الجزائر
مأساة تبدأ بقطعة خشبية وحبل يخنق البراءة

الأرجوحة تتحول من لعبة إلى سلاح يقتل الأطفال

سمير مخربش
  • 1372
  • 0

تحولت الأرجوحة إلى أداة لقتل الأطفال بطريقة مأساوية تصنف في خانة موت الفجأة الذي يباغت العائلات الجزائرية في لحظة غفلة، تخلف حيرة وحسرة تلاحقان الأولياء مدى الحياة.

“ليتني لم أتركه لوحده” هي صرخة أم من بلدية بازر سكرة بولاية سطيف، فقدت ابنها البالغ من العمر 7 سنوات بعد ما خنقه حبل الأرجوحة التي كان يلعب بها في فناء المنزل، الضحية لم تكن تفصله عن أمه سوى 4 أمتار وتلك هي الحسرة الكبرى التي لازالت تلازم الأم إلى يومنا هذا بالرغم من مرور 5 سنوات عن الحادثة.

الأم يومها كانت تعجن الكسرة في المطبخ، بينما كان ابنها في فناء المنزل يلعب بالأرجوحة فكانت تسمع صوته وهو يتأرجح ويمرح، لكن بعد دقائق خيم الصمت على الفناء دون أن تتوقع الأم أي مكروه، بل على العكس نادت ابنها لتعطيه قطعة كسرة ساخنة فلم يجب، فكررت النداء أكثر من مرة ورغم ذلك لم يخطر في بالها أي شيء، بل اعتبرته من عناد اعتاد عليه الطفل، فخرجت بعدها إلى الفناء وهي تحمل قطعة الكسرة فإذا بها تفاجأ بالطفل جثة هامدة وهو جالس في الأرجوحة والحبل ملتف حول رقبته، فصرخت وحاولت إنقاذه ولحق بها أبناؤها فخلصوه من الحبل، لكن بعد فوات الأوان، الطفل اليوم في تعداد الموتى مدفون في مقبرة بازر سكرة، والأم لازالت إلى يومنا هذا تردد “ليتني لم أتركه لوحده”.

الحادثة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، فمنذ أيام فقط لقي طفل حتفه ببلدية تيزي نبشار بولاية سطيف بسبب أرجوحة خنقت أنفاسه وأردته جثة هامدة.

الضحية يبلغ من العمر هذه المرة 9 سنوات، كان يلعب رفقة أترابه بالقرب من منزل عائلته الكائن بقرية بوشامة ببلدية تيزي نبشار الواقعة شمال ولاية سطيف، ركب الأرجوحة وقام بعملية دوران فالتف الحبل حول رقبته إلى أن خنق أنفاسه دون أن يتمكن أحد من إنقاذه، حيث تم استدعاء رجال الحماية المدنية الذين تنقلوا من وحدة بلدية عموشة ليجدوا الطفل جثة مختنقة، وتدخل رجال الدرك لفتح تحقيق في الحادثة الأليمة التي هزت منطقة بوشامة النائية، وقد حول الضحية إلى مستشفى عين الكبيرة في ظروف خيم عليها الحزن والأسى، خاصة وسط عائلة الضحية التي تحسر أفرادها على هذا الحادث الأليم الذي يفاجئ العائلات خاصة في المناطق الريفية.
وفي حادثة ثالثة وقعت منذ 3 سنوات ببلدية قصر الأبطال جنوب ولاية سطيف، أين لقيت طفلة حتفها بعد ما اختنقت بحبل الأرجوحة.

وتبلغ الضحية من العمر 8 سنوات، كانت تلعب مع صديقتها في منطقة ريفية تعرف باسم الخربة والتي توجد بها أرجوحة مصنوعة بطريقة تقليدية ومعلقة بغصن شجرة، وفجأة سُمع صراخ لصديقتها التي هرعت إلى المنزل لتخبر أهلها بأن صديقتها علقت بحبل الأرجوحة، وعند تنقل الأقارب إلى المكان وجدوا الطفلة معلقة بالأرجوحة والحبل ملفوف حول رقبتها، ورغم التدخل السريع لإنقاذها، إلا أن الطفلة فارقت الحياة مخلفة حسرة كبيرة وسط العائلة، وحسب رواية صديقة الضحية يكون حبل الأرجوحة قد التف حول عنق الطفلة وهي تلعب بها وظلت معلقة إلى أن فارقت الحياة.

