الجزائر
واكبا الحراك الشعبي ويدعوان إلى السلمية حتى تعود الجزائر إلى شعبها

الحسن والحسين.. التوأم الذي تغلب على إعاقة البصر  بروح الإرادة والإبداع

الشروق أونلاين
  • 704
  • 0
ح.م
التوأم الكفيف الحسن والحسين

يواصل التوأم الكفيف الحسن والحسين صنع الحدث في عاصمة الأوراس باتنة وما جاورهما، موازاة مع تميزهما في الدراسة الجامعية ومختلف الأنشطة الجمعوية والإبداعية التي يحرصون على إنجاحها، ناهيك عن مواكبتهما للحراك الشعبي الذي تعرفه البلاد منذ يوم 22 فيفري المنصرم، حيث لم يتوان الحسن والحسين في حضور المسيرات السلمية التي عرفتها باتنة على غرار بقية ولايات الوطن، يحدث هذا في الوقت الذي حصل الحسين على شهادة الماستر في علم الاجتماع، ويسير الحسن على خطاه لإحراز الماستر في علم المكتبات هذا الموسم.

إذا كانت البكالوريا قد فرقتهما لموسم واحد، بعدما تجاوز الحسين هذه العقبة قبل الحسن، إلا أن الأمور سرعان ما عادت وفق الإستراتيجية التي رسماها، حيث أن قاسمهما المشترك لا يزال منصبا على الذهاب بعيدا لتحقيق طموحاتهم الدراسية والإبداعية والشخصية، على غرار أي شخص ينظر إلى هذه الحياة بتفاؤل وإصرار لتحقيق النجاح، خصوصا أن ما يوحدهما هو روح العزيمة، حيث يقول الحسن في هذا الجانب: “لماذا أنا موجود في هذه الدنيا، وما هي الرسالة التي نوصلها للمجتمع.. لا مستحيل مع الإرادة”، وهو ما تعكسهما النشاطات المتنوعة مع جمعيات خيرية وثقافية، ناهيك عن إبداعاتهم المسرحية والمبادرات الإنسانية، وقيامهم بنشاطات تتطلب جهدا بصريا قد يعجز عنها حتى الأصحاء. وهو ما أهلهم للقيام بعدة ومضات إشهارية لمصلحة قنوات تلفزيونية، وأخرى تحت لواء برنامج الأمم المتحدة لذوي الاحتياجات الخاصة الذي اختار الحسن والحسن كتوأم كفيف نموذجي من أصل 100 دولة في العالم، ما جعلهم يبرهنون للإنسان العادي على تفوقهم وتميزهم وجديرون بالتشجيع حسب العديد من الأساتذة الذين درسوا الحسن والحسين أو زملائهم وأصدقائهم ممن يعرفونهم عن قرب.

ساندا الحراك الشعبي ويواكبان مسيرات الدعوة إلى التغيير

أكمل حسين الدراسة الجامعية، وتحصل على ماستر في علم الاجتماع العائلي، أما الحسن فيسير هذا الموسم نحو نيل شهادة  ماستر في علم المكتبات، وموازاة مع ذلك يحرص الثنائي المبدع على تقديم برنامج تحفيزي عبر اليوتوب وشبكات التواصل الاجتماعي بعنوان: “دعني أراك سعيدا”، مع تنشيط محاضرات وحفلات لتحفيز الطلبة وعموم المواطنين والرفع من معنوياتهم وتغيير تفكيرهم بشكل ايجابي، إضافة إلى حرصهم على القيام بأعمال خيرية في مختلف الجمعيات لمساعدة العائلات المعوزة، وإقامة حملات لزرع ثقافة التبرع بالدم، وكذا زيارة المستشفيات ودار المسنين والطفولة المسعفة، في الوقت الذي يطمحون إلى إقامة مهرجان وطني لإبداعات ذوي الاحتياجات الخاصة وانجازاتهم، وإنجاز برنامج تلفزيوني على شاكلة برنمجهم الحالي في اليوتوب “دعني أراك سعيدا”، بغية تغيير نظرة المجتمع إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، مع منحهم الحق في العمل والحصول على وظيفة، وبالمرة تحسين وضعية الشباب بشكل عام، وهو الأمر الذي دفعهم حسب الحسن والحسين للخروج في الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر ويكونان منذ البداية في الصفوف الأولى ضد الظلم والاستفزاز، وقال الثنائي الحسين والحسين في هذا الجانب: “نوصي كل الشباب ان يبقى هذا الحراك الشعبي في إطاره السلمي دون عنف ولا تكسير ولا فوضى… وستُسترد الجزائر إلى شعبها وتكون وردة مزدهرة دائما، ولنكن شعبا عظيما نجعل الجميع يقتدي بنا ويضرب بنا المثل في السلمية والتحضر “.

