-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأزمة المالية العالمية والإعلام العربي

محمد قيراط
  • 4509
  • 0
الأزمة المالية العالمية والإعلام العربي

استحوذت الأزمة المالية العالمية ومازالت تستحوذ على اهتمام مختلف وسائل الإعلام في دول العالم، نظرا لانعكاساتها وتداعياتها على شعوب المعمورة قاطبة. الإعلام العربي تفاعل وتعاطى مع الأزمة وحاول أن يلقي الضوء عليها حتى يشرحها ويفسرها ويقدمها للرأي العام والجمهور العربي.

  • إلى أي مدى نجح الإعلام العربي في إيصال المعلومة الاقتصادية إلى الجمهور العربي؟ وهل هناك بالأساس إعلام عربي متخصص في الاقتصاد والمال؟ هل اعتمد الإعلام العربي في تغطيته للأزمة المالية على وكالات الأخبار العالمية والدراسات والتحليلات الغربية، أم أنه اعتمد على خبراء ومحللين عرب؟ هل قدم الأسباب والنتائج والحلول والإجراءات اللازمة لتجاوز الأزمة؟ هل استعرض درجة التأثير على كل دولة عربية وهل ناقش المدة التي ستستغرقها الأزمة؟ أسئلة كثيرة وانشغالات أكثر. فرغم ما تناولته وسائل الإعلام المختلفة من مواضيع وتقارير وتحليلات وتحقيقات، إلا أن الأزمة المالية العالمية مازالت غامضة وغير واضحة عند الكثير من الناس. مصطلحات ونظريات اقتصادية ومفاهيم قد لا تعني للكثير من القراء والمستمعين والمشاهدين أي شيء، وأسئلة كثيرة مازالت بدون إجابة لدى الكثيرين.
  • ما هو موقع الإعلام الاقتصادي في خريطة الإعلام العربي؟ وهل هناك إعلام اقتصادي متخصص وفعال يواكب التطورات والتحولات الاقتصادية، والمشاريع التنموية العديدة التي تشهدها الدول العربية في مختلف المجالات؟ وهل هناك متابعة للمشاريع الاقتصادية والحركة التنموية؟ ماذا عن الوعي الاقتصادي والثقافة الاقتصادية والسلوك الاقتصادي الرشيد الذي يحتاجه الفرد والمؤسسة والمجتمع ككل من أجل القرار السليم ومن أجل الرشادة الاقتصادية.
  • إن معظم ما قدمته الفضائيات العربية عن الأزمة المالية العالمية هو نقل لما حدث ويحدث من تطورات ناتجة عن الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية، وهذا شيء مهم لكن غير كافٍ، لأن المواطن العربي بحاجة إلى معلومات عن تأثيرات الأزمة وانعكاساتها على الاقتصاد العربي. بل نلاحظ في الكثير من الحالات نوعا من التعتيم والعزوف عن تقديم حقائق مهمة جدا تهم المواطن العربي. كما نلاحظ أن بعض الوسائل الإعلامية العربية ركزت على أن الوضع الاقتصادي في الدول العربية بخير ومستقر ولا آثار للأزمة المالية العالمية عليه. من جهة أرى نلاحظ أن الإعلام العربي تعامل مع الأزمة عن طريق النشرات الإخبارية وبعض البرامج الحوارية القليلة وهذا غير كاف، حيث أن موضوع الأزمة يحتاج إلى متابعة مستمرة وأخصائيين ومحللين لهم باع في الموضوع، وهذا ما لم نشاهده في معظم الوسائل الإعلامية العربية التي سيطر عليها أسلوب التعتيم تارة والتهويل والتبسيط تارة أخرى. وهنا نلاحظ أن ما نقلته وسائل الإعلام هو عرض للأزمة وليس تحليل لأسبابها وانعكاساتها. وتجدر الإشارة هنا، أن الصحافي العربي يعاني من شح المعلومات الاقتصادية وندرتها وقلة المعطيات والأرقام التي تتعلق باقتصاديات الدول العربية وهذا ما يعقد من مهمته في إيصال الحقائق للجمهور، وفي الأخير يقدم مادة إعلامية بسيطة وخالية من التحليل والإلمام الشامل بالموضوع=.    
