الجزائر
الإبراهيمي يواصل شهادته عن عهد بوتفليقة:

الإبراهيمي: ترشحت عام 1999 فشيطنوني ووصفوني بمرشح الإرهابيين

زهية منصر
  • 3421
  • 0
أرشيف
أحمد طالب الإبراهيمي

لم يهمل أحمد طالب الإبراهيمي في هذا الجزء من شهادته تقيم علاقته بالرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة قائلا: “ليس لي شيءٌ ضد بوتفليقة، فقد جمعنا القدر مع بومدين، هو في وزارة الخارجية وأنا في التعليم ثم في الثقافة والاتصال، كانت تربطنا علاقة احترام متبادل ولم تهزّنا مغريات النضال ولم تنجح في اقتلاع ذلك الاحترام، وكنت أتمنى له العودة من الأبواب الواسعة بعد غياب طويل”.

لكن الإبراهيمي عاد لاحقا وانتقد بوتفليقة معتبرا مساره الرئاسي فشل في تحقيق الإجماع الوطني وتحقيق الإقلاع الاقتصادي الذي تحتاجه الجزائر.

وعاد أحمد طالب، إلى علاقته بالرئيس الأسبق اليامين زروال مؤكدا أنه طلب لقاءه مرتين، مرة في أفريل 1995 في إطار سلسلة اللقاءات مع الشخصيات الوطنية حول فرصة الانتخابات الرئاسية. ويذكر أنه أخبر الرئيس زروال يومها أنّ وضع العربة قبل الحصان لن يكون حلا للأزمة متعددة الأبعاد التي تعيشها البلاد؛ ذلك أن تنظيم انتخابات رئاسية قبل إيجاد حل لازمة البلاد لن ينفع. ويؤكد صاحب الكتاب أنه اقترح على زروال اتخاذ أرضية روما كمنطلق لإيجاد حل لأزمة البلاد لأنها تقدِّم حلولا جذرية ونهائية لما تعيشه الجزائر، كما تقترح أرضية عمل قد تقدّم وجهة نظر فعالة لأزمة البلاد.

أما اللقاء الثاني الذي جمع الإبراهيمي بالرئيس زروال فحدث في 14 أوت 1995، بغية إعطاء رأيه في إجراءات تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات، وحول الجوانب العملية المتعلقة بتنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة في 16 نوفمبر 1995، يقول: “عندما استقبلني الرئيس في 14 أوت كان حتما قد قرأ رسالتي والتي قلتُ فيها إن الأمور والوضعية عندنا لم تنضج، وقبل تنظيم الانتخابات يجب فتحُ حوار وطني بين مختلف القوى السياسية مثل جبهة الإنقاذ والافافاس والافلان وغيرها”. ويقول الإبراهيمي إنه استنتج من خلال هذا اللقاء “أن الانشغال الوحيد لأصحاب القرار كان معرفة فيما إذا كنتُ أنوي الترشّح وكانت إجابتي وقناعاتي مثلما خرجت منها في لقاء بوزارة الدفاع الوطني في 1 جويلية 1992 ساعات قليلة بعد دفن بوضياف أنني كنت أقبل مسؤوليات عن طريق التعيين في عهد الحزب الواحد، لكن بعد إقرار التعددية الحزبية لا يمكن أن أقبل بأي مسؤولية خارج الإرادة والشرعية الشعبية مرورا بالانتخابات. وقلت إن الأزمة في الأساس سياسية ولا يمكن أن تمرّ إلا عبر الحل السياسي والحوار مع مختلف القوى السياسية الحقيقية. في الوضع الحالي لا يمكني أن أتخيل رئيسا حواريا يتعايش مع قيادة الجيش ذات الأغلبية الاستئصالية”.

