منوعات
انتهى رمضان وبقي الجدل.. محمد الأمين بحري:

الارتجال وانعدام الهوية يرهنان الدراما الجزائرية

زهية منصر
  • 693
  • 0

انتهى شهر رمضان غير أن الجدل الذي صنعته الأعمال والنقاش الذي أثارته المواضيع المطروحة ما يزال مستمرا. في هذا الحوار يعود الدكتور والناقد محمد الأمين بحري إلى عديد النقاط التي أثارتها دراما رمضان وما ارتبط بها من المواضيع الفنية مثل كتابة السيناريو، التناول النقدي للأعمال وتأثير الوسائط الاجتماعية.

كنت من المتابعين لبرامج رمضان طيلة الشهر الكريم.. ماهي أبرز الانطباعات التي خرجت بها؟

لعلها ثلاثة:

الارتجال في كتابة السيناريو، فعند أخذ السيناريو التنفيذي من خلال مشاهدة الحلقات سنعلم بأنه أسند لغير صناعه، ولم تستطع تجربة ورشة السيناريو في عديد الأعمال الرمضانية تغطية هذا الخلل، حيث لا يمكن للورشة أن تعطيك غير الأفكار دون أن تمنحك أدوات الكتابة وتقنياتها وبناء الرؤية الفنية، وصناعة منطقها الدرامي.

انعدام الهوية الجزائرية من خلال فضاءات التمثيل في كثير من الأعمال، حيث نرى إيحاءات بمدن وأرياف لكن دون أي تأسيس أو اشتغال على هوية البيئة المكانية وثقافة الفضاء. إذ أن المدينة عامة سواء بمظاهرها الطبقية الفاخرة (مسلسل يما) أو أحيائها الخلفية البائسة (بابور اللوح)، ولا الريف كان حاضراً في الأعمال ذات الإيحاء البدوي (بنت لبلاد)، ففي هذا المسلسل الأخير (بنت البلاد) يتم إعدام البيئة الريفية بطريقة فجة، لا يظهر أبداً كمسرح للأحداث وأفعال الشخصيات، بل يكتفي المصوّر بصورة بانورامية واحدة من الأعلى تظهر جبلا فوقه قرية بينما تتم جميع مشاهد التمثيل في الغرف المنزلية لبيت أو بيتين مغلقين، وهذا ما يمثل حرفياً إعدام البيئة المكانية وهوية الفضاء التمثيلي للمدن والأرياف الجزائرية المنفية أو الممحوة في أعمالنا التلفزيونية.

عدم فهم فكرة الموسم الجديد القائمة في الأساس على تغيير القيمة والحدث وتوجه الخط الدرامي بعناوين وقصص فرعية جديدة، وأدوار جديدة تمنح نكهة مختلفة للموسم الجديد ولونا مختلفاً حدثياً وموضوعياً عن القديم، دون أن تخرجه عن عنوانه السابق، فالموسم الجديد ليس نسخة طبق الأصل بل طبعة مختلفة بموضوعات وتوجهات حديثة مختلفة عن السابق، أما ما شاهدناه فهو عدم التمييز بين فكرة الموسم، وتكرار الموسم أو العمل السابق.. وهنا نقول بأن ما تم تقديمه للمشاهد الجزائري على أنه مواسم جديدة، لا يعدو في الحقيقة أن يكون استمراراً غير ناضج لمواسم سابقة، ويظهر ذلك في الإفراط في ربط العمل الحالي بمشاهد من طبعته السابقة في العالم الماضي، دون أن يكون لذلك أي خدمة جمالية “للفلاشباك” في العمل كأن يحدث تغيّراً في الإيقاع أو يلعب على الوتر الزمني للحدث، وإنما يتم تكثيف مشاهد “الفلاشباك” المأخوذة من إعادة سابقة من أجل ربط حدث مفكك ومواصلة فكرة مقطوعة أو تحقيق انسجام مفقود. فضلا عن السقوط في تقليد صور ومشاهد تركية من حيث الحبكة، وأمريكية من بعض مسلسلات “النتفليكس” شكلاً لا مضموناً.

أحدثت بعض انتقاداتك أو لنقل ملاحظاتك حول بعض الأعمال ردود فعل عنيفة عند بعض من شاركوا فيها.. لماذا الوسط عندنا لا يقبل النقد؟

النقد هو آلية للتقييم، وهو استكمال لجمالية المنجز الفني عموماً، سواء تناول في ذلك السلبيات أم الإيجابيات..