وتوشك أن تتحول هذه الحوادث إلى ظاهرة تستدعي تدخل الجهات المعنية، لأنها قتلت أكثر من طفل في ظروف مأساوية كلها حسرة لازالت تحرق أكباد الأمهات، فالأرجوحة المعلقة بحبل متين هي أشبه بمشنقة تحبس الأنفاس ولا ترحم رقاب الأبرياء، واللعب بها مغامرة، خاصة في غياب الأولياء. والموت هنا يكون في حالتين، الأولى إما عن جهل من الأطفال الذين يكثرون الدوران فيتحكم فيهم الحبل ولا يتمكنون من توقيفه، وفي حالات أخرى تقع الكارثة بعدما يحاول الطفل تحدي الموت لاعتقاده بأنه يمكن أن يبقى على قيد الحياة بعد أن يلتف الحبل حول رقبته، فهو لا يؤمن بالموت خنقا ويحاول أن يؤكد لأترابه أنه شجاع ولا يخشى الموت، وهو نفس التحدي الذي يقوم به الأطفال في لعبة الحوت الأزرق التي قتلت العديد من الأطفال بعد ما يُطلب منهم تحدي الاختناق بالحبل لإظهار شجاعتهم.

ومع هذه المأساة المتكررة، تخلى بعض الأولياء عن الأرجوحة ويعتبرونها وسيلة خطيرة لا ينبغي أن تبقى في متناول الأطفال، ورغم ذلك لازالت الأرجوحة تسجل حضورها في العديد من المناطق، لأنها أفضل بديل عن الألعاب الموجودة في حدائق التسلية، والتي تبقى صعبة المنال بالنسبة للعديد من الأطفال لعدم توفرها في أغلب البلديات أو لغلاء سعرها إن وجدت، ولذلك يقوم بعض الآباء بصنعها لأبنائهم في مهمة سهلة تجمع بين قطعة خشبية وحبل يعلق بالشجرة وحينها تبدأ الفرحة التي قد تتحول إلى مأساة.

في الخارج، تم حظر الأرجوحة المصنوعة من الحبل وعوضت بأرجوحة تعلق بقضبان حديدية أو أعمدة صلبة لا تلتف حول رقبة الطفل وتسمح له بالتأرجح بأمان، بل هم يراقبون كل الألعاب التي تشكل خطرا على حياة الطفل بما فيها الألعاب البلاستيكية التي ينبغي أن تصنع من مواد لا تلحق أي ضرر بالطفل، والخطر هنا لا يعني فقط السقوط أو الاختناق، بل حتى نوعية المادة التي صنعت بها الألعاب والتي قد يضعها الطفل في فمه.

وفي بلادنا أرجوحة الحبل لازالت منتشرة في الأحياء السكنية والحدائق، وفي الأرياف تعلق في أغصان الأشجار وتبدو للبعض أنها مجرد لعبة، لكن حينما يختلي بها الأطفال قد تحدث الكارثة ويليها الندم وبعده الحسرة مدى الحياة.

وحسب النقيب احمد لعمامرة المكلف بالإعلام بمديرية الحماية المدنية بسطيف فإن “حوادث الأرجوحة تكررت أكثر من وقتلت أطفالا أبرياء، لذا يُنصح بتجنب مثل هذه الألعاب وعلى الأولياء أن يحرسوا أبناءهم وعدم تركهم لوحدهم، فهم صغار لا يدركون مكامن الخطر، وقد يقدمون على بعض الأفعال دون احتساب العواقب التي تلحق بهم”.

مقالات ذات صلة