الجزائر
أكد عرض "الإنقاذ" مرحلة انتقالية بقيادته

الإبراهيمي يقدم شهادته عن حوار السلطة مع “الفيس”

زهية منصر
  • 4045
  • 0
أرشيف
أحمد طالب الإبراهيمي

يتطرق أحمد طالب الإبراهيمي، في هذا الجزء من مذكراته، إلى جولة الحوار الوطني، التي جمعت الأحزاب بالسلطة، التي جرت وقائعها يومي13 و14 أفريل 1993، باستثناء الأفافاس، الذي اشترط حضور الجيش في مرحلة تتسم بالانتقالية. في حين، رأت الآفلان وحمس والنهضة أنه من الضروري مشاركة الفيس.

وأوضح الإبراهيمي، في هذا الصدد، أن جبهة التحرير كانت ممثلة من طرف علي بن فليس وعبد العزيز بلخادم ومهري، وقد طرح الحزب عدة مقترحات، أبرزها “إخراج البلاد من دوامة العنف وعودة الحياة الدستورية والعودة إلى المسار الانتخابي وإعداد برنامج وطني للخروج بالبلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية”.

وبحسب شهادة الإبراهيمي، فإن الجولة الثانية من اللقاء أفرج خلالها مجلس الدولة عن مشروع قانون لذهابه في 1994، القائم على تسيير مرحلة انتقالية والعمل على إيجاد دولة جمهورية ديمقراطية.

عرض لتسوية تاريخية

يقول أحمد طالب الإبراهيمي في سياق شهادته، إنه اغتنم فرصة اجتماع اللجنة المركزية في 24 جوان 1993 ليقدّم تسوية تاريخية، إذ يجد كل مناصر لحزب يتفق عليه ويجد نفسه فيه ويقوم على تسوية نهائية واتفاق على أسس الهوية الوطنية مع ضرورة إيجاد سلطة منتخَبة من طرف الشعب لإعطائها الشرعية لضمان الحريات الأساسية للمواطن. والتأكيد على دور الجيش كضامن للاستقرار والوحدة الوطنية الذي يجب أن يحيَّد ويُبعد عن أي صراع إيديولوجي.

ومن خلال شهادة الإبراهيمي في هذا الجزء الرابع من مذكراته، عاد للقاءٍ كان سيجمعه مع وزير الداخلية الفرنسي شارل باسكوا الذي يقول إنه رفضه.

ويقول الإبراهيمي عن تفاصيل هذه الحادثة: “أثناء صيف 1993 كانت لي لقاءات متعددة في باريس مع محمد مزالي الوزير الأول السابق التونسي، الذي كان يرافق دائما أحمد بنورو، وكانا يعارضان نظام بن علي وأخبرني مزالي أن موظفين فرنسيين طلبوا منه الاتصال بي من أجل لقاء مع شارل باسكوا وزير الداخلية الفرنسي، لكنني أجبته بأنه في حال كان ثمة حوار، فيجب أن يكون على المستوى السياسي، وليس على المستوى الأمني، لذا رفضت اللقاء.

لجنة الحوار الوطني

في أكتوبر 1993، أنشأ المجلس الأعلى للدولة لجنةً للحوار الوطني، ويقول الإبراهيمي عن مهمته في هذه اللجنة: “كنت مكلفا بمهمة إيجاد أرضية لإطلاق ندوة وطنية لتعيين الأمين العامّ لمجلس الدولة الذي كان يرأسه يوسف الخطيب، وضمت هذه اللجنة الجنرال تواتي والطيب دراجي وأحمد صنهاجي وأحمد عبد الكريم وعبد القادر بن صالح كناطق رسمي”.

وتعددت الاتصالات وكثفت من أجل المشاركة ليس فقط في الندوة الوطنية لكن أيضا للاتفاق حول تسيير المرحلة الانتقالية.

وأعلن المجلس الأعلى للدولة في نوفمبر عبر بيان له أن الأطراف التي يحق لها المشاركة في الحوار هي تلك التي تتواجد فقط في إطار القانون، ما يعني إقصاء الفيس المحل.