المشكل لدى هؤلاء ولدى الساحة الفنية عموماً التي ترفض وجود النقد، هي مضمون المثل القائل (من جهل شيئاً عاداه)، لأن هناك سوء فهم للنقد، أو لنقل بأنهم يحملون صورة مغلوطة عن ماهية النقد، وهذه الصورة شوّهها من لا علاقة لهم بالنقد، بل تم الاعتقاد لأن كل من يقدم رأيه أو انطباعه أو تهجمه على شخص أو عمل هو من النقد وهذا أكبر تشويه.. لذلك هم معذورون لأن الصورة التي يحملونها عن النقد مغلوطة ومشوّهة، وكثير من ركبوا مصطلح النقد لا علاقة لهم به. وزادوا في تشويه صورته وغربته.

فضلاً عن أن البيئة الفنية عموماً لا تعرف النقد ولم تألف وجود نقاد فيها، لذلك عاث فيها فساداً كل الدخلاء والأدعياء وأصحاب المال والشركات الوهمية والسيناريست الوهميين والمخرجين والممثلين والفنيين الدخلاء.. كل ذلك في غياب النقد والنقاد الذين وظيفتهم تحليلية وتفكيكية لعناصر العمل، والذين تبدأ وظيفتهم مع بداية العمل مرافقة ودراسة وتشريحاً وتستمر إلى مراحل تنفيذه وما بعد بثه. وليست منشورات فيسبوكيية أو بلاطوهات تهريجية وتنمرية بين الأشخاص والنرجسيات وصناع المحتوى على المنصات الرقمية. كما شاهدناه طيلة رمضان (من تشوّهات سمعية وبصرية تتم جهلاً باسم النقد). لأن النقد ببساطة لا علاقة له بالأشخاص وليسوا موضوعاً له ولن يكونوا. كما فهمه رافضو النقد وأدعياؤه. وإنما هو عمل تفكيكي مشهدي وعلمي ومنهجي ونظري وتطبيقي بالشواهد والمرجعيات لعناصر وعينات معينة للعمل وليس لصاحب أو أصحاب العمل.

الكل يرافع لأجل التكوين.. هل تعتقد بأن فتح مدارس تكوين كفيل بإيجاد دراما جزائرية تنافسية؟

التكوين ليس معناه المعاهد والجامعات فقط، بل تلقين المبادئ الأساسية للفنون، بطريقة بيداغوجية تحترم معاييره. وتتبع خطواته التدريجية من الأبجديات إلى اللواحق والمكمّلات. وهذه ليست مهمة المعاهد والجامعات فقط، بل إن الهياكل الثقافية كلها لها بنود وإمكانات مادية ومرافق استقبال وتكوين للقيام بهذا العمل الذي يمكن لو استغلت المسارح والمدارس الفنية والمعاهد الوطنية للفنون، ودور الثقافة ما لديها من إمكانيات، لقامت بمسيرة من التكوين من دورات تكوينية وطنية وجهوية أو قطرية ورشات تطبيقية وماستر كلاس. وجلبت لمتربصيها أمهر الطاقات التكوينية وأبرز المكوّنين البيداغوجيين المنتشرين عبر المعاهد والجامعات والمؤسسات الثقافية. وهذا العمل ليس موسميا بل مفتوحا طوال السنة.

أما على مستوى الخواص، فهناك عمل احترفي معروف على مستوى المؤسسات المنتجة أو الجهات المنتجة للأعمال الفنية المحترمة، حيث يفتح المنتجون “كاستينغ” موسعا لدخول ورشات ودورات تكوينية وليس للتمثيل مباشرة كما هو لدينا. قلت، يقوم المنتج بفتح دورات تكوينية للممثلين والفنيين قد تدوم أشهراً من أجل تكوين الفريق الفني الوافد من مجالات مجاورة مثل منصات التواصل أو صناع المحتوى أو هواة التمثيل الذين لم يحظوا بفرصة تكوين أو كان حظهم منه قليل، فيتم منحهم فرصة تكوينية طويلة أو قصيرة المدى بحسب إمكاناتهم قبل الدخول الفعلي في الأداء.. وليس جلبهم مباشرة من أمام شاشات هواتهم إلى استوديو التصوير كما هو صائر للأسف لدينا.

