-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

البراغماتية.. الموقف والمبدأ

عمار يزلي
  • 571
  • 0
البراغماتية.. الموقف والمبدأ

البراغماتية التي انتجتها وانتهجتها الرأسمالية في الغرب بعد عقود وأجيال وقرون من الممارسة العملية لمبدأ الربح والمصالح، هي التي دفعت إلى ابتداع فكرة “العملية” أو “البراغماتية” التي تجعل من المصالح الذاتية الشخصية للفرد أو الجماعة، مبدأ أساسيا في كل المعاملات والتعاملات.

هذا المبدأ الذي تطور أكثر مع القرن الـ20 والـ21 بفعل انتشار النظام الرأسمالي عالميا، بل وسيطرته على السوق الاقتصادية العالمية التي شملت كل مناحي الحياة من أبسط منتج مادي صناعي أو ثقافي أو فكري إلى أعتى وأضخم المنتجات الاقتصادية والثقافية والعسكرية، هو مبدأ الليبيرالية، وأكثر ما يكون؛ هو مبدأ الليبيرالية الجديدة، التي تعمل على إلغاء أيِّ نظام يتدخَّل في السوق، من الإنتاج إلى التسويق والترويج والاحتكار والاستهلاك، بما في ذلك التحرر من قيود الدولة والحكومات والقوانين المنظّمة لقطاعات الاقتصاد في شموليته.

هذا التوجُّه المعلن الحالي، الذي يعمل على تأسيس إمبراطورية مالية واقتصادية عالميا، مركزة ومحتكرة، من شأنها أن تعمل على هيمنة اقتصادية عبر جسر الهيمنة السياسية والعسكرية: تنتج الحروب وتغذيها وتنمي النزاعات والتناقضات بحثا وعملا في إنتاج أسواق استهلاكية، بدءا من سوق السلاح الذي يأتي على رأس قوة المال العالمي، إلى تجارة الجنس، والتي تحتل المرتبة الثانية عالميا بعد تجارة السلاح، مرورا بتجارة الخدمات والترفيه، ثم الاستهلاك اليومي. اللعب على تعارض وتضاد الطبقات والكتل والفئات والشرائح الاجتماعية بهدف إيصالها إلى مرحل التناقض الداخلي وحتى الخارجي وخلق ما يسمى “بؤر الفتن” التي تسميها الأوساط الليبرالية اليمينية الجديدة في الغرب الأمريكي “الفوضى الخلاقة”، كما تقوم بعملية وتفتيت الهويات المجمعية والدول والأمم قصد إلحاقها بمنظومة الابتلاع والهيمنة.

من هذا المنطلق البراغماتي الذي يدعي البعض من الدول والمؤسسات ومنظومة الحكم في المجتمعات النامية، ومنها فكرة وسياسة التطبيع مع العدو، أنها سياسة “عملية وبراغماتية” اقتصادية أساسا، تهدف إلى تنمية المنطقة بعيدا عن فكرة العداوة السياسية التي لا تعدو عند من أملوا عليهم وأملوا لهم، أن يكون موقفا مثبِّطا ومقيِّدا لمبدأ الربح والفائدة المشتركة: هذا الادّعاء هو مجرد تبرير وتبييض وشرعنة للهيمنة التي أسست وتؤسس وتبني لها منظومة العالم المالي والطغم المالية المتحكمة في دواليب السياسة والأمن والقوة التكنولوجية العالمية ومخابر البحث الجامعية والعسكرية. هذه القوى تعمل على جعل مبدئية المبدأ، مجرد فكر تقليدي يجب العمل على القضاء عليه؛ فالمبادئ لا وجود لها عند هذه الطغم، ومبدأها الوحيد هو “المصلحة الذاتية”. وعليه، يقال في علم السياسة إنه “ليس هناك أصدقاء دائمون وليس هناك أعداء دائمون، بل هناك فقط مصالح دائمة”.

لهذا، ينبغي أن نوضِّح الفرق بين التعارض، الذي هو متلازمة عضوية مع عملية التغير والنمو، وتمثل محرك الحياة، وبين التضاد الذي هو قانون كوني سرمدي في كل الكائنات والمعلومات مادية كانت، طبيعية، فيزيائية أو بشرية، وبين التناقض الذي هو ذروة الصراع والاختلاف والخلاف الناجم عن التضاد والتعارض.

عندما يقول كيسنجر في مذكراته إنه لم يفهم كلام الرئيس هواري بومدين بشأن موقف الجزائر من “مبدأ تقرير مصير الشعب الصحراوي” ورفض الجزائر المبدئي لفكرة تقاسم إقليم الصحراء الغربية ووادي الذهب، قال كيسنجر إنه لم يفهم معنى  “المبدأ” الذي يتحدث عنه الرئيس بومدين، لأن مصالح الجزائر كانت حسبه، في قبول ممرّ يطل على المحيط الهادي، وهو ما رفضته الجزائر من حيث المبدأ باعتباره “مبدأ” حتى ولو لم تكن هناك فائدة مصلحية آنية وشخصية في هذا الموقف وهذا “المبدأ”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!