الرأي

الذنب ليس تونسيا !!

ح.م

تتفاعل جريمة كاتدرائية نوتردام، ونشهد تطوراتها عبر ردود أفعال الدوائر السياسية الحاكمة، وكأنها الجريمة الإرهابية الأولى في العالم، تأخذ مساراتها المفتوحة في الحرب المفتعلة ضد الأديان.

جرائم إرهابية تتوالى في أوروبا، وتهز قواعد أمن فرنسا دون  انقطاع، وتتكرس حالات العجز عن كشف منابعها الخفية، ودوافع الجهات التي تخطط لها، وترك الرأي العام العالمي متمسكا بحقيقة زائفة تثير الكراهية بين الشعوب والأديان.

الإرهاب المتسلل إلى كاتدرائية نوتردام في نيس، حلقة في سلسلة إرهاب لا نهاية له في الأفق القريب، لم تجرؤ الدوائر الحاكمة على إيقاف تدفقه في غياب الرغبة الجادة في الوصول إلى منابعه.

تونس لم تكن منبعا للإرهاب، والتونسي المتسلل إلى كاتدرائية نوتردام على غفلة من أجهزة الأمن الفرنسي، مغرر به، لا يمثل بلاده المحكومة منذ استقلالها بنظام مدني تطبع المجتمع على قيمه، لا يعرف التطرف، وينبذ التعصب الأصولي.

الإرهابي الخارج عن طوع مجتمعه المدني، لا تتحمل بلاده مسؤولية جريمته المخطط لها في إطار شبكة إرهاب عالمي، تصطاد شابا مغلوبا على أمره، يخضع لغسيل دماغ، يحفزه على ارتكاب أبشع الجرائم، في حياة فقد فيها الأمل.

لا تتحمل تونس مسؤولية إرهابي منحرف، سلك طريقا غير شرعي للوصول إلى مبتغاه، ولا تدعوها هذه الجريمة العابرة إلى جلد ذاتها، وهي التي انطلقت منذ اللحظات الأولى في تنفيذ إجراءات التحري عن أصول الجريمة الإرهابية، وكشف خيوطها الخفية.

جددت تونس وباريس في حوار الرئيسين قيس سعيد ومانويل ماكرون على تعاونهما المتكامل في مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وصوره، وغلق منافذه، واتفقا على إجراءات تنفيذية لتجسيد هذا التعاون الثنائي.

إجراءات تتحمل تونس عواقبها، بفرض عودة التونسيين الملزمين بمغادرة الأراضي الفرنسية، وفي مقدمتهم أولئك المدرجين على القائمة الأمنية لأجهزة الاستخبارات.

أثارت الجريمة الإرهابية موضوع الهجرة غير الشرعية من جديد، فملفها الأمني يقض مضاجع أوروبا عموما وفرنسا بشكل خاص، وهو ما دعا الرئيسين ماكرون وسعيد إلى الخوض في تفاصيله، والحلول التي يجب التوصل إليها لمعالجة هذه الظاهرة، التي خرجت عن نطاق السيطرة، وأفرزت جل المخاطر التي تهدد الأمن العالمي، وجريمة نوتردام آخر مظاهرها.

انفتح خط التواصل الأمني بين تونس وفرنسا، ووزير الداخلية الفرنسي يحط  الرحال على عجل في العاصمة التونسية بتوجيه من الرئيس ماكرون، زيارة في برنامجها مناقشة ملف واحد هو التعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب، برنامج مهد له رئيس الحكومة هشام المشيشي بدعوة وزيري الداخلية والعدل في بلاده إلى التعاون التام مع السلطات الفرنسية في التحقيق حول جريمة نوتردام.

التواصل الفرنسي التونسي الطارئ، بحصر معالجة الإرهاب من زاوية أمنية، يبقى ناقصا إذا ما أهمل ملف دوافع الإرهاب، في ظل أزمات اقتصادية، تتسع معها دائرة الآفات الاجتماعية، فتونس في زمنها الراهن تجابه تحديات عدة في وقت واحد، أخطرها إرهاب صراع إقليمي يحتد قبالة حدودها الجنوبية الشرقية، يدعو أوروبا والمجتمع الدولي إلى دعم قدراتها اقتصاديا وأمنيا لتضطلع بدورها الإقليمي الذي يعزز قواعد الأمن العالمي.

مقالات ذات صلة