الرأي

الخائفون من التغيير!

قادة بن عمار
  • 3036
  • 20

في كل مرة نشاهد فيها برنامجا على التلفزيون العمومي، يحارب أصحابه الربيع العربي من خلال وصفه بأبشع النعوت كـ”الدمار العربي” أو”الكارثة العظمى” مستدلين- بفخر وخبث شديدين- بما آلت إليه الأوضاع في ليبيا وتونس ومصر وسوريا، نشعر فيها أن السلطة في بلادنا ما تزال ترتعد فرائسها و”رِجليها” من هذا الحراك الشبابي الذي يقوم به عدد لا يستهان به من البطالين الشباب، في الجنوب وغيره من مناطق البلاد للمطالبة بحقوقهم المهضومة..

الغريب أن هذه السلطة وبعد خمسين سنة من القبض على مقاليد الحكم دون شريك ولا منافس، ما تزال تبني قراءتها للاستقرار الاجتماعي على “مواعظ” بعض رجالها المتلونين سياسيا، وأقلامها المأجورة، وعلى شهادة زور يقدمها إعلامي في باريس يدير مجلة لا يقرأها أحد، وتصرف عليها الدولة الملايين من مال الشعب دون فائدة ولا نتيجة!

المجلة ذاتها نشرت قبل يومين، ملفا كاملا عن الدبلوماسية الجزائرية ووصفتها بالرزينة، والهادئة جدا، ملفٌ يُضاف لمئات الملفات الأخرى التي تصف البلاد بالجنة على الأرض وترى في القائمين على تسييرها “جماعة من العباقرة” الذين تجاوزوا زمنهم، ولم يكن غريبا ولا جديدا أن نسمع رئيس تحريرها، دائم الظهور على شاشة التلفزيون الجزائري، يرد على سؤال بخصوص التقارير الدولية المشكّكة في وضعية الشباب والحريات والمرأة وحتى الأطفال داخل المجتمع، بأن مكانها الطبيعي هو سلة المهملات، ناسيا أنه المكان ذاته الذي يتمنى عدد كبير-من خصومه على الأقل- رؤية أعداد مجلته “المُفلسة مهنيا” فيه؟!!

هل مئات آلاف الشباب من متعاقدي ما قبل التشغيل والذين سيخرجون مثلا يوم 16 ديسمبر الجاري للمطالبة بحقهم في التوظيف الدائم، يملكون أجندات أجنبية ويتآمرون رفقة عائلاتهم على البلد؟ أم أنهم سيخرجون ليصيحوا: كفى كذبا وتزويرا للحقيقة، فما قاله الوزير محمد بن مرادي قبل يومين على أنه “يستحيل” توظيف هؤلاء الشباب جميعا يعد انقلابا على مواقف رسمية سابقة أوهمتهم أنّ الإدماج سيكون مصير الغالبية، حتى لا نقول جميعهم؟!

لا نلوم الوزير بن مرادي فربما قال الحقيقة، لكن لماذا لا يحاسب سلفه على كرسي الوزارة طالما أنه ردد وعودا لم يلتزم بها، على غرار ما يفعله وزير الصحة الحالي حين يقول أمام الملأ، إن الفترة التي كان ينتظر فيها مرضى السرطان من أجل العلاج الكيماوي، والتي تمتد أحيانا لسنة أو أكثر، ما هي إلا عراقيل إدارية محضة، واعدا بتقليصها إلى شهر أو حتى نصف شهر، فكيف بالله عليكم لا نطالب بمحاسبة الوزير السابق عبد العزيز زياري بتهمة إهمال مشكل، ساهم في صناعة مآسي الآلاف من العائلات؟!

حين يقول وزير الداخلية إن 60 بالمائة من الوثائق التي يُطالب الجزائريون بها في ملفاتهم الإدارية ليست سوى “تعبا مجانيا” فكيف لا يخرج أولئك الزوالية عن عقولهم بعدما فقدوها لسنوات في مطاردة وثيقة هنا أو”شهادة” هناك؟!

لقد باتت تهمة “الأجندة الأجنبية” ومحاولة استيراد الربيع العربي، تلاحق جميع من يرفع صوته عاليا للمطالبة بحق مهضوم، وتحديدا عندما لا يتوقف هؤلاء المتربصون بالمحقورين داخل المجتمع على الإتيان بكل مثال سيء من دولة مجاورة، فقد الشعب فيها حياته لأنه طالب بالكرامة والحرية، قائلين إن السيناريو لا يخرج عن خيارين لا ثالث لهما، فإما العيش بمذلة أو الموت بمذلة أيضا..إنهم لا يتوقفون عن استعمال هذا”البعبع” المخيف المسمى”ربيع عربي” في كل مرة، بل بات يشبه حكايات الغول التي ترويها الجدات للأحفاد، فيجتهد “الإعلام المضلل” على تقديمها للشعوب ضمن جرعات إضافية، لا تتوقف طبعا عن الاستفادة من هذا”المسار المشوّه” الذي انتهت إليه ثورات مصر وتونس وليبيا وسوريا، وكأنهم يرددون بصوت واحد لتلك الشعوب المقهورة: احمدوا الله على ما أنتم عليه، فقد يحمل التغيير ما هو أسوأ!

مقالات ذات صلة