الرأي

الحرية منة ربانية

يقول الله تعالى: ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)) البقرة: 30.

إن من المعاني العظيمة التي تشير إليها هذه الآية الكريمة أن الله تعالى خلق الإنسان حرا ليقوم بواجب الخلافة في الأرض. والحرية هي شقيقة الحياة، بل هي روحها ومعناها، لأن ما يقابل الحرية ويضادها من طغيان واستبداد واستعباد وأغلال، كلها من معاني الموت المعنوي الذي يمكن أن يصيب الحياة الإنسانية في مقتل.

وهذا المعنى هو الذي عبر عنه العلامة ابن باديس -رحمه الله- قائلا: “حق كل إنسان في الحرية كحقه في الحياة، ومقدار ما عنده من الحياة هو مقدار ما عنده من حرية، المعتدى عليه في شيء من حريته كالمعتدى عليه في شيء من حياته، وكما جعل الله للحياة أسبابها وآفاتها، جعل للحرية أسبابها وآفاتها، ومن سنة الله الماضية أنه لا ينعم بواحدة منهما إلا من تمسك بما لها من أسباب، وتجنب وقاوم مالها من آفات” .

بل إن الشيخ يجعل تعليم الناس كيف يحيون أحرارا، وكيف يستعملون تلك الحرية الاستعمال الصحيح، يجعل ذلك من مقاصد إنزال الكتب، وبعث الأنبياء والرسل _ عليهم الصلاة والسلام _ فيقول: “وما أرسل الله الرسل- عليهم الصلاة والسلام _ وما أنزل عليهم الكتب، وما شرع لهم الشرع إلا ليعرف بني آدم كيف يحيون أحرارا، وكيف ينظمون تلك الحياة وتلك الحرية، حتى لا يعدو بعضهم على بعض، وحتى يستثمروا تلك الحياة إلى أقصى حدود الاستثمار النافع المحمود المفضي به إلى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة” .

وقد قرّر شيخه العلامة ابن عاشور -رحمه الله- أن استواء أفراد الأمة في تصرفهم في أنفسهم مقصد أصلي من مقاصد الشريعة، وذلك هو المراد بالحرية.

ومن قواعد الفقه قول الفقهاء “الشارع متشوف للحرية”، فذلك استقراؤه من تصرفات الشريعة التي دلت على أن من أهم مقاصدها إبطال العبودية وتعميم الحرية. وأما بيان فلسفة الإسلام في الحرية، وبيان ميادينها فذلك هو موضوع الحلقات القادمة من هذه الضفاف الندية. 

مقالات ذات صلة