  • توجد في المجتمع أجهزة اقتصادية عديدة ومتنوعة تخدم الحياة الاقتصادية على المستوى الجزئي والكلي وعلى مستوى الفرد والأسرة والمؤسسة والقطاع العام والقطاع الخاص والدولة ككل. وهذه المؤسسات والأجهزة، سواء كانت خاصة أم عامة، ربحية أم غير ربحية، خدمية أم تجارية كلها تتعامل فيما بينها وتتعامل مع غيرها من المنظمات كما تتعامل مع الأفراد والخواص، كما تتعامل على مستوى خارجي ودولي. كل هذه التعاملات بحاجة إلى إعلام اقتصادي متخصص وقوي وفعال، وبحاجة إلى دراسات وتحليلات وتقارير وبيانات وإحصائيات وتوجيهات وإرشادات ووعي اقتصادي على مختلف الأصعدة من أجل الرشادة الاقتصادية والسلوك الاقتصادي الواعي والمسئول والسليم. هذا يعني أن هناك علاقة إرتباطية إيجابية بين الإعلام والاقتصاد، وأن المعلومة في عالم الاقتصاد تعتبر سلعة مهمة واستراتيجية سواء بالنسبة للفرد أو للمؤسسة. وهذه العلاقة يجب أن تُبنى على أسس متينة تقوم على العلم والمعرفة والتخصص. فالذي يكتب ويحلل ويناقش ويستشرف وينتقد في المسائل والقضايا الاقتصادية يجب أن يكون متخصصا وله دراية وخبرة وتجربة في المواضيع الاقتصادية المختلفة التي يكتب عنها. المهمة تحتاج إلى تخصص وجهد ومتابعة. فالمؤسسات الإعلامية بحاجة إلى محررين اقتصاديين متخصصين وبحاجة إلى دورات تدريبية بصفة منتظمة وتعليم مستمر حتى يجدد المحررون الاقتصاديون معارفهم ومعلوماتهم وخبراتهم في مجال تغطية ومناقشة وتحليل ودراسة القضايا والشئون والأحداث الاقتصادية.
  • كما نلاحظ من جهة أخرى، العلاقة الوطيدة بين المعلومة والقرار الاقتصادي ومن هنا يأتي الدور الاستراتيجي للإعلام الاقتصادي في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام وفي مسايرة التنمية الشاملة في البلاد وفي ممارسة النقد والتقويم والتوجيه والإخبار ونشر الوعي الاقتصادي في المجتمع. الموضوع هنا لا يتعلق بنشر أخبار عامة وأحداث اقتصادية، وإنما يتعلق بدراسات وتحليلات وتعاليق وتقارير وإحصائيات وبيانات وكل ما من شأنه أن ينشر الوعي والثقافة الاقتصادية التي تجعل من الفرد كائنا اقتصاديا يعرف كيف يدير نشاطه الاقتصادي وقراراته الاقتصادية، وتجعل من المنظمة مؤسسة تدار بطريقة رشيدة وفعالة وناجحة. دور الإعلام الاقتصادي هو توعية الفرد وتثقيفه باعتباره كائنا اقتصاديا، يتخذ يوميا قرارات اقتصادية. وما ينسحب على الفرد ينسحب على المؤسسة ومختلف المنظمات في المجتمع وعلى الدولة نفسها. فالاقتصاد هو جزء لا يتجزأ من حياة الفرد الذي يتخذ قرارات اقتصادية عديدة في اليوم الواحد. من جهة أخرى، نلاحظ ارتباط النشاط الاقتصادي في أي مجتمع بالنشاط الاقتصادي العالمي وبالعولمة وبأنشطة البورصات العالمية والشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الاقتصادية والنقدية والبنوك العالمية. لا نشاط اقتصادي بدون إعلام اقتصادي، ولا نجاح لمشاريع تنموية وللتنمية المستدامة بدون وعي اقتصادي وثقافة اقتصادية من قبل أفراد المجتمع الذين هم بالأساس الفاعلون الرئيسيون في عملية التنمية. فلا نجاح للتنمية والتطور والتقدم بدون أفراد يكونون في مستوى المسئولية التي تقع على عاتقهم. فالاستثمار في تنمية الموارد البشرية يعتبر الاستثمار الرئيس والأساس لنجاح أية عملية تنموية واقتصادية.
