الجزائر
رغم الهواجس من بقائهم استثناء في المعادلة

الإسبان يترقبون حلا لمشاكلهم مع الجزائر في إطار الاتحاد الأوروبي

محمد مسلم
  • 7360
  • 0
أرشيف

استبشر الإسبان خيرا بمبادرة الاتحاد الأوروبي الداعية إلى الحوار مع الجزائر، من أجل إيجاد حل لحالة الاحتقان الحاصلة بين الجزائر وبروكسل منذ أزيد من أربع سنوات بشأن المبادلات التجارية، التي شهدت تراجعا كبيرا بسبب تحفظ الجزائر على استمرار العمل بهذه الاتفاقية، التي مضى على توقيعها أكثر من عشرين سنة.
وتعتبر إسبانيا الطرف الأكثر تضررا في هذه الاتفاقية منذ أزيد من سنتين، بسبب الخلاف الدبلوماسي بين الجزائر ومدريد والذي لم يلبث أن توسّع للاقتصاد، بسبب موقف الأخيرة “غير الودي”، كما وصفه الرئيس عبد المجيد تبون، من قضية الصحراء الغربية، حيث عوقبت بقساوة وسبّبت لرئيس حكومتها بيدرو سانشيز متاعب سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة.
وفي هذا الصدد، قدّرت صحيفة “آل أندبانديانت”، الإسبانية الخسائر السنوية للاقتصاد في بلادها، منذ اندلاع الأزمة مع الجزائر، بما لا يقل عن 3.8 مليار يورو سنويا، وهو رقم كبير بالنسبة لدولة تراهن على الحفاظ على موقعها كرابع اقتصاد في القارة الأوروبية.
لكن كيف استقبل الإسبان الدعوة التي وجّهتها بروكسل للجزائر من أجل استعادة العمل باتفاقية التبادل الحر بين الطرفين؟
لا شيء بجديد بالنسبة للمختصين، وفق الصحيفة السالف ذكرها، التي نقلت عن مصادر توقعت استمرار حالة الجفاء بين الجزائر ومدريد، طالما أن شيئا لم يتغير في موقف مدريد من مسائل حساسة بالنسبة للجزائر، مثل القضية الصحراوية، فضلا عن صعوبة تليين الموقف الجزائري بخصوص اتفاقية التبادل الحر في إطار اتفاقية الشراكة، التي تسبّبت في خسائر فادحة للجزائر قدّرت بنحو ثلاثين مليار يورو، جراء عدم التزام الجانب الأوروبي بواجباته المنصوص عليها، مثل الاستثمار وتحويل التكنولوجيا، فضلا عن البند الذي يتحدث عن أحقية الطرف المتضرر في المراجعة.
كما أن الطرف الجزائري توصل إلى خلاصة في أزمته مع مدريد، تقول الصحيفة الإسبانية، مفادها أن القطاعات التي كانت محل منع تام من الاستيراد من إسبانيا خاصة، ساعدت على ميلاد صناعة قوية، على غرار قطاع السيراميك (الخزف)، وهو ما يحفز على الاستمرار في هذا النهج، مهما كان المستوى الذي قد يصل إليه الغضب الأوروبي، لأن المسألة تتعلق بالمصلحة الوطنية.
وانهارت الصادرات الأوروبية إلى الجزائر في السنوات الأخيرة من 22.3 مليار يورو في سنة 2015، إلى 14.9 مليار يورو في سنة 2022، بما يقارب الثمانية ملايير يورو كفارق، في وقت كان يفترض أن ترتفع ولا تنخفض، لولا أنانية الجانب الأوروبي الذي كان يجري وراء مصالحه الضيقة، الأمر الذي قاده إلى عدم تشريف التزاماته التعاقدية.
وقد يصل الأمر، في حال عدم التوصل لاتفاق بين الجزائر وبروكسل، إلى التحكيم الدولي، وإذا استمر النزاع، فسيتم تعليق الاتفاقية التي تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى عام 2002 ودخلت حيز التنفيذ منذ عام 2005، لأن الجزائر تصر على الدفاع عن حقوقها بكل قوة ولا يتوقع منها تقديم تنازلات مادامت طرفا متضررا من حقه إدخال تعديلاته على الاتفاقية شبه الميتة واقعيا.
ولجأت الجزائر، خلال السنوات القليلة الأخيرة، إلى تبني نظام تراخيص الاستيراد غير التلقائي، الذي لا يراعي اعتبارات تحرير التعريفة الجمركية، وهو نظام قائم على الحاجة لمنتوج معين، بدل الاستيراد العشوائي والمغشوش الذي كان سائدا قبل ذلك، وسبّب خسائر فادحة للاقتصاد الوطني، وهو ما يرفضه الطرف الأوروبي، الذي اعتاد إغراق السوق الجزائرية بسلع تأتي جاهزة بالكامل من الدول الأوروبية، بدون أدنى مساهمة محلية.
وبرأي المراقبين، فإن شروط الجزائر لاستمرار العمل باتفاق الشراكة مرهون بجدية الطرف الأوروبي في المساهمة في بناء قاعدة صناعية قوية عبر استثمار وفق قاعدة “رابح – رابح”، يقبل برفع نسبة الاندماج في الاقتصاد الوطني إلى حدود ثلاثين بالمائة، مع الالتزام بتحويل التكنولوجيا، وعدم مقارنة الجزائر بدول وظيفية صغيرة تقبل بكل ما يملى عليها مقابل إقامة مصانع للسيارات على أراضيها، لتوظيفها في الدعاية السياسية، مهما كانت التداعيات من الناحية الاقتصادية.
أما العلاقة مع الطرف الإسباني، فتبقى، برأي المراقبين، رهينة اعتبارات بعيدة عن الاقتصاد، يدركها الطرف الإسباني جيّدا، وهي تبقى خارج التوافقات مع الاتحاد الأوروبي، ولو حاولت حكومة مدريد الاحتماء ببروكسل كما فعلت قبل نحو سنتين.

مقالات ذات صلة