مختصون يؤكدون أن الحسن والحسين مفتاح للأمل ومصباح للتفاؤل

يحرص التوأم الكفيف الحسن والحسين على بث عبارات تبعث على النشاط والتفاؤل، وتحفز على التفكير الايجابي، حيث يقول الحسن والحسين في هذا الجانب: “لا تقل إني معاق.. مد لي كف الأخوة ستراني في السباق.. أعبر الشوط بقوة.. ما العمى أن تفقد العين الضياء.. العمى أن تفقد النفس الأمل.. والذي يسمع أصوات الرجاء لا يبالي إن علا السمع كلل.. رب طفل مقعد ليس يسير.. ذكره يسبح ما بين الغيوم.. وأمانيه إلى الشمس تطير.. ومراميه تناجيها النجوم.. تفاءل.. فمن التفاؤل يولد الأمل.. ومن الأمل ينبعث العمل.. ومن العمل تحيا الحياة..”. كما أن التوأم الكفيف يملكان شهادة التدريب في التنمية البشرية، وعضوان في أكاديمية الفكر المستنير للتدريب والاستشارات، حيث تلقيا تدريبهما في هذا المجال على يد المدرب لطفي عثماني رئيس أكاديمية الفكر المستنير الذي يقول عن الحسن والحسين بأن لديهما شعاع براق وإرادة قوية، خصوصا وأنهما تحديا كل الصعاب وحققا نجاحات عجز الكثير من الأصحاء عن تحقيقها، وهذا باعتراف الدكتور أمين فركول الذي قال بأن التوأم الكفيف الحسن والحسين يعد ثنائي مميز ومفتاح للأمل ومصباح للتفاؤل. بدليل أن الحسن والحسين ينشطان محاضرات لفائدة الطلبة، وحفلات تحفيزية متنوعة ، كما بمقدورهما إدارة حفل تزيد مدته عن الساعتين ونصف الساعة بفقرات متنوعة وأناشيد وأشعار ومسرحيات وأشعار وقصص من تأليفهما.

تنوّع في الإبداع وحنكة في توظيف التكنولوجيا

ويبقى الشيء الذي وقف عليه الكثير هو تنوع اهتمامات وإبداعات الحسين والحسين، من خلال التقائهما في قواسم مشتركة، واتفاقهما في كل مجالات الإبداع التي يراهنان عليها، ما يجعل صيغة الإجماع هي السائدة بين الثنائي النشيط والمتميز، وعلاوة على طموحهما في الذهاب بعيدا في دراستهما الجامعية، وبالمرة الحصول على شهادة الدكتوراه في مجال تخصصهما، وكذا قدرتهما في تنشيط حفلات ثقافية وفنية وإبداعية تدوم أكثر من ساعتين، وتكون مزيجا بين الإنشاد والمسرح والنصائح والعبر، فإنهم يتقنون توظيف تكنولوجيات الاتصال الحديثة، بدليل مواظبتهما على تقديم برنامج “واحات وعبر” عبر اليوتوب، وهو محصلة تجارب إنسانية مدعمة بعبر من هذه الحياة” بشعار “كن أو لا تكن”، معتبرين الحياة مسألة رياضية، من خلال قولهم: “خذ من الأمس عبرة وانطلق بخطى ثابتة من أجل صنع المستقبل الذي تريد”، مع ضرورة النظر إلى هذه الحياة بنظرة ايجابية، وهو ما تعكس أبياتهما الشعرية: “ليس العمى أن تفقد العين الضياء، وإنما أن تفقد النفس الأمل..”، وهو المبدأ الذي يسير عليه الحسن والحسين لتفعيل حياتهما بمزيد من الطموح والتحدي.

