الرأي

الجزائريون سيدخلون الجنّة!

قادة بن عمار
  • 6772
  • 17

لا نعرف لماذا تجتهد السلطات بين الحين والآخر من أجل التقليل من حوادث المرور، فتنقِّط الفاشلين في السياقة تارة أو توزّع بطاقات خاصة للسائقين المتهورين تارة أخرى، لكنها لا تحرّك ساكنا إزاء أولئك المتهورين الذين يحكمون البلد في أكثر من موقع، ويتجهون به نحو الهاوية “من دون فرامل!”

ربما لأنها تدرك جيدا بأن التهور بات صفة مطابقة للكثير من سلوكات هذه السلطة ورجالها، بل إنه يكاد يكون شرطا أساسيا لممارسة المسؤولية في البلاد، لذلك تزايدت في الآونة الأخيرة، قضايا الفساد وفضائح الرشوة والاختلاس ونامت معها جميع أطر محاربة تلك الأمراض التي تنخر جسد الدولة من الداخل، على غرار دواوين مكافحة الفساد والمخدرات وإرهاب الطرقات وغيرها من الأطر التي تستنزف المال العام بلا حساب، لكنها لا تقدم أداء جيدا أو حتى دون المتوسط!

من بين هؤلاء السائقين المتهورين داخل السلطة مثلا، الأمين العام للمركزية النقابية عبد المجيد سيدي السعيد، والذي قيل بأنه مرض وسافر للعلاج خارج البلاد، وبأنه بات في المدة الأخيرة يتنقل بين باريس وجنيف، حيث كان المرض سببا مباشرا في غيابه عن احتفالات عيد العمال هذه السنة.. وطبعا، ظهر سيدي السعيد بعد نهاية الاحتفالات ليقول مبتسما، بأنه تعافى من المرض الذي جعله يسافر إلى باريس حقا لكنه بقي هناك أسبوعين فقط، ولم يسافر بعدها إلى سويسرا “كما أشاع المغرضون والمنافقون والأفّاكون!!”

أكثر ما يثير الاستفزاز حقا في تصريح سيدي السعيد، قوله أنه تعافى وسيعود مجددا لكفاحه الطويل والمستمر في سبيل ضمان حقوق العمال، واسترجاع المهضوم منها والدفاع عن الفئات المهمشة داخل المؤسسات والإدارات العمومية والخاصة!!

هل رأيتم تصريحا مستفزّا ومثيرا لضغط الدم والاصابة السريعة والسهلة بالسكري، وربما بأمراض أخرى أكثر من هذ؟!

إذا كان المرض الذي أصيب به سيدي السعيد هو ابتلاء من عند الله، فإن هؤلاء المسؤولين المتهورين الذين لا يجيدون قيادة السلطة، هم ابتلاء رباني للشعب أيضا، ولا شك أن الخالق عز وجل لن ينسى عباده الجزائريين الذين صبروا عقودا طويلة على هذا الابتلاء العظيم، ممثلا في طينة من المسؤولين الذين لا يجيدون غير نفخ جيوبهم وتجويع شعبهم، واستنزاف المال العام وتخريب المقدّرات الوطنية، ثم الادعاء أنهم يخدمون الوطن ولا شيء غير الوطن!!

أحيانا، أتصوّر أن الجزائريين جميعا سيدخلون الجنة بسبب صبرهم الكبير على مثل هذه الممارسات المتهورة لزمرة من المسؤولين، والذين وزيادة على سلبيتهم المطلقة في تسيير الشأن العام رغم كل المقدّرات والثروات التي تستطيع أيّ حكومة أن تغدُق منها على شعبها ثم تسأله في كل مرة: هل تريد المزيد؟ فإن الصبر على البلاء يتمثل أيضا في القدرة الرهيبة على احتمال ما لا يُحتمل: سلطة ضائعة بلا بوصلة، برلمان ناقص للشرعية همّه الأول زيادة رواتب نوّابه، أحزاب سياسية غارقة في التطبيل والتزمير، إعلام قاصر ومعارضة بائسة لا تغني ولا تسمن من جوع، حكومات متعاقبة يتغيّر الوزراء فيها لكنهم جميعا بلا فائدة، فضائح فساد لا تتوقف، ارتفاع متزايد في أسعار المواد الأساسية تغطّيه سياسة تجويع منظمة، قتل بطيء للطبقة المتوسطة ونقابات ضعيفة لا تستطيع المواجهة.. حتى أفراح الرياضة وكرة القدم لا تكتمل بل غالبا ما تكون سببا لمآسٍ كثيرة مثل العنف في الملاعب أو مزيد من فضائح التسيير ونهب المال العام!

بعد كل هذا، لا يزال شعبنا صابرا ومستميتا في صبره، وكأنه يواجه قدره المحتوم دوما بعبارة “الله يجيب الخير”.. ألم نقل لكم أن الجزائريين جميعا سيدخلون الجنة!؟

مقالات ذات صلة