وليس عيباً إن جلبنا شخصية رائجة ومنحناها التكوين الكافي لدمجها في عمل فني ما، بل العيب هو إقحام من هبّ ودبّ مباشرة في التمثيل دون أي فرصة تكوينية في المجال الذي يقحم فيه. وفرضه على جمهور المشاهدين، وحين يعبر المشاهدون عن سخطهم على ما يقدم لهم من محتوى. يصبح هذا الدخيل غير المكون أو المهيكل فنيا: لساناً ضد النقد وبعدما كان ضد الفن الذي جلب إليه ظلماً. وهذا ببساطة ما شاهدناه ونشاهده اليوم.

في ظل انحصار المساحات المتخصّصة.. هل تعتبر “نقد الفيسبوك” ذا مصداقية؟

لا أعتقد بوجود نقد على الفيسبوك، بل إن النقد مكانه المؤلفات والمقالات المتخصّصة، والبلاطوهات التحليلية من لدن المتخصصين، غير أن هذا لا يمنع من أن يكون الفيسبوك منصة لإبداء الرأي.

المقارنة في الفيسبوك والتي لا يجب أن نخلط بين طرفيها أن الفيسبوك له وجهان أو نوعان من الصفحات إن صحّ التعبير وهي كالتالي: هناك صفحات فيها كلام مختصّين في الفن، أو قريبين منه، أو ممارسيه، أو مدرسيه، أو أخصائييه المحترفين، في حين يتكلمون ويعطون آراءهم أو ينشرون أجزاء من مداخلاتهم أو حواراتهم أو تحليلاتهم أو بحوثهم ومقالاتهم الرصينة والعارفة، يكون كلامهم ذا أهمية ودراية وبُعد نظر وعُمق رؤية، ويمكن الاستفادة منه تحليلياً ونقدياً وجعله مرجعاً فعلياً. وفي الجهة المقابلة هناك صفحات (الغاشي) الذي يفهم في كل شيء وضرب بعضه ببعض. ويخبط خبط عشواء في كل الأمور، وهذه المهاترات والصفحات لا يجب أن يؤخذ بها أو تحتسب كتقييم في أي ميزان من موازين التحليل والنقد، ولا يجب حتى أن ينزعج منها الفنان الناقد والمختص في المجال إن هي تطاولت عليه أو بنت حوله موجة من الانتقادات أو حققت (تراند) وضجة حول عمل ما لأن الأشياء بمصادرها ومعادنها تعرف، ومن لا مصدر له لا صدى له. طبعاً. هذا هو موقفي ببساطة من منصات التواصل. التي قد تنفخ التفاهات أكثر من أن تسلّط الضوء على الكفاءات. ويبقى للكفاءات جمهورها ومتابعيها وللفراغ والهراء جمهوره أيضاً. ولا يجب أن يزعج أحدهما وجود الآخر. فالفرق شاسع والهوة سحيقة بينهما. كنقيضين في كفتي ميزان “الملتيمياديا”.

في الوقت الذي ينادي الكل بضرورة التطرق إلى آفاق جديدة، والتجديد في كتابة السيناريو، نجد المجتمع لا يتقبل التعاطي مع مواضيع جريئة؟

من البديهي أن الجديد ليس هو الجريء بالضرورة، ومن البديهي أيضاً أن نقاد المسرح والدراما في العالم حدّدوا حوض المواضيع المطروحة في الميدان بـ41 موضوعاً لا يمكن للبشر أن يزيغوا عنها وأن كل ما كتبوه في تاريخ الفن لا يخرج عن هذا العدد. ما يعني أننا لا ننتظر جديد الموضوعات بل جديد الرؤى الفنية، وجديد أساليب التناول، وجديد طرق التمثيل وتقنيات الطرح والعرض، هذا هو المنتظر، أي الجديد الأسلوبي والفني والتقني كما نراه وننبهر به يومياً على منصات عالمية. ولما كان كل هذا بعيد وغير مطروح لدينا، فإننا لا نطالب سوى بإعطاء الفرصة للكتاب الحقيقيين المختصين في الميدان وإعطاء فرص لنصوصهم وأعمالهم المكدسة في رفوف لجان دراسة السناريو لدى المنتجين، بدل فرض سيناريوهات المعارف والأبناء وزملاء العمل التي فرضت على الجمهور بكل تلك الترقيعات وبعضها طرحت في شكل ورشات رباعية وخماسية فشلت جميعاً في تقديم محتوى فني مقبول. وهذا ليس بسبب انعدام كتاب السيناريو، بل بسبب تهميش الكاتب الحقيقي المثقف، والعمل بالمحسوبية والمعارف الشخصية التي جعلت “الكاميرامان” والصحفي والمنتج، والمخرج وتقني الصوت والإضاءة والممثل، وحتى أصحاب شركات “السبونسور” صاروا (في كوكب الدراما الجزائرية) ضمن ورشات كتابة السيناريوهات الهزيلة التي تقدم لنا. بينما كاتب السيناريو الحقيقي ملقى خارج دائرة الكتابة التي منحت لغير أهلها. وقمة العبثية في كتابة السيناريو هي ما شاهده الجمهور الجزائري بأم عينه والمتمثل في أن أصحاب “السبونسور” صاروا يفرضون ما يريدون من مشاهد مقحمة على ورشة السيناريو هذه لتمرير مشهد تمثيلي يحتوي إشهارا للسلعة التي ترعى المسلسل.

