-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
جريمة قتل المراهق نائل تكشف المستور

التمييز ضد الفرنسيين من هويات وافدة يُسائل قيم ثورتها

محمد مسلم
  • 1069
  • 0
التمييز ضد الفرنسيين من هويات وافدة يُسائل قيم ثورتها
ح.م

ما تعيشه فرنسا منذ أيام، من أحداث مأساوية بسبب القتل الجبان للمراهق الفرنسي من أصل جزائري، نائل، هو مظهر من مظاهر الانفصام البين في تعاطي السلطات الفرنسية مع رعاياها انطلاقا من أصلهم وهويتهم.
بعض المختصين في الدراسات الاجتماعية لا يتورعون في الحديث عن مجتمعين منفصلين ومختلفين في فرنسا، الأول هو المجتمع الفرنسي من أصول فرنسية يعرفون مباشرة من خلال بشرتهم البيضاء، وهؤلاء هم الصنف الأول من المواطنين في بلد فولتير.
أما الصنف الثاني من الفرنسيين فهم يختلفون في كل شيء عن الصنف الأول في الدين ولون البشرة، منفصلين ليس فقط في الهوية، بل حتى أمكنة الإقامة والمدن، وبلغة مباشرة هم سكان الضواحي، الذين وصفهم ذات مرة الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي عندما كان وزيرا للداخلية، بـ “الحثالة”، في أحداث 2005 الشهيرة التي هزت فرنسا والعالم بسبب مقتل اثنين من الرعايا الفرنسيين من أصول غير فرنسية، بالطريقة ذاتها التي قتل بها المراهق نائل.
مجتمع الصنف الثاني من الفرنسيين، لا يمكن معرفته فقط من خلال اللغة والدين ومكان الإقامة (الضواحي الباريسية والمدن الكبرى)، وإنما من خلال الوضع الاجتماعي، فشباب الضواحي يعيشون وضعا اجتماعيا لا يطاق، بطالة متفشية وإهمال يبدو مقصودا من قبل الدولة، أدى إلى انتشار بعض الأمراض الاجتماعية مثل المخدرات وبعض الجرائم المعزولة، ليس لأنهم مجبولين على الخروج على القانون، وإنما رفضا لواقع اجتماعي متردي، وإهمال سياسي فادح تتحمله مؤسسات الدولة الفرنسية على اختلافها.
حادثة الجريمة المروعة تم تصويرها من قبل من كان قريبا من المكان، شرطي يخرج مسدسه ويطلق النار ببرودة دم على سائق سيارة من المسافة صفر، عبر النافذة وبجانبه شرطي آخر منحني أيضا شاهدا على الجريمة بل ومشارك فيها، متورط لعدم إيقاف زميلة قبل ارتكابه عملية القتل، بل التصفية.
والأكثر من ذلك أن فيديو تم تداوله على نطاق واسع، حول الحديث الذي دار بين الضحية وعنصر الشرطة تضمن تهديدات بالقتل من عنصري الأمن، كما أن روايتهما كانت كاذبة بادعاء إطلاق النار بسبب وجود خطر على حياتهما، لكن المشاهد فضحت تلفيق هذه التهمة للضحية.
وقائع الجريمة طافت مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، وأعادت تكريس واقع معاش ومعروف، ولكن لم يكن محل تداول إعلامي كبير خلال أحداث عملية القتل، فتم استحضار المشهد المتكرر منذ أحداث الضواحي الباريسية سنة 2005، ليتأكد للمرة الألف أن الدولة الفرنسية لا تؤمن حقيقة بقيم الأخوة والمساواة، التي قامت من أجلها الثورة الفرنسية قبل أزيد من قرنين من الزمان.
تجنيد السلطات الفرنسية لنحو 40 ألف شرطي ودركي لمواجهة الأحداث التي فجرها مقتل المراهق نائل، واعتقال ما يفوق الألف متظاهر، يعني أن القضية تتجاوز احتجاجات عابرة، وإنما أزمة بنوية في المجتمع الفرنسي، باتت تهدد بحق النسيج المجتمعي الفرنسي المهلل بسبب التناقضات التي يعاني منها.
يعترف مختصون فرنسيون وفي مقدمتهم عالم الأنثروبولوجيا، ديديي فاسين، بأن سكان الضواحي معتادون على عدوانية الشرطة، والحوادث اليومية التي تعرض حياتهم للخطر، وبالخصوص منذ التصويت على قانون الأمن العام في عام 2017 الذي وسّع شروط استخدام السلاح الناري لضباط الشرطة.
ويؤكد وفق عمود وقعه في صحيفة ليبراسيون الفرنسية: “العقد الاجتماعي الذي يربط أفراد المجتمع يفترض مسبقًا قدرًا ضئيلاً من الاحترام للحياة البشرية، ومن باب أولى من جانب الوكلاء الذين يفترض بهم حمايتهم، عندما تقتل الشرطة دون مبرر، يتم كسر هذا العقد “.
كما يعتقد عالم الأنثروبولوجيا أن المتظاهرين يريدون إرسال رسائل من وراء هذه المظاهرات مفادها أنهم “الصوت الوحيد الذي يظل مسموعًا للتنديد بالظلم المزدوج والوحشية والإفلات من العقاب”، التي عادة ما تطبع تورط رجال الشرطة في حالات القتل المتعمد لأبناء الضواحي.
وتشير التقديرات المتداولة إعلاميا إلى أن عنف الشرطة تسبب في مقتل أربعة أضعاف الأشخاص لرفضهم الامتثال في السنوات الخمس الأخيرة مقارنة بالعشرين سنة الماضية، ولعل هذا المعطى هو الذي كان وراء انتقاد اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان (CNCDH) التابعة للأمم المتحدة، السلطات الفرنسية على التمييز في تعاملها مع مواطنيها.
ومما يزيد من حدة الاحتقان الذي يغذي التمييز ضد الصنف الثاني من الفرنسيين، بروز سياسيين يفتقرون إلى أخلاق المواطنة، وهم اليمين المتطرف، الذي لا يتورع في كل مرة عن تبرير جرائم الشرطة ضد أبناء الضواحي، بداعي صعوبة مهمتها في محاربة الإجرام على حد زعمها، فيما يتجاهل خطاب الكراهية ضحايا عنف عناصر إنفاذ القانون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!