الرأي

الأديب أمين الزاوي.. ابن الإمام!

ح.م

في الماضي، عرفنا الأديب أمين الزاوي منشطا متميزا لحصة “أقواس” الثقافية التلفزيونية كما كان يفعل المنشط الفرنسي برنار بيفو Bernard Pivot في برنامجه الشهير “أبوستروف” (Apostrophes). وكان برنامج “أقواس” من أفضل ما كنا نشاهد في التلفزيون من الحصص الفكرية. وكان الزاوي يتقن أيضا أداء مهمته في ركنه الإذاعي “شعبٌ يقرأ، شعب لا يجوع ولا يُستعبَد”.

لكننا أصبحنا نستغرب شيئا فشيئا في تحوّل ذلك الأديب المتحرِّر والمتفتِّح على آراء الغير منذ صار له ركنٌ في جريدة “ليبرتي” التي يكتب فيها بلغةٍ فرنسية باهتة لو اطَّلع عليها برنار بيفو لأعاد إحياء حصته التلفزيونية “قواميس من ذهب” التي كان يُلقّن فيها الفرنسيين قواعدَ لغتهم!

تمجيد الفرنسية دون سواها!

لم نفهم توجّه أديبنا لأنه أصبح متماديا في تمجيد اللغة الفرنسية دون سواها، وفي نفس الوقت يتقزّز من اللغة العربية وثقافتها. أما ركنُه في جريدة “ليبرتي”، فعندما نقرأ مقالاته نتأسف جدا لأننا نشعر بأننا نقرأ لقلمٍ كأنه مأجور؛ ذلك أن كل تركيز الزاوي يصب فيما يسميه البعض “الخروج عن الطابوهات” في المجال الديني، رغم أننا سمعناه يصرّح في مقابلة -عندما أحرجه محاورُه- بأنه ابنُ إمام، وكأن أبناء الأئمة لهم الحق في التطاول على الدين!

عِشْق الأستاذ أمين الزاوي للغة الفرنسية جعله ينتفض بخصوص ما يُرَوَّج الآن حول تعزيز اللغة الإنكليزية في الجامعات معتبرًا أن الأمر يندرج في إطار “الشعبوية”. وانتفاضته ليس بسبب “الشعبوية” بل لأن الفرنسية لا يمكن في نظره الاستغناءُ عنها.. وتبريره أنها هي التي تعرِّفنا بالأدباء الفرنسيين والألمان وغيرهم (هكذا قال)… أما الإنكليزية فهي لغة “علم المخابر” (هكذا قال).

وحتى نفهم ما يقصد بـ “علم المخابر” ضرب المثقف الزاوي مثلا بابنه الذي قال عنه إنه متخصصٌ في الروبوتية وأنه تحوّل في ظرف 6 أشهر إلى الإنكليزية! تلك هي رؤية هذا المثقف الذي قال في الحوار إن “رجل السياسة هو التكتيك وأن المثقف هو الإستراتيجية”. فتبًّا لهؤلاء الاستراتيجيين.

أليس ضحكا على الأذقان أن يوهمنا هذا الاستراتيجي بأن الفرنسية وحدها قادرة على تعريفنا بالحضارات الأخرى وأن اللغة الإنكليزية ليست سوى لغة “علم المخابر”؟ لو اكتفى بالقول إن اللغة الفرنسية من الأهمية بمكان لبعض التخصُّصات الأدبية ولتلك المرتبطة بالتاريخ -لأنها تفيدنا بوجه خاص في الاطلاع على تاريخنا وتاريخ الاستعمار من مصادره- لصفّق له الجميع. أما اللغة العربية فيقول عنها أمين الزاوي إنها “لغة المساجد والزوايا”، ويرى أن تحريرها من هذا القيد يمرّ لزوما بالتوجّه نحو الدارجة! وقال إن الحديث عن الإنكليزية الآن هو إعلان حرب على الفرنسية من وراء خلفية دينية!

من سمع بـ”ميثاق المواطنة”؟

في 28 أوت الماضي صدر في صحيفة “ليبرتي” نص مشروع تمهيدي عنوانه “ميثاق مواطنة” اطلع عليه، إلى غاية يوم 24 سبتمبر، 3024 قارئا لا غير، وشعاره هو “من أجل جزائر حرة ديمقراطية”. تقول الصحيفة إن هذا الميثاق صادرٌ عن “فئة من المناضلين ورجال الثقافة بتحفيز من فاعلين سياسيين”. ونجد في نفس الصفحة قائمة الموقعين الأوائل على هذا الميثاق وعددهم نحو 160 موقعا من داخل الوطن وخارجه. ولجهلنا بعالم الأدب، لم نتعرّف من بين رجال هذا الفن البارزين إلا على اثنين، هما بوعلام صنصال وأمين الزاوي.