هكذا بدأت مسيرة الحسن والحسين مع متاعب الحياة وتحدياتها

رأى الحسن والحسين النور يوم الفاتح جوان 1991 بباتنة، ويعدان بذلك أول توأم كفيف في الجزائر، ينتميان إلى عائلة بسيطة متكونة من 12 فردا (هم أصغر أفراد العائلة)، سبعة منهم مكفوفون، فشقيقهم نبيل يشتغل في مقهى الانترنيت، ويملك حنكة في تصليح أجهزة الكمبيوتر، أما فيصل فهو مربي مختص في مدرسة صغر المكفوفين بباتنة، وعبد المالك يشتغل في إقامة جامعية (تخصص إعلان آلي)، وجمال يعمل مدير دار الشباب بزانة البيضاء (سريانة)، أما أختهم دنيا فقد توفيت وهي صغيرة، وقد بدأت قصتهما مع رفع التحدي أثناء التحاقهما بمدرسة صغار المكفوفين بباتنة عام 1995، في ظروف وصفها الثنائي المذكور بالقاسية، مؤكدين إلى تعرضهما في تلك المؤسسة الخاصة إلى متاعب مع المعلمة التي كانت تدرسهما، حيث وبعد اجتيازهما السنة أولى ابتدائي والثانية ابتدائي، والتحاقهم بمقاعد السنة الثالثة ابتدائي أقصتهم من السنة الثالثة ابتدائي، ولم تكتف بهذا حسب قولهما، بل أعادتهم إلى السنة الأولى ابتدائي، وكأنهما لم يدرسا السنوات الثلاثة الأولى، ولحد اليوم يجهل التوأم الكفيف سبب تصرف المعلمة، إلا أن الأمر لم يتوقف حسب الحسن والحسين عند هذا الحد، فقد عينت مديرة المؤسسة في ذلك الوقت إحدى المربيات مسؤولة عن المراجعة، وكانت تجبر التلاميذ ومنهم الحسن والحسين على حفظ كل شيء، بما في ذلك نص القراءة حفظا تاما وكأنه قرآن منزّل. في المقابل، كان هناك أشخاص طيبون حسب محدثينا يحبون الأولاد ويدافعون عنهم وعن حقوقهم.

موهبة في التمثيل والمسرح والرياضة منذ مرحلة المتوسط

بعد نهاية المرحلة الابتدائية انتقل الحسن والحسين إلى مدرسة الشبان المكفوفين طاهي حسين ببسكرة، حيث تعلما التمثيل على يد المربيين سليم سيد أحمد وحسين سقواط، وشاركا في المهرجان الوطني لألعاب القوى لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة تحت إشراف أستاذ الرياضة المرحوم عزالدين مشراوي، حيث تحصل الحسن على المرتبة الثانية في سباق 1500 متر والمرتبة الثانية في رمي الجلة والمرتبة الأولى في سباق المراطون، أما الحسين فتحصل على المرتبة الثانية في المراطون والمرتبة الثالثة في رمي الجلة. وبعد حصول التوأم على شهادة التعليم المتوسط عاد مجددا إلى ولاية باتنة للدراسة في ثانوية الشهيد عباس لغرور، حيث كانا محبوبين من طرف أساتذة وتلاميذ الثانوية. وتأقلما مع الأشخاص العاديين على الرغم مما تتطلبه من جهد بصري، إلا أن إرادة الحسن والحسين جعلتهما يتأقلمان مع غيرهما ويحققان أعلى المعدلات والمراتب، والشكر لأساتذتهم الذين بذلوا جهدا إضافيا ليستطيع الحسن والحسين استيعاب الدروس. وانخرط التوأم الحسن والحسين في فرقة التمثيل التابعة للثانوية تحت إشراف الأستاذة خدومي التي اهتمت بهما وحسّنت من قدراتهما، وكانت سندا لهما في المضي قدما نحوا النجاح.