ويقول الإبراهيمي إنه سمع عن طريق الناطق الرسمي للجنة الحوار الوطني بأن عبد العزيز بوتفليقة بعد أن أعطى موافقته ليكون رئيسا للدولة عاد في كلامه، إذ كانت قيادة الجيش بوساطة العربي بلخير قد عرضت على بوتفليقة السلطة وأعطى موافقته قبل أن يعيد النظر في كلامه بعد مناقشات عديدة تردد خلالها بوتفليقة وانتهى إلى رفض المشروع.

ماذا حدث بالضبط؟

يكشف أحمد طالب الإبراهيمي، عبر شهادته، أن عرض قيادة الجيش لبوتفليقة لم يكن صريحا، لأنهم طلبوا منه التقدم أمام لجنة الحوار الوطني التي كانت تريد إذلاله، لأن رئيس هذه اللجنة كان قد عبّر عن رفضه لهذا الحل، وأخبره خالد نزار قائلا: “أود أن أشير إلى أنه لم يكن هناك أي سؤال بشأن تعيينه من قبل المؤتمر لأنه كان قد اختتم دورته بالفعل”، كل الأسباب التي سيقدمها لاحقًا ستكون مجرد هروب مزيف لإخفاء تردده “لقد ظل لفترة طويلة مختبئًا في البرنوس الواسع لبومدين”.

ويواصل الإبراهيمي شهادته بشأن لجنة الحوار فيقول: “في 3 جانفي 1994، اقترح الآفلان تنظيم اجتماع مشترك بين المجلس الأعلى للدولة ولجنة الحوار الوطني والأحزاب السياسية، لكن تم رفضها، لأنه في الحقيقة، التقريب بين وجهات النظر كان غير ممكن، لأن الآفلان رفض الاقتراحات الثلاثة الأساسية للجنة الحوار الوطني وهي تعديل الدستور وتعيين المؤسسات التي تعوض لجنة الحوار والمجلس الأعلى للدولة وتمديد المرحلة الانتقالية لفترة ثلاث سنوات.”

لاحقا، تم عقد الندوة الوطنية في 25 جانفي 1994 وغاب عنها الأفافاس والفيس والآفلان وحضرها 1235 مشارك من المنظمات الجماهيرية، وانتهت إلى تعيين الجنرال لمين زروال رئيسا للدولة من طرف المجلس الأعلى للأمن، مثلما تنص عليه أرضية لجنة الحوار الوطني.

بعد تعيين زروال رئيسا للدولة، يقول الإبراهيمي إن تصريح رضا مالك: “على الخوف أن يغيّر معسكره” يعتبر تطورا أعطى الضوء الأخضر وفتح المجال للاستئصالين لفرض رؤيتهم للأزمة.

ورغم أن الرئيس زروال في خطابه للشعب صرح بأن الخروج من الأزمة السياسية للبلاد لا يمكن حله والخروج منه إلا بالحوار الذي يجب أن تشترك فيه كل القوى الوطنية دون إقصاء، إلا أنّ الإبراهيمي يؤكد في شهادته أنه ظل لثلاث سنوات ينادي بهذا الحوار الذي ظل حاضرا أيضا في الخطاب الرسمي للسلطة، لكنه بقي ضبابيا وانتقائيا.

ويعتقد الإبراهيمي أن الحل الأمني أضر كثيرا بصورة الجزائر في الخارج وعطل الآلة الاقتصادية ووضع وجود الدولة على المحك، واعتبر صاحب المذكرات في شهادته “أننا ضيعنا الكثير من الوقت في رفض الحوار دون إقصاء”.

أرضية سانت ايجيديو

في ذات الكتاب، عاد أحمد طالب الإبراهيمي إلى أرضية سانت ايجيديو ومجريات اللقاء الذي جمع عدة أحزاب في مساعي البحث عن حل للأزمة السياسية والأمنية التي كادت أن تعصف بالبلاد، وعاد من خلال شهادته إلى مشاركته في مجريات هذا اللقاء وكيف استقبلته السلطة يومها.