وقد تم فعلاً إقحام الإشهار داخل كتابة السيناريو، وتم تنفيذه حرفياً من طرف الممثلين وإخراجه للجمهور بكل عبثية، دون مراعاة أدنى قيم الكتابة أو منطق العمل أو الحبكة، أو حتى المشاهد، وهذا خير مثال على المستوى العبثي الذي بلغته كتابة السيناريو حين تعطى لكل المحيطين بالعمل الفني. مبررين ذلك الارتجال والترقيع بأنه ورشة، وهو دليل آخر على أن مفهوم ورشة السيناريو غائب عن ثقافتهم أيضاً.. وفي خضم هذه المهازل العبثية بالكتابة والتمثيل والإخراج، يبقى البحث جارياً في فائدة كاتب السيناريو المؤهل، ليس لأنه مفقود بل لأنه مهمش والذي من شأنه أن ينقذ كل هؤلاء إن أعطيت له فرصة الظهور.

لماذا بقي السيناريو في الجزائر عقدة مزمنة؟

ببساطة لأن إعطاء العمل لغير ممتهنيه، يجعل الدخيل هو المتحكم في العملية بأسرها، والنتيجة أن “الشلليات” المندسة في علب الإنتاج دخيلة أيضاً، وتقدّم محتوى دخيلا على الفن. ولا عجب أن تنزعج من كاتب سيناريو حقيقي قد ينسف كل بناه المتطفلون من مكتسبات زائفة باسم الدراما والفن والتمثيل وكتابة السيناريو. فقط لسيطرتهم على دوائر الإنتاج السمعي البصري وعلاقتهم بتمويلاته. وحرصهم على البقاء في هذا الجمود الذي طال بسببهم لعقود.

ثم حين يبدأ النقد المؤسّس والكاشف للمحتوى المقدم في طرح تحليلاته، تبدأ مهاجمته ورفضه واستجلاب دخلاء على النقد والتمثيل للبلاطوهات، لإكمال دائرة هذا الفساد المستشري. وأظن بأن من يعادي النقد والكتابة صار معروفاً الآن، ورفضه للنقد وللنص المؤسس أضحى مبرراً أمام الجمهور الجزائري الذواق الذي يفرّق جيداً بين الأصيل والدخيل وبين الغث والسمين في ما يعرض عليه. وهذا الجمهور الذوّاق أرقى من أن يتم استغباؤه عبر ترقيعات الدخلاء على الكتابة والإنتاج ومن المكتسبين مادياً على حساب ذوقه بمحتويات درامية لم تقدّم جملة فنية مفيدة للجمهور المتفرج. ما يعني أن الغاية المحققة من ورائها، موجودة في جهة أخرى غير الفن الذي لم تحترم فيه حتى عقول المشاهدين.

بما أنك تتعاطى مع المادة الدرامية، لماذا لا تتدخل في البلاتوهات، عوض أن تبقى مادتك ضمن الفضاء الافتراضي؟.

أعتقد أن هذا السؤال يمكن أن يوجه لأصحاب البلاتوهات وليس لي أو لأي ضيف أو مدعو. ولا أعتقد أن ضيوف البلاتوهات والمدعوون وحتى “الكرونيكرز” هم من أوجدوا أنفسهم هناك أو استضافوا انفسهم في البلاتوهات. فالدعوة تأتي من المنصة الإعلامية وليس الضيف هو من يستضيف نفسه عنوة. ببساطة لأن الاستضافات هي خيارات القنوات وفق توجهاتها وإمكاناتها وموضوعاتها طبعاً،  وليس ذلك من خيارات الضيوف والمدعوين في التواجد على تلك البلاتوهات.

مقالات ذات صلة