الجزائر
قمة الجزائر تبعث الوهج العربي المفقود

الدبلوماسية الجزائرية.. عودة العهد الذهبي

محمد مسلم
  • 1246
  • 0
أرشيف
رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون

نجحت الجزائر، أخيرا، في “لمّ شمل” العرب في القمة الـ31 للجامعة العربية، بعد نحو ثلاث سنوات من الغياب بسبب طوارئ خارجة عن النطاق، ولم يكن هذا النجاح سهلا بالنظر للعراقيل التي أريد لها أن تكون في الطريق، لاعتبارات باتت معهودة في العلاقات بين البلدان العربية.
ولم تتخلف أيّ دولة عربية عن المشاركة في قمة الجزائر، غير أن درجة التمثيل اختلفت من دولة إلى أخرى، ومثل هذه الاعتبارات تبقى حاضرة دوما في مثل هذه المواعيد والاستحقاقات، فهي تتحكم فيها بعض الجزئيات التي لا ترهن بالضرورة العلاقات الاستراتيجية العربية ـ العربية.
وباستثناء غياب الجمهورية العربية السورية لقرارات تنظيمية سابقة، فإن قمة الجزائر تميزت بحضور من المستوى الأول، لكبرى الدول العربية، ممثلة في مصر، التي مثلها رئيسها عبد الفتاح السياسي، إضافة إلى السودان والعراق، فضلا عن الجزائر، البلد المضيف الذي يعتبر أكبر دولة عربية من حيث المساحة، وثانيها من حيث تعداد السكان.
ويعتبر الجدل الذي أثير بشأن جدول الأعمال، أمرا طبيعيا في محطة تريد كل دولة أن تستغلها من أجل تمرير انشغالاتها الخاصة، وقد تغلب مبدأ التوافق على الحساسيات التي برزت منذ البداية، إن في اجتماع السفراء أو وزراء الخارجية، لتوضع على طاولة الرؤساء والملوك والأمراء.
وأجمع الكثير من المشاركين على أن التوافق غلب التنافر في قمة الجزائر، كما جاء على لسان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة: “جدول الأعمال الذي اتفق عليه الوزراء والذي سيعرض على القادة يتسم بمستوى عال من الترشيد، حيث لا نريد أن نكرر مناقشة الأمور التي درستها الاجتماعات الوزارية بمقر الجامعة التي تمت بعد قمة تونس، كما لم تعرض مخرجاتها على القادة أثناء اجتماع قمة، للتصديق عليها وسيتم ذلك جملة خلال قمة الجزائر وهذا هو التوافق الذي أنجز”.
ولم يختلف ما صرح به الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، في حوار خص به وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية، عندما قال، إن “لم الشمل” هو هدف كل قمة عربية، والجزائر أيضا كدولة مضيفة لديها أيضا هذا الهدف، وأكد أن لديه قناعة بأن “التوافق هدف غال يتعيّن العمل من أجله بكل السبل”.
من جهته، الأمين العام المساعد للجامعة العربية، حسام زكي، أوضح أن القمة الحالية سيصدر عنها “إعلان الجزائر”، والذي يتضمن الموقف العربي من القضايا المطروحة على جدول الأعمال، وقد أبدى وزراء الخارجية العرب ملاحظاتهم على بنود الإعلان خلال اجتماع تشاوري، والجزائر ستصيغه في صورته النهائية ليصدر عن القادة العرب بعد ترسيمه خلال القمة، وأكد أن “ثقته كبيرة” في قدرة الجزائر على صياغة وثيقة متوازنة ومقبولة من الجميع”.
وإن أجمع المراقبون على أن الجزائر تمكنت من تجاوز “المطبات” التي واجهت التحضير لهذه القمة، التي جاءت في ظرف خاص بسبب الوضع الذي يطبع العالم هذه الأيام بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، فإن نجاحها في جمع شتات العرب رغم ما بينه من تناحر، وقبله لم الشمل الفلسطيني، يبشر بعودة قوية للدبلوماسية الجزائرية بعد نحو عقدين من الغياب عن المشهدين الدولي والعربي، وفق ما جاء في صحيفة “لي زيكو” الفرنسية.
وكتبت الصحيفة معلقة على احتضان الجزائر للقمة الـ31 للجامعة العربية، نقلا عن مصدر دبلوماسي تحفظت على الإشارة إلى هويته: “يريد الجزائريون الاستفادة من الرياح المواتية. هناك زخم للجزائر. ارتفعت أسعار المحروقات، وزاد منسوب تودد جميع الدول الأوروبية تقريبًا إلى البلاد بسبب غازها، وحققت ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي تم تنظيمها هذا الصيف في وهران نجاحًا لافتا، وجاء إيمانويل ماكرون في أوت”.
وتضيف الصحيفة: “مع هذه القمة، يريد الجزائريون إبراز عودتهم إلى مشهد الكبار على المستوى الإقليمي”، وهي القراءة التي تقاسمتها معها صحيفة أخرى قبلها، هي “لوبينيون”، التي تحدثت بدورها عن عودة العصر الذهبي للدبلوماسية الجزائرية، وذلك انطلاقا من الإنجازات التي تحققت خلال السنوات القليلة الأخيرة.
ولم يكن توصيف المراقبين لمشهد العودة اللافتة للدبلوماسية الجزائرية في الآونة الأخيرة، مدفوعة ببعض المعطيات التي أحسن استغلالها مبالغا فيه، إذ يكفي فقط، استعراض حصيلة الزيارات التي قادت مسؤولين أوروبيين وغربيين وعرب، إلى الجزائر في الأشهر الأخيرة.
ويرى مراقبون أن ما حصل من جدل قبل وأثناء انعقاد هذه القمة العربية، إنما هو ضريبة العودة اللافتة للدبلوماسية الجزائرية على المشهد العالمي والإقليمي، وقد رأت فيه بعض الأطراف أن هذه العودة ستكون على حسابها، وهو ما كان وراء تحركها لمحاولة وضع العصا في العجلة، غير أن قوة المسار جرفت كل ما واجهها في طريقها.

مقالات ذات صلة