نشاطات خيرية وجمعوية وتشريفات وطنية ودولية

وقد شرّف الحسن والحسين الجزائر وطنيا ودوليا، حيث قامت العديد من القنوات التلفزيونية الوطنية والعربية بإجراء روبرتاجات خاصة عن التوأم الكفيف الذي سبق له أن مثّل الجزائر في منضمة اليونيسيف في مسابقة الفيلم القصير، حيث افتكا إحدى المراتب الثلاث الأولى وسط مشاركة كبيرة من 150 دولة، واختيرا كأحسن نموذج لأشخاص تحدوا الإعاقة، وبرهنوا للجميع بأنه لا مستحيل في هذه الحياة. ويقوم الحسن والحسين بأنشطة النوعية في التنمية البشرية والمجال الجمعوي، فهما عضوان في جمعية الضحى للتضامن والإسعاف التي تقوم بعديد الأعمال الخيرية كزيارة دور العجزة والمسنين والمرضى المتواجدين في المستشفيات، وتقدم إعانات للمعوزين، كما تنشط الجمعية في مجال الإسعاف وتقدم دورات وتكوّن مسعفين تحت إشراف السيد كمال بن سبع رئيس الجمعية والذي قال عن الحسن والحسين بأنهما ثنائي مميز ومحبان للعمل الخيري التطوعي، وتمنى أن يقتدي بهما الجميع. وتعد جمعية الضحى للتضامن والإسعاف أول جمعية في ولاية باتنة تنشط في مجال الإسعافات الأولية، حيث ساهمت في تكوين أكثر من 5000 مسعف.

إصرار على التألق الدراسي لنيل الدكتوراه وتقديم برامج تلفزيونية

وقد كُرّم الحسن والحسين من طرف العديد من الجمعيات والمنظمات والمؤسسات من بينها جمعية الضحى للتضامن والإسعاف ومنظمة حقوق الإنسان بالجزائر وأكاديمية الفكر المستنير للتطوير والتدريب والاتحاد العام الطلابي الحر والإقامة الجامعية عمار بن فليس وحملة 4 وحملة 2 والمركز الطبي البيداغوجي ببسكرة وغيرها، كما تحصلا على عديد الشهادات في مجال التنمية البشرية من عدة مراكز، من بينها مركز إشراق ومركز ألفا برين وأكاديمية الفكر المستنير والمركز الكندي للتدريب والتنمية البشرية. ويبقى طموح الحسن والحسين هو الحصول على شهادة الدكتوراه والتدريس بجامعة باتنة، كما يتمنى التوأم الكفيف أن يديرا ويقدما برامج تلفزيونية تحفّز الجميع إلى التفكير الايجابي، ناهيك عن طوحهما في تنمية مواهبهما المتنوع. وفي هذا المجال، أنجز الحسن والحسين برنامج “واحات وعبر” في اليوتوب، طرحا فيه قضايا اجتماعية وتحفيزية تجعل من يسمعها يتفاءل ويبتسم ويفرح. كما أعدا فيديو خاص عن التبرع بالدم، حتى يدرك الناس مدى أهمية هذا الفعل الإنساني وضرورته لإسعاد المرضى المحتاجين إليه، ومن الناحية الإنسانية فإن الحسن والحسين من بين المتبرعين بالدم من سن 18 حيث أنهما كل 3 أشهر يتوجهان إلى مركز حقن الدم للتبرع بالدم، وحث الناس على أهمية هذا العمل الخيري، وفي الوقت الحالي يعدان برنامجا بعنوان “دعني أراك سعيدا”.

الحسن والحسين للشروق: “عرسنا سيكون على بساط أحمر وحج والدينا أكبر أمانينا”

أكد الحسن والحسين في حديثهما لـ”الشروق”، أن أكبر أمانيهما خارج مجال الدراسة، هو الذهاب بوالديهما إلى البقاع المقدسة لأداء العمرة أو مناسك الحج، لأنهما حسب قولهما بذلا جهدا كبيرا من أجل تربيتهما وتربية 7 إخوة آخرين مكفوفين، ووظفوا كل ما بوسعهما ليصلا إلى ما وصلا إليه، دون كلل أو ملل. وعلى الصعيد الشخصي، فقد أكد الحسن والحسين ل”الشروق” بأن طموحهما أن يكون عرسهما مميزا من جميع النواحي، وسيتم حسب قولهما على بساط أحمر وعلى وقع الخيالة، حيث هندسا له من الآن، ورسما إستراتيجية لكيفية صنع الاحتفال أمام منزلهما، وسيشكل انجازا غير مسبوق حسب الحسين والحسين، مؤكدين بأن السلاح في هذه الحياة هو الأمل والتفاؤل والحرص على تجسيد الطموحات، وذلك برفع التحدي بدل الاكتفاء بالأماني. وأشاد الحسن والحسين في الأخير بوقفة “الشروق” وكل من حفزهما وساعدهما على مواصلة الإبداع لصنع التميز فوق الميدان.

مقالات ذات صلة