أما الأديب الأول فنكتفي بإعادة ما كتبنا عنه في هذا الركن بالذات يوم 30 أوت 2017: “… بوعلام صنصال ذاع صيتُه في بعض الأوساط النافذة حينما زار مدينة القدس عام 2012، ووقف يتأمَّل أمام حائط المبكى وهو يرتدي قبعة (كيباه) اليهود الأرثدوكس، ثم استضيف في ما يشبه بيت أحد الإسرائيليين هناك، وأحاطت به جماعة من المثقفين والفنانين الإسرائيليين ظلوا يحاورونه خلال مدَّة تقارب ساعتين حول ما حدث ويحدث في الجزائر، وحول سياستها وتوجُّهها، لاسيما إزاء إسرائيل. وكان يحلو للروائي الجزائري التندّرُ بمواقف بلده وكان يروي لهؤلاء القصص والوقائع التي عايشها مثل تلك التي التقى فيها سرًا بوزير إسرائيلي عندما كان موظفا في وزارة الصناعة الجزائرية خلال التسعينيات”!

يقع هذا الميثاق في نحو 6000 كلمة، وقد تناول التاريخ والجغرافيا والسياسة والجانب الاجتماعي للبلاد ففوجئنا بمواقفه. وهذا ما دفعنا إلى البحث فيه آليا عن بعض المفردات التي من شأنها أن تعيننا على إدراك توجّه أصحابه بحكم أنه من المفترض أن يعني كل الجزائريين. وهذه عيّنة من المفردات المختارة:

– المفردة “عربي” (Arabe): بمعناها اللسان العربي أو العرقي فكان عدد مرّات ورودها 00 مرة. ووردت كلمة “Arabo” مرة واحدة في عبارة “عروبي-إسلامي” ضمن جملة مندّدة تقول: “…تقليد تمليه وسائط إيديولوجية وضغوط خارجية تشكل الهيكل السياسي والإداري للبلد. هذا الهيكل مزيج من الجاكوبية، والمركزية الديمقراطية والعروبية-الإسلامية”.

– المفردة “إسلام” (Islam): إذا استثنينا الجملة السابقة، فلا نجد هذا اللفظ إلا مرة واحدة في عبارة “إسلام شمال إفريقيا” لتنبيه القارئ إلى أنه تم تشويهُه بالتيارات المتطرفة. أما “الفتوحات” الإسلامية فأدرجت في باب “الغزو” (invasion) الذي “كانت ضحيته المنطقة”!

– المفردة “المغرب الكبير” (Maghreb): عدد مرّات ورودها=00. وقد فضّل الميثاق استبدالها بـ”شمال إفريقيا”. لماذا؟ لأن موقعه الجغرافي يجعله بين أوروبا (شمالا) وبلدان الساحل الإفريقي (جنوبا). من هنا نفهم أن الحديث عن “المغرب الكبير” يوحي للقارئ أنه منطقة مرتبطة بـ”المشرق” العربي. وهذا ما يرفضه أصحاب الميثاق! وما يؤكد أن لهؤلاء هذا المسعى المتمثل في فصل “المغرب الكبير” عن المشرق هو التعقيب الطويل الذي كتبه أحد أبرز الموقعين على الميثاق (بعد أن وقَّعه) إذ عاتب أصحابَه بخصوص نقطة واحدة هي استعمال عبارة “شمال إفريقيا” بدل “المغرب”. لماذا؟! لأنه أكثرُ تطرفا منهم إذ يلاحظ أن الشمال الإفريقي يضمُّ أيضا مصر، ونحن من مصر براء!

– المفردة “ثورة نوفمبر 1954”: وردت 00 مرة، وبدلها استعمل الميثاق لفظ “انتفاضة” (insurrection) نوفمبر 1954″. وقد تكرر في النص لفظ “ثورة” ليس للدلالة على “ثورة 1954” بل ورد عدة مرات في العبارة “ثورة 22 فيفري”.

تلك هي رؤى المثقف الاستراتيجي أمين الزاوي، ابن الإمام، وذلك هو النص الذي وقّعه باعتباره ميثاقا سينقل البلاد من الظلمات إلى النور.. أو من النور إلى الظلمات!

مقالات ذات صلة