-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأستاذ الجمعي طيبي.. فارسٌ يترجّل

الأستاذ الجمعي طيبي.. فارسٌ يترجّل

صباح يوم الجمعة 01/07/2022م الموافق لـ02/ذي الحجة الحرام/1443هـ  رن هاتفي على غير عادته، وإذا بالمتحدث الأستاذ الأديب نوار لمباركية يوشوش في أذني بصوت هادئ حزين نبأ وفاة المعلم والمربي المكافح الجسور الأستاذ (الجمعي طيبي) ورحيله عن دنيانا الفانية.. هذا المعلم والمربي الذي يعتبر نسخة متميزة وفريدة من جيله المكافح، جيل الألم والمحنة والعذاب.. جيل ولد قبيل اندلاع ثورة التحرير بسنوات، وشهد طفولته وبراءته بين لهيب الثورة وأوارها المشتعل.. جيل الفقر والجوع والحرمان والمطاردة والأمية والنكبات والعيش في المحتشدات.. هذا الجيل الذي حُرم من نعيم الحياة الكريمة وحقوق الطفولة في التربية والتعليم والعيش بسلام وطمأنينة بسبب سطوة آلة القمع الاستعماري وجبروتها المسلط على رقاب الشعب الجزائري.

ترك مؤلفا دينيا وثقافيا وتاريخيا قيما عن شهداء بلدة أمدوكال قدّمه وراجعه الأستاذ الكاتب نوار لمباركية طُبع في دار المختار سنة 2019م. ولم يدع فيه شيئا من تاريخ بلدة أمدوكال منذ الفتح الإسلامي إلى العصر الحاضر، ذاكرا أعلامها وفقهاءها وخطباءها ومساجدها وجوامعها وأعيانها والكثير من تفاصيل الحياة فيها عبر تاريخها العريق. فليرحمه لله في الخالدين.

ولد الأستاذ طيبي الجمعي يوم 11 مارس 1949م بحي الحراش الشعبي بالجزائر العاصمة، ثم رحلت أسرته مجددا إلى موطنها الأصلي بأمدوكال، وتعود تسميتها إلى اللهجة الأمازيغية وتعني (الأصدقاء والأحباب) وهي إحدى بلديات ولاية باتنة وكانت تصنف بأنها بلدية مستقلة منذ انتخابات سنة 1946م، وتقع في الجنوب الغربي من باتنة بالقرب من شط الحضنة. تابع دراسته الابتدائية في مدرسة الشهيد علي دلهوم بامدوكال سنوات 1960-1964م، ثم انتقل إلى مدرسة جمعية أولياء التلاميذ ببئر مراد رايس بالجزائر العاصمة سنوات 1964-1966م.

ثم انتقل لمتابعة دراسته في المعهد الإسلامي بسكرة سنوات 1966- 1970م، وتلقى تعليما دينيا وعربيا ووطنيا جزائريا سويا.. إذ كان المعهد الإسلامي يومها يوفر تعليما عربيا ودينيا سويا ومتكاملا ومتميزا تشرف عليه وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وتدرس فيه البعثات العلمية العربية من الأزهر والشام.. ثم انتقل إلى دار المعلمين الوطنية للتعليم التقني بالحراش كأستاذ متربص سنوات 1977-1978م، وتخرّج سنة 1978م منه يحمل صفة الأستاذية، وهناك تعلم على يد خيرة الأساتذة الجزائريين والعرب.

وبعد تخرجه من المعهد التكنولوجي التربوي عمل مدرِّسا في المرحلة الابتدائية في مدرسه عبد الحميد بن باديس الابتدائية ببلدة أُولف دائرة عين صالح ولاية الواحات –سابقا- سنوات 1970-1972م، في وقت كانت فيه وسائل المواصلات ضعيفة وقليلة ووسائل العيش بسيطة ومتواضعة، ورضي رحمه الله أن يعمل في تلك الظروف القاسية لإيمانه بنهضة الجزائر ورفعتها وعظمتها.. وظل يعمل فيها لمدة سنتين كاملتين بجد ومثابرة وإخلاص، وهذا ما عُرف عنه ووصف بها طيلة مسيرة حياته.. ثم انتقل للعمل في صحرائنا وجنوبنا الكبير  للتدريس في  مدرسة الرويسات بورقلة ولاية الواحات  -سابقا – سنوات 1972-1975م، وبقي مدرِّسا فيها ثلاث سنوات يقدم فيها العلم والمعرفة لأبناء الجزائر المحرومين من التعليم والتربية.