الإبراهيمي يقدم شهادته عن حوار السلطة مع “الفيس”

في هذا الجزء من المذكرات لم يفوّت الإبراهيمي فرصة الإشارة إلى ما اعتبره “شيطنة لمساره وشخصه” وهذا تزامنا مع نيته في الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في 15 افريل 1999، في هذا الوقت زارتني عدة قيادات من الافلان والفيس وممثلي عدة قوى وشخصيات لثنيي عن قراري النهائي الترشحَ للرئاسيات بمن فيهم قيادة الفيس علي جدي وعبد القادر حشاني وعبد القادر بوخمخم”. وتساءل الإبراهيمي قائلا: “لماذا التركيز فقط على أحمد طالب رغم أنه جاء بعد عدة وزراء؟ ولماذا تجاهل الجهود التي بذلتُها في التعريب كما كنت أول مسؤول جزائري بعد الاستقلال يتحدث عن الأمازيغية أمام الإطارات النقابية في 1972 وقلت إنه حان الوقت لإيجاد حل جذري لهذا المشكل في مقدمة مشروع الميثاق الوطني التي عُرضت للمناقشة في عهد الرئيس بومدين وقد أعدت طرح المسألة في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد على أعمدة يومية المجاهد في 25 مارس 1981؟

الترشح لرئاسيات 1999

يتحدث أحمد طالب الإبراهيمي عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في 15 أفريل 1999، ويقول إن هذا القرار ساهم في اتخاذه ثلاثةُ تصريحات؛ تصريح لزروال، ومقال مجلة “الجيش” لسان حال الجيش الوطني الشعبي، ورسالة الجنرال العماري لضمان انتخابات شفّافة تجرى في ظروف عادية وإعطاء الفرصة للشعب للتعبير والاختيار بكل حرية وقبلها رسالة زروال في 12 فيفري1999 بتحديد تاريخ 15 افريل للانتخابات الرئاسية.

ومما جاء في رسالة العماري: “يجب أن يكون الوصول إلى السلطة وتداولها من خلال صندوق الاقتراع من الآن فصاعدًا ممارسات لا رجعة فيها، والتي تشكِّل العديد من الأسس التي يجب أن تستند إليها الديمقراطية على المدى الطويل، وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، ويشكِّل احترامهما والدفاع عنهما اهتمامنا كأعضاء. من جيش جمهوري”.

كما جاء في افتتاحية مجلة “الجيش” التي ردت على الجدل حول دور الجيش الوطني الشعبي والتي أكدت حيادية الجيش وعدم تدخله في الشأن السياسي والعملية الانتخابية، وهذه التصريحات تتعارض مع ما كان يدور في الساحة كون قيادة الجيش حسمت خيارها في اختار مرشّح معين”.

ويقول الإبراهيمي: ” كلَّفتُ صديقا لسبر أغوار اهتمامات صنَّاع القرار، فعاد لرؤيتي وصاغ لي الخطاب الرسمي” خطاب تناقض بسرعة مع موقف الحكومة التي اتخذ أعضاؤها موقفًا عامًّا لصالح هذا المرشح، يعني اتخاذ موقف ووضع إمكانات الدولة المادية والبشرية في خدمة هذا المرشح”، خارج الخطاب الإعلامي الذي سوِّق بأن قيادة الجيش اقتنعت أن المرشحين الآخرين لا يمكنهم منافسة مرشحهم، واتفقت الأحزاب المهمة على اختيار عبد العزيز بوتفليقة وتحويل الأحزاب إلى لجان مساندة لتكون في خدمة السلطة. ووصف الإبراهيمي العملية بـ”الاستهزاء بأصوات الشعب وخياراته”، فعوض أن تدافع الأحزاب عن مرشحيها وبرامجها، راحت تطرق أبواب وزارة الدفاع وتسأل عن مرشح الجيش لدعمه. كان هذا حال الافلان والارندي وحتى حمس والنهضة التحقتا بالصفوف، وكانت بعض الأحزاب تُنفَّذ فيها انقلاباتٌ علمية لتكون على المقاس مثلما حدث لبن بعيبش على رأس الأرندي وجاب الله على رأس النهضة.

