الآن… الآن… يا عبّاس!
ربّ ضارّة نافعة…{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}…إنّ استشهاد قائد في ساحة المعركة، بين أعدائه وجنوده، وإقباله على الاستشهاد راضيًا مرضيًا، لهي علامة صحّة هذه المعركة ورسالة بشر، يبعث بها قائد إلى شعبه وجنده.
فبالرغم من البقع السوداء والحمراء التي لا تزال تلوّن واقع الوطن العربي الحزين، والتي ترسل هي الأخرى بنذير شؤم إلى الحاكمين والمحكومين معًا، وكلّها تغري بالكتابة، تنفيسًا عن التنفس بالقلم، ومنها:
هذا الاحتقان الخفيف، الذي يطبع واقع جزائرنا الحبيبة، ويُوشِك أن يربك العفيف والشريف من المواطنين.
وهذا الغليان المخيف الذي يسود الحياة السياسية في شقيقتنا القريبة تونس المرزوقي، وبقايا الحبيب بورقيبة، لا تبعث على الارتياح، لما يسود حملتها الانتخابية من مواقف وتصريحات نابية وغريبة.
ومن دونها حرب وحشية غبيّة تدور بين أبناء ليبيا، فلا يُعرَف لها سبب، بل وتدعو كلّها إلى العجب، فمن يقتل من في ليبيا؟ ولماذا يَقتل هذا ذاك بين أحرار ليبيا، وبقايا الجماهيرية؟.
وفي مصر الكنانة، يهزّك هذا الحراك الطلابي، والشبابي، وما يطبعه من سياسة كسر العظام، وإصدار الأحكام _جُزافًا– بالإعدام على العلماء الأعلام، فضاعت مصر بين حكمة الشيخ إمام، ودعابة عادل إمام.
إنّ هذه كلّها مقدّمات فاسدة، لما يحدث في اليمن الشقيّ بأبنائه، السّعيد بأعدائه، بسبب الصراع الدّموي الدائر بين الحوثيين والسُّنِيِّين، مما يوشِك أن يقضي على صنعاء، وعدن، لأنّ سيوف أبنائها لم نَعرف ما دهاها، وأين صارت، وبيدِ من؟.
ولك أن تمُدَّ الخطى قليلاً، {يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} مما يحدث من حرب طاحنة في سوريا والعراق بين داعش وجيش النصرة، وبين براميل الجيشين السوري والعراقي، ومقاومي البصرة.
إنّ هذه الأعراض الدّموية التي يُرسل بها وطننا العربيّ المسكين، من شأنها أن تهزّ الضمائر، وتقضّ مضاجع القبائل والعشائر، وتبعث على ثورة