم، وقد يكون فيهم وفيهن من هو أعلم، وأكرم، وأَفْهَم، منه.

لقد رأيتُ بأم عينيَّ هؤلاء الناس الذين أكرمهم الله –عزّ وجل- بالإنسانية «ولقد كرمنا بني آدم»، وأعزَّهُم بالإيمان «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين» فيعرضون عن ذلك الاصطفاء الرباني لهم، ويستبدلون بهما هذه «العبودية الجاهلية»، التي تَرُدُّ الإنسان أسفل سافلين.  ورحم الله رَجُلَيْن كريمين مؤمنين في المغرب الأقصى رفضا أن يكونا “عبدين” وقد خلقهما الله حُرَّيْن كريمين هما المجاهد الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي فضّل أن يموت حرا ولو بعيدا عن وطنه على أن يعود له ليعيش  عبدا لشخص أدنى منه علما وجهادا، ويرتكب ما يخجل الإنسان العادي من ارتكابه؛ وأما الرجل الثاني، فهو العالِم العامل الشيخ عبد السلام ياسين الذي أبت عليه مروءته أن يبايع من يوجد في الشعب المغربي آلافٌ أفضل منه.

لو لم يكن “أمير المؤمنين به” يستلذ هذا “الاستعباد” لشعبه لاهتدى إلى وسيلة أخرى أنبل وأكرم لهذا الذي يسميه “البيعة”، كأن يكتب كل مسؤول عن منطقة أو إقليم عريضة موقّعة توضَع في “قصر جلالته”، ويحفظ بذلك ماء وجوه الناس. ولكن “جلالته”، إمعانا في إهانة شعبه، يأبى إلا أن تتم هذه “البيعة” الفولكلورية بهذه الطريقة البدائية، الجاهلية، المتخلفة.

يفخر هؤلاء «العُبدان» بأن مملكتهم هي أقدمُ مملكة في العالم، وقد فسّرتُ ما يفعلونه ولا يخجلون منه بأنه صار “جِبلّة” فيهم، ويستنكفون أن يكونوا «عبادا لله»، ولكنهم يرضون ويرفعون خسيستهم بأن يكونوا «عبيدا» لعبد مثلهم، أو أدنى منهم.

عندما كنت أرى ما رأيتُ تذكّرت «مصطلحا» للمفكر المغربي المهدي المنجرة، وهو «الذُّلُّقراطية»؛ فنظامُ المرُّوك هو حكمُ الذُلِّ، وإن خفّفنا هذا التعبير سميناه «الديمقراطية الموَجَّهَة» (guided democracy) بتعبير الرئيس الأندونيسي الأسبق أحمد سوكارنو.  ولأن هذه “الذُّلُّقراطية” صارت طبْعًا في أكثر المروكيين، فقد رأيت رئيس حكومتهم «أخنوش» في قمة «روسيا – إفريقيا» ينحني بصورة مقزِّزة أمام بوتين ظنا منه أنه «أمير المؤمنين»!

مقالات ذات صلة