وفي سياق حديثه عن ترشُّحه للرئاسيات والحملة الانتخابية التي قادها، ذكر الإبراهيمي أنه تعرّض لضغوط وعراقيل لمنعه من استكمال مشوار هذا الترشح “مورست ضغوطٌ حتى على رجال أعمال أبدوا استعدادهم لمساندتي مثل ذلك الذي وضع في خدمتي سيارته لتنقلاتي داخل البلاد استدعته مصالح الأمن لإعطاء تفسيرات،

ولم تتوقف الحملة الإعلامية لشيطنتي فتارة تلقبني بـ”الإمام متخفي” ومرة “مرشح الفيس” و”مدافع عن الإرهابيين” و”الزعيم الغامض للمتطرفين”… القلة كانت تعرف أن هذه الحملة تستهدف مشروع المصالحة الوطنية الذي دافعت عنه منذ 1992 والذي كان يطالب بالحوار من دون إقصاء مع كل ممثلي الساحة السياسية بما فيها قادة الفيس.

.. لهذه الأسباب التزمت الصمت!

ويرى الإبراهيمي أن القيادة التي رفضت الحوار مع زعماء الفيس السياسيين اتجهت لاحقا للحوار مع الجناح المسلح للفيس “الجيش الإسلامي للإنقاذ” في 1997 ولم تُثر هذه الخطوة أي انتقاد في الإعلام، مما يعني حسب الإبراهيمي أن الانتقادات كانت تستهدف الأشخاص الحاملين للخطاب وليس الخطابَ ذاته”.

ويذكر الإبراهيمي أيضا في سياق شهادته أن ثمة معلومات وصلته من داخل البلاد “تفيد بعدم ترشيحي لوجود اتفاق مع مرشح السلطة، كنتُ في حالة صحية متدهورة، الأمر الذي أدى إلى نوع من القلق وسط الداعمين لي، مما دفع فريقي إلى الإلحاح على وجوب الرد بسرعة، لهذا أعلنت تقديمَ تاريخ ترشيحي في 3 فيفري، وأعلنت ترشحي رسميا في لقاء بفندق الجزائر أمام جمعٍ من المناصرين والأصدقاء والصحفيين، وتم تقديم الخطوط العريضة لبرنامجي القائم أساسا على السعي إلى حقن الدماء.”

في هذا الجزء توقف طالب الإبراهيمي عند مسألة ضياع استمارات جمع التوقيعات لرئاسيات 1999 ” كانت موقَّعة ومصادقًا عليها، مؤكدا أن بعض المتعاطفين معه والداعمين له تعرَّضوا لمضايقات “مثلما حدث مثلا ببشار حيث تعرَّض عناصر من لجنة المساندة الخاصة به إلى الاحتجاز لمدة 48 ساعة وبعد إطلاق سراحهم ضاعت التوقيعات التي كانت بحوزتهم، ومن البديهي أنه وبعد إطلاق سراحهم لن يكون لهم نفس الحماس، ومثلما تعرّض أيضا أحد المناصرين من مستغانم للتوقيف وتجريده من آلاف التوقيعات التي كانت بحوزته. وقد قال له من قام بتوقيفه: “طالب الإبراهيمي إرهابيٌّ ومن يدعمه إرهابي”، وفي البليدة أيضا قام مواطن بالذهاب إلى الموثق لتوقيع استمارات ترشح وعندما عاد في الغد قيل له إنه تم استعادتها.

ويضيف الإبراهيمي متحدثا عن ما وصفه بالمضايقات ضده إن “الحملة استمرت ضدي في جريدة “لوماتان” التي كتبت أنني استعمل المساجد لجمع التوقيعات وقد ردّت عليها مديرية الحملة كما جاء تكذيب وزير الشؤون الدينية بشأن وجود عملية جمع توقيعاتٍ بالمساجد”، وأكد الإبراهيمي أنه استنتج من هذه الحملة سعيَ السلطة إلى منعه وعرقلته من جمع 75 ألف توقيع لاستكمال ترشحه.

