“البوْلسة” لن تُوقف “الدعْشنة”!
![“البوْلسة” لن تُوقف “الدعْشنة”!](https://i.dzs.cloud/www.echoroukonline.com/wp-content/uploads/2021/03/tunis_118377448.jpg?resize=790,444.375)
في غمرة الدهشة والفزع مما وقع في الجمعة الدامية من عمليات تقتيل في تونس، الكويت، فرنسا والصومال، لم ينتبه البعض، وتحديدا من النخب، إلى مجموعة من المسائل الهامة قد تحدد شكل تحرك الحكومات ومن”يفكّر لها” في الأيام المقبلة للتعامل مع “تنظيم الدولة الإسلامية” الذي يستعد لشن هجمات جديدة لا ريب.
من بين تلك المسائل:
الرئيس التونسي قايد السبسي، وفي أول ردة فعل له عقب جريمة سوسة، قال بأن من يتحمّل المسؤولية هم من حرّكوا حملة “وينو البترول“، في إشارة إلى أنها أربكت جهود الأمن وشتتت توجهاته.
وحملة “وينو البترول” هي التي قام بها عددٌ من الشباب التونسي للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية ومحاسبة الحكومة على سياستها الاقتصادية، ناهيك عن إلزامها بتقديم حصيلة لكيفية تسيير المال العام…
السبسي يريد أن ينتقم ويستغل الأوضاع السيئة لصالح نظامه، إنه يستعمل المبرر ذاته المنتشر عندنا هنا بالجزائر: الأمن والاستقرار أهمّ من التغيير السياسي.. بدليل الاحتفاء الكبير هذا الأسبوع بتقريرين أمريكيين يصنفان الجزائر ضمن البلدان الأشدّ أمناً بالمنطقة، أكثر من الانتباه لتقرير آخر يرصد خروج 700 ألف جزائري للاحتجاج في الشارع منذ بداية سنة 2015 وحدها!
من جهته، وزير الخارجية المصري، سارع وبعد عمليات الكويت، تونس، وفرنسا، إلى الاتصال بمسؤولين أوروبيين، وفي مقدّمتهم نظيراه البريطاني والايطالي ليعرض خدمات مصر في ضرب “داعش” بليبيا والتدخل عسكريا في هذا البلد، اليوم قبل الغد، ناسفا بذلك جهود الجزائر للبحث عن حل سياسي، وطبعا فإنه لا يعرض هذه الخدمة مجانا، بل مقابل السكوت عن جرائم نظام السيسي في الداخل، وقمعه للمعارضين، ناهيك عن مواصلته تنظيم حفلات الإعدام الجماعي لخصومه وفي مقدمتهم الرئيس المنقلب عليه محمد مرسي..
وإذا كان هذا هو تفكير الأنظمة السياسية التي اعتادت على الحل الأمني الشامل في التعامل مع مثل هذه “الظواهر“، فإن الأمر لا يختلف بالنسبة للنخب التي “تفكّر لها“؛ فالأنظمة تقرر وتأمر بغلق المساجد وملاحقة السلفيين.. وبعض النخب الاستئصالية تُنظّر لحرق الكتب، وخلع المواطنة عن عدد من المنتمين للتيار الإسلامي ولو كان معتدلاً!
البعض يلاحق ابن تيمية الميّت منذ 700 سنة، ولا ينتبه ربما لجاره الشاب الذي لا يعرف أحد بأنه سيتحول إلى“جهادي” يفخّخ نفسه في أي لحظة لينفجر في وجه الجميع!
وبعد المساجد، لاشك أنهم سيتحولون إلى المدارس، لتغيير المناهج التعليمية، وليس مستبعدا أن يحذفوا آيات الجهاد من القرآن الكريم، ليؤسسوا بذلك دينا جديدا مكانه “مساجد الدولة البوليسية” بل قد نسمع قريباً عن “حصر العبادات في البيوت مع الترخيص لأداء صلاة الجمعة فقط في تلك المساجد“!
بعض الكتّاب والمثقفين، بدؤوا فعلا في “أداء مهمتهم” بنصب محاكم تفتيش لمن يختلف معهم في الرأي، إنهم يبحثون بين الأسطر عن أي “فكرة شاردة” تدعو مثلا إلى معرفة هؤلاء الشباب الذين تجنّدهم بعض الجماعات المتطرفة، فيصدرون حكما جاهزا وربما، حتى قبل إتمام قراءة ما يكتبه الغير، بالقبض عليهم.. والتهمة جاهزة “دعْشنة المجتمع” أو“تدعيش الجمهور“!
المنعُ لا يولّد إلا مزيدا من التطرف، و”البولسة” ليست حلا من أجل مواجهة “الدعشنة”، بل هما يصبان في إناء واحد، يكتفي بمعالجة الظاهر ولا يغوص في الأعماق.. الحل أن ننظر إلى المرآة بشجاعة، ونحل المشكلة بهدوء.