وبعد أن قضى خمس سنوات في التربية والتعليم في الجنوب الكبير ظل يترقى في المناصب فعُيِّن نائب مدير التكوين والموظفين بمديرية التربية والثقافة والشباب ولاية تمنراست سنوات 1975-1976م، ثم مفتشا للتعليم الابتدائي مكلف بدائرة تمنراست ولاية تمنراست سنوات 1976-1977م، ثم أصبح أستاذا للأدب العربي بمتوسطة بن بعطوش بدائرة بريكة ولاية باتنة سنة  1978م، ثم انتقل كأستاذ للأدب العربي بالمتوسطة المقدمية ببلدة مقرة بولاية المسيلة  1978-1979م، ثم كمراقب عام للمتوسطة الجديدة ببلدة مقرة بولاية المسيلة سنوات 1980-1988م، ثم مديرا لمتوسطة بلدة ديرة بدائرة سور الغزلان بولاية البويرة سنوات 1988-1990م، ثم مديرا لمتوسطة سعد بن أبي وقاص ببلدة عين الخضراء بولاية المسيلة سنوات 1990-1993م، ومديرا لمتوسطة عمار بن ياسر ببلدة مقرة بولاية المسيلة سنوات 1993-2009م، تاريخ تقاعده يوم 01/09/2009م.

وقد قضى عمره رحمه الله مدرِّسا ومعلما وإداريا يخدم قطاع التربية والتعليم في الجنوب الكبير، ولما تقدمت به السن انتقل إلى منطقة الهضاب العليا، فعمل في ولايات الوسط منها، وظل ينتقل من منطقة إلى أخرى في رحلة تعليمية وتربوية مقدسة حتى استقر به المقام بعد تقاعده في بلدته أمدوكال.

وقد تولى رئاسة الجمعية الثقافية والتراث التاريخي 13/04/1962م بأمدوكال بولاية باتنة، منذ تأسيسها إلى وفاته رحمه الله، والتي كان لها فضل ٌكبير في التعريف بتاريخ أمدوكال وعلمائها ومشايخها وشهدائها ومجاهديها، والتعريف بموكب الحج العثماني الجزائري الذي كان يجتمع في منطقة أمدوكال لينطلق نحو البيت الحرام عبر الطريق الصحراوي الداخلي.

وظل الشيخ ينشط في العمل الفكري والثقافي والتاريخي والديني حتى توفاه الله ليلة الأول من ذي الحجة الحرام 1443هـ الموافق لـ 30/07/2022م بالجزائر العاصمة ونقل إلى بلدة امدوكال، وشُيعت جنازته يوم الجمعة الثاني من ذي الحجة الحرام 1433هـ الموافق للفاتح من نوفمبر 2022م على الساعة السادسة مساءً وسط حضور جماهيري كبير قدموا إلى جنازته من مناطق شاسعة من الجزائر، وفي جو جنائزي مهيب وموكب خيم عليه الحزن والوفاء وضمت جنازته جماعات من الأصحاب والرفاق والأصدقاء وأسرة التربية والتعليم ودفن بمقبرة أمدوكال. وقد عدَّد أصدقاؤه ورفاقه الخطباء والمتدخلون الكثير من خصاله ومناقبه.

وقد ترك مؤلفا دينيا وثقافيا وتاريخيا قيما عن شهداء بلدة أمدوكال قدّمه وراجعه الأستاذ الكاتب نوار لمباركية طُبع في دار المختار سنة 2019م. ولم يدع فيه شيئا من تاريخ بلدة أمدوكال منذ الفتح الإسلامي إلى العصر الحاضر، ذاكرا أعلامها وفقهاءها وخطباءها ومساجدها وجوامعها وأعيانها والكثير من تفاصيل الحياة فيها عبر تاريخها العريق. فليرحمه لله في الخالدين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!