ويضيف أنه قرر توزيع مائة ألف استمارة جديدة والتي حصل عليها على مراحل من وزارة الداخلية، كما قرر اللجوء إلى السلطات العليا والتي سبق وأن التزمت بتنظيم انتخابات شفافة وحرة ونزيهة، فكان الرد عبر إصدار بيان صحفي دعا فيه الرئيس زروال إلى الالتزام بوعوده في ضمان اقتراع شفاف وحرّ في جو ديمقراطي، وهذا بتوقيف الضغوط على رجال السياسة من طرف الأجهزة الإدارية ومن يفترض فيهم أن يكونوا في خدمة الدولة”.

ويكشف الإبراهيمي أنه أطلع الرئيس على كل التجاوزات التي حدثت في مختلف الولايات والبلديات مثل التلاعب بالتوقيعات وتصرفات بعض أجهزة الإعلام العمومي التي وضعت نفسها في خدمة مرشح السلطة. وقد وعد الرئيس زروال بفتح تحقيق في هذه التجاوزات لكني -يقول الإبراهيمي- فوجئت به يقول لي مبرّرا موقف 11 وزيرا في الحكومة والذين أعلنوا علنا دعمَهم لمرشح السلطة إن هذا أمرٌ عادي لأن الوزير أيضا مواطن ومن حقه أن يكون له رأي وخيار”.

ويضيف الإبراهيمي في مذكراته أنه أخبر الرئيس زروال أن “الوزير من حقه أن يكون له رأيٌ لكن ليس من حقه استعمال وسائل الدولة لدعم مرشح معين، وقد كان على هؤلاء الوزراء الاستقالة من الحكومة والذهاب للقيام بحملة بوسائلهم الخاصة لصالح مرشحهم وليس بإمكانات الدولة في حكومة مكلفة بضمان انتخابات شفافة ونزيهة في إطار القانون أنتَ شخصيا التزمت بها”.

مذكرات الإبراهيمي.. هكذا خطط بن بلّة للعودة إلى الحكم

وفي سياق آخر، يذكر الإبراهيمي أنه وخلال اللقاء الذي جمعه بالرئيس زروال “ذكّرته بفحوى المحادثة التي نشرتها الصحيفة الفرنسية كنال اونشيني بين رئيس وحدة مكافحة التجسّس الجنرال إسماعيل العماري والملحق العسكري للسفارة الجزائرية في باريس لكنه اعتبرها “ليَّ ذراع”، وفي أقل من أربع وعشرين ساعة عن هذا الحوار -يقول الإبراهيمي- تلقيت رسالة من وزارة الداخلية ترفض كل هذه الاتهامات”.

وفي سياق حديثه عن ترشحه للرئاسيات وما رافق ذلك، توقّف المتحدث عند تقديمه لملف الترشح أمام المجلس الدستوري قائلا: “استقبلني السعيد بوشعير رئيس المجلس الدستوري لتقديم ملف الترشح وكانت معي 25 ألف توقيع إضافية تحسُّبا لإلغاء التوقيعات، وبعد ماراطون الحصول على شهادة المشاركة في حرب التحرير والتي كان يجب الحصولُ عليها من سطيف وكذا شهادة طبية من عند طبيب محلف، وهي أمور لم أخبَر بها إلا في اللحظات الأخيرة، أخبرني السعيد بوشعير أن المجلس الوطني الانتقالي مكوَّنٌ من نواب عيَّنتهم السلطة واضطر للتصويت لإقصائي من الترشح في 1995 تحت شرط أن زوجة المرشح يجب أن تكون من أمٍّ جزائرية، وذكّرني أن معارضة المجلس الدستوري لمشروع هذا القانون هي التي دفعت رئيس الجمهورية للتراجع”.

.. يتبع

مقالات ذات صلة