-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأستاذ المرحوم نجيب بوحنيك كما عرفته

محمد بوالروايح
  • 1190
  • 0
الأستاذ المرحوم نجيب بوحنيك كما عرفته

لقد أحزنني فراق أخي الأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك كما أحزن كثيرين ممن عرفوه عن قرب، لقد عرفنا فيه صدق القول ونبل السيرة منذ كان زميلا لنا بجامعة الأمير عبد القادر إلى أن غادرها إلى كلية العلوم الإسلامية والاجتماعية بجامعة الحاج لخضر بباتنة التي أكمل فيها مهمته العلمية النبيلة قبل أن يسلم الروح إلى بارئها.

تجمعني بالأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك زمالة العلم وصلة الجوار،  ولكن كثرة الترحال جعلتني أفتقده مدة ليست باليسيرة كنت أتمنى فيها لقاءه ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد رحل الرجل قبل أن ألتقيه فكان المصاب مضاعفا، طول الافتراق وألم الفراق.

لقد باعدت ظروف الحياة بيني وبين أخي نجيب بوحنيك ولكنني كنت أسأل عن أحواله وأخباره وأتابع نشاطاته داخل الجزائر وخارجها وهو يشنِّف أسماعنا بما جادت به قريحته وبما جدَّ في علم المواريث الذي ورَّثه كثرةً كاثرة من طلابه في الجامعات والمساجد ودور العلم.

كان الأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك مفعما بالنشاط، ممتلئا حيوية وهو يطوف بلدانا كثيرة محاضرا في علم المواريث، في تركيا والكويت وغيرهما من البلاد العربية والإسلامية مرفَقا بحرمه المصون الدكتورة سلاف لقيقط التي نشهد لها بنبل الخصال بمثل ما نشهد به لزوجها الراحل، فقد عهدنا عنها حب العلم وخدمة الدعوة والنفح عن عقيدة التوحيد والدفاع عن قيم الأمة.

ما يُعرف عن الأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك رحمه الله هو بُعده عن الرياء والمراء، فلا يجاري من جادله إلا أن يرشده إلى حق نكف عنه أو حقيقة غابت عن ذهنه. لقد كان هذا ديدنه في المحاضرات والندوات التي يتخذ منها بعض المتعالمين فرصة للتباهي وللظهور بمظهر العالم المحيط بمسائل الدين ما ظهر منها وما بطن.

رحيل الأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك فاجعةٌ كبيرة ومصيبة عظيمة نشعر بوقعها ومرارتها، ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا، فالموت حق وكل الناس ذائقها “كل نفس ذائقة الموت وإنما توفّون أجوركم يوم القيامة فمن زُحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور” (آل عمران 185).

يذكّرني الأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك بما قرأته عن الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي كان نحيف البدن ولكنه كان مقرئا ومحدثا ومن المكثرين في الحديث النبوي. وقد روي عنه رضي الله عنه أنه كان دقيق الساقين تكفؤه الريح فيضحك منه القوم فيسألهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ما يضحككم؟ فيقولون: من دقة ساقيه يا رسول الله، فيقول صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحُد”.

إن قيمة الإنسان لا تقاس بضخامة الجثة ولا بطول القامة بل بما يحمله من علم وما يتصف به من حسن الخُلق، كما قال الشاعر المخضرم عباس بن مرداس: ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور. وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.

نجيب بوحنيك رجل افتقدته جامعة الأمير عبد القادر وجامعة باتنة ومساجد وجامعات الجزائر وقاعات المؤتمرات كما افتقدت قبله الشيخ محمد الغزالي وأحمد عروة وبشير مغلي وبشير بوجنانة وحسان موهوبي وشرفي الرفاعي وإسماعيل سلامة يحيى رضوان والعربي بن الشيخ وبلقاسم فيلالي وحسن رمضان فحلة وغيرهم من العلماء والمشايخ الذين كرسوا حياتهم للعلم ولتعليمه للناس فكانوا منارات للهدى ورمزا للوفاء وأهلا للثناء.

الأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك من الصفوة التي اشتغلت بالدعوة فكانت همها الأول والأخير واشتهرت بالفقه في الدين فاستحق بذلك الانتساب إلى الفئة المختارة التي ورد ذكرها في الحديث: “من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدين”. لقد كان فقيدنا واحدا من أساتذة علم المواريث الذي هو من علوم الدين بالمكانة التي لا تُخفى على المتخصصين والضالعين في مسائل الشريعة الإسلامية ومجالاتها المختلفة.

ما يُعرف عن الأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك رحمه الله هو بُعده عن الرياء والمراء، فلا يجاري من جادله إلا أن يرشده إلى حق نكف عنه أو حقيقة غابت عن ذهنه. لقد كان هذا ديدنه في المحاضرات والندوات التي يتخذ منها بعض المتعالمين فرصة للتباهي وللظهور بمظهر العالم المحيط بمسائل الدين ما ظهر منها وما بطن.

لم أشهد جنازة أخي نجيب بوحنيك رحمه الله لعلمي بذلك في وقت متأخِّر نظرا لانقطاعي عن وسائل التواصل الاجتماعي منذ مدة بسبب الإرهاق البدني الذي أعانيه، وقد ترك ذلك حسرة كبيرة في نفسي لأن أقلَّ ما يمكن أن أسديه لهذا الأخ الكريم والجار الصالح وهو يغادر هذه الدنيا اتِّباع جنازته التي هي من حق المسلم على المسلم، فأرجو ألا يؤاخذني الله سبحانه وتعالى على هذا التقصير في حق رجل كبير وأستاذ جليل يستحق كل التقدير والتبجيل.

لقد كان الأستاذ الدكتور نجيب بوحنيك جارا لي بديدوش مراد، فما سمعت قرع نعليه وهو في الشقة التي هي أسفل مني، كان يبادرني بالسلام ويلقاني بوجه مبتسم فيكبر في نفسي ويعظم حبه في قلبي. لم يكن من الصنف المقاطِع أو المخادع بل كان قمة في حسن الخلق وحسن المعاملة.

إلى جانب اختصاص الأستاذ نجيب بوحنيك رحمه الله في علم المواريث، فقد كان له اهتمامٌ مميز بموضوعات الإعجاز في القرآن الكريم والسنة النبوية وكانت له بهذا الخصوص مشاركات في الندوة الدولية حول القيم الحضارية في السنة النبوية بدبي، وقد اطلعت على بعضها فألفيتها جديرة بالقراءة لكونها جديدة وغير مكررة. كما كان للأستاذ نجيب بوحنيك اشتغال بموضوعات القيم الأسرية في إطار أحكام الشريعة الإسلامية وخاصة ما يتعلق بمقاصد التشريع.

أحب أن أختم كلامي عن مناقب الأستاذ نجيب بوحنيك رحمه الله بهذه الرسائل إلى زوجته وأبنائه وإلى طلابه، ورواد المساجد الذين نهلوا من علمه وتتلمذوا على يديه، فرسالتي إلى زوجته أن تصبر وتحتسب وأن تواصل مسيرة العطاء التي بدأتها مع زوجها رحمها الله وأن تخرج للناس ما خلفه من علم، ينتفع به في قبره وينتفع به غيره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. وعلم ينتفع به”. ورسالتي إلى أبنائه أن يسيروا على دربه ويكملوا مسيرته ويدعوا له فإن أفضل ما ينتفع به العبد بعد موته ولد صالح يدعو له. ورسالتي إلى طلابه أن ينشروا علمه ويرفعوا ذكره ويكونوا خير خلف لخير سلف، ورسالتي لرواد المساجد أن يعرّفوا بخصاله ويرغبوا الناس في سلوك المنهج الدعوي الوسطي الذي سلكه الذي يعصم من الغلو الذي يفسد الدين ويورد صاحبه موارد الهلاك.

اللهم إن أخانا الأستاذ نجيب بوحنيك قد انتقل إلى جوارك فأكرم نزله وأنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين، واحفظ ذريته واجمعه بهم في مستقر رحمته مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين. اللهم إنه قد نذر حياته للإسلام فاجعل ذلك في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. اللهم لا تفتنّا بعده واختم بالصالحات أعمالها وأعصمها من كل أمر يحول بيينا وبينك، أو يشغلنا عن ذكرك أو يبعدنا عن رحابك. لقد استوفى الأستاذ نجيب أجله ورزقه، وانتقل من دار العمل إلى دار الجزاء فاجعله يا كريم يا منان ممن تبيّض وجوههم يوم القيامة وألحقنا به غير فاتنين ولا مفتونين فإنك وليُّ ذلك والقادر عليه. آمين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!