  • يشير واقع الإعلام الاقتصادي في العالم العربي إلى بعض مواطن الضعف والسلبيات حيث نلاحظ ضعف الأداء وغياب التخصص وكذلك قلة المجلات والصحف الاقتصادية المتخصصة على غرار الدول المتقدمة والدول التي تولي أهمية كبيرة للثقافة الاقتصادية وللوعي الاقتصادي. فالمؤسسة الإعلامية في الوطن العربي بحاجة إلى إعلاميين متخصصين في الاقتصاد ولديهم خبرة وتجربة ومعرفة تامة بالشئون والقضايا الاقتصادية. والأمر هنا لا يسمح بالارتجال وبكتابة العموميات والسطحيات والاكتفاء بالبيانات الصحفية وتقارير المؤسسات وشركات العلاقات العامة. كما أنه لا يقتصر على الترويج للمؤسسات والشركات بقدر ما هو بحاجة إلى بحث واستقصاء وتقييم مبني على مهنية وحرفية عالية. فالاقتصاد هو علم وممارسة في الميدان له أسسه وقوانينه ونظرياته يقوم على استراتيجية في الرؤية وفعالية في الأداء. كما يلعب الإعلام الاقتصادي دورا استراتيجيا في غرس ثقة الناس في السوق وفي الاقتصاد. الاقتصاد الإماراتي اليوم بحاجة ماسة إلى إعلام اقتصادي قوي وفعال يقدم بيانات اقتصادية دقيقة ويقوم بالنقد والاستقصاء والكشف عن الأخطاء وسوء الإدارة والتسيير والفساد والتجاوزات لمواكبة التطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي. ففي ظل العولمة لا مجال للتلميع والمجاملات والنفاق. ما نلاحظه في الميدان، مع الأسف الشديد، هو وجود فجوة بين حركة التنمية والاقتصاد من جهة، والصحافة الاقتصادية من جهة أخرى.
  • تتطلب تحديات التنمية المستدامة في العالم العربي صحافة اقتصادية قوية، فاعلة وناقدة وهذا يستدعي تحرير المؤسسة الإعلامية من القيود والضغوط المهنية والتنظيمية وحماية الصحافي حتى يجرؤ على النقد والاستقصاء وكشف الأخطاء والتجاوزات والسلبيات. فالمشكل الرئيس الذي تعاني منه الصحافة الاقتصادية في العالم العربي هو الرقابة الذاتية، والتي مع الأسف الشديد، تقتل روح العمل الصحفي المسؤول والملتزم والهادف. والواقع أن الرقابة الذاتية هي العدو اللدود للإبداع ولصحافة الاستقصاء والنقد والتقييم والعدو اللدود للعمل الحر والمسئول. تحديات الصحافة الاقتصادية العربية تتمثل في تغيير الذهنيات والخروج من دروب الروتين وتبرير الموجود. فإشكالية الصحافة الاقتصادية يجب أن ينظر لها على المستوى الكلي وليس الجزئي، أي من خلال النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وكذلك من خلال النظام الإعلامي ككل. فمشكلة الصحافة الاقتصادية لا تختلف كثيرا عن مشكلة الصحافة السياسية ومشكلة الصحافة الثقافية ومشكلة النظام الإعلامي ككل. وهذا يعني أن هناك مشكلات جوهرية تتعلق بماذا نريد من النظام الإعلامي؟ التبرير والتنظير للواقع، أم النقد والتقييم من أجل تغيير الواقع. وفي معظم الأحيان، مع الأسف الشديد، نلاحظ أن النظام والسلطة يريدان التبرير والتنظير لما هو موجود ويرفضان قوة مضادة أو سلطة رابعة تراقب وتستقصي وتنتقد وتطالب بالتغيير.
  • فالوعي بالأزمة المالية العالمية والتعرف على أسبابها وخلفياتها وتداعياتها وانعكاساتها بطريقة منهجية وعلمية هو جزء من فهمها والتعامل معها بطريقة مسؤولة وإيجابية من قبل الأفراد والمؤسسات والمجتمع والدولة ككل.    
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!