يقول في هذا الصدد: “في 14 نوفمبر 1994، تلقيت دعوة للمشاركة في لقاء سانت ايجيديو في روما قصد البحث عن حل للازمة التي استفحلت في البلاد”، وأرجع طالب قبوله المشاركة في أرضية سانت ايجيديو لأنها “جاءت في سياق دعوته المتكررة لضرورة فتحج حوار جاد ودون إقصاء مع كافة أطراف الأزمة”.

في هذه الفترة، بدأت أيضا عملية عقد التحالفات للترشح لرئاسات نوفمبر 1995، ويقول الإبراهيمي إن الجنرال عبد المجيد شريف أعرب عن تعاطفه “مع ترشيحي المحتمل بعد أن تلقيت تشجيعا ودعما من عدد من الشخصيات”.

بدأ عقد التحالفات خلال هذه الفترة، فبوتفليقة كان يزوره للتأكد من عدم ترشُّحه، فيما زاره يحياوي وبعض رفقاء المكتب السياسي في الآفلان لتأكيد الولاء.

محادثات الفيس مع السلطة

في هذا الجزء، يتوقف أحمد طالب أيضا عند الحوار الذي أطلقته السلطة مع الأحزاب، إذ قررت الأحزاب التالية: الآفلان والأفافاس و”الام دي ياس” مقاطعة محادثات السلطة، واختارت عدم الذهاب للقاء الرئيس زروال بعد ما منعت السلطة مشاركة بوخمخم وعلي جدي في قاعة حرشة حسان.

الفيس المُحلّ عرض مرحلة انتقالية يقودها أحمد طالب الإبراهيمي أثناء مفاوضات زعماء الأحزاب مع السلطة طبقا لما نقلته جريدة الحياة اللندنية في نهاية جوان.

في 11 جويلية 1995، أعلنت الرئاسة فشل المفاوضات والحوار مع قادة الفيس، وهذا يؤكد حسب الإبراهيمي فرضية اللجوء إلى الرئاسيات المسبقة.

وبحسب الإبراهيمي، فبعض الجهات في السلطة لم تكن تنظر بعين الرضى إلى هذه المحادثات، مثل رضا مالك الذي عبّر عن وجهة نظره بطرح مجموعة من الأسئلة من قبيل: “لماذا شرعنا في الحوار، علما أننا سنصطدم عاجلا أو آجلا بهذه النقطة الأساسية، وهي توقيف العمليات الإرهابية؟”  من جهة أخرى، وفي سياق نفس الشهادة، يقول الإبراهيمي إنه واجه حملة لمنعه أو ثنيه عن الترشح لرئاسيات 1995 إذ رأى في مشروع القانون الذي طرحه المجلس الوطني الانتقالي بمنع ترشح أي واحد زوجته ليست من أصول جزائرية في المادة 180 موجها ضده لكون زوجته أصولها غير جزائرية، غير أن المجلس الدستوري أعلن في 2 جويلية “بكل شجاعة أن هذا الإجراء لا يتوافق مع الدستور”، فتم إبطال المشروع.

ويقول الإبراهيمي في شهادته إن مجموعة روما قررت مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي تم الإعلانُ عنها وبرمجتها في 16 نوفمبر 1995، فسعت السلطة إلى خلق تيار داخل اللجنة المركزية للأفلان معارضا لسانت ايجيديو، فاجتمعت اللجنة المركزية للأفلان في 27 و28 سبتمبر، وجرت وقائع حوار طويل مع مهري لتنسيق المواقف وتم إفشال مخطط السلطة بخلق هذا التيار.

العودة المحفوفة بالمخاطر إلى المسار الدستوري

في ذات الشهادة، خصص أحمد طالب حيزا مهما للحديث عن سنوات الخوف والمسار الشاق للعودة إلى المسار الدستوري، فيقول: “لم أكن لأغفر لنفسي أبدًا لو استسلمتُ لإغراء الالتفاف حول أي تيار إيديولوجي لتبرير عمليات القتل التي دمَّرت البلاد لعدة سنوات، وللأسف سمح الكثير لأنفسهم بالصمت، وفكّروا في تخليص ضميرهم والعثور على أسباب التشدد”.

زروال ظل متمسكا بالحل الأمني، كمخرج للأزمة، في الوقت الذي ظل البعض ينتظر منه البحث عن حل عن طريق الحوار مع الأحزاب ودمقرطة الحياة السياسية، واقتراح حل دون إقصاء بما فيها قيادات الفيس، حتى يجد أبناء الجزائر مكانا وطريقة لبناء بلادهم دون تصفية حسابات، فالأولوية حينها كانت لحقن الدم وتوقيف العنف”.

مؤامرة “علمية” أطاحت بمهري

يعتقد أحمد طالب الإبراهيمي أن “المؤامرة العلمية” التي أطاحت بمهري من الأمانة العامة للحزب جاءت لمعاقبة الحزب الذي اتخذ موقفا مخالفا لموقف السلطة في سانت ايجيديو، فسعت السلطة لإخراج الحزب من “العقد الوطني” ولاحقا تم تعويضه بالتجمع الوطني الديمقراطي وخسر الآفلان على إثرها سلطته على المجالس وأصبح الارندي حزبا في خدمة السلطة والتحق بالأغلبية الرئاسية.

وفي 20 أفريل، تم استقبال الأمين العام للأفلان، بوعلام بن حمودة، من طرف الرئيس زروال، ما يشير إلى تأكيد المواءمة الصريحة والشاملة لسياسة النظام.. وهكذا، فشلت ندوة الوفاق الوطني، لأنها- بحسب الإبراهيمي- لم تجمع جميع الأطياف السياسية في الجزائر.

في هذا الجزء من المذكرات، يتوقف أيضا وزير خارجية الرئيس بن جديد عند دستور 1996 الذي لم يأت بحسبه بالجديد، بل كان تراجعا عن دستور 1989 عدا أنه خلق غرفة ثانية للبرلمان ومجلس الأمة الذي لم يأت بفائدة غير تعزيز امتيازات البرلمان.

الأزمة في القمة أو الهرم

يواصل الإبراهيمي في هذا الجزء شهادته عن مرحلة مهمة من تاريخ الجزائر، إذ يذكر أن قيادة الجيش ومنذ توقيف المسار الانتخابي في 11 جانفي 1992، انقسمت بين الجناح الراديكالي أنصار الحرب الشاملة والجناح التصالحي الذي كان يؤمن بالحوار.

هذه الثنائية، ستميز الساحة السياسية والإعلامية للبلاد. وستعطي لاحقا صورة عن الأزمة المزدوجة التي كانت تعيشها الجزائر.

في سياق شهادته، يذكر الإبراهيمي بعض تجليات الأزمة التي خلقتها هذه الثنائية، مثلما حدث في المؤتمر السابع لجبهة التحرير، إذ يقول إنه اضطر إلى وقف تدخله بعد الفوضى والصخب الذي أثير من طرف الثلاثي بلعياط وعمار سعيداني والسعيد بوقطاية. مع العلم- يقول الإبراهيمي- أنه لم يتدخل أي كان لوقف هذه الفوضى.

ويذكر صاحب الشهادة أن تدخُّله أمام مؤتمر الحزب ركّز على أهمية الحوار مع كل أطراف الأزمة، بما فيها الفيس المحلّ، “المؤتمر فشل لأن الحزب فوَّت على نفسه فرصة أن يكون في مسار تحديات الساعة”. ويعتبر الإبراهيمي في سياق شهادته أنه “ليس كل ما يعرف يقال في هذه المذكرات، على الرغم من أنه حدثٌ تاريخي؛ الأزمة الوطنية ما زالت محتملة ولم يحن الوقت بعد للقول والكشف عن بعض الأشياء، كل شيء له وقته”.

… يتبع

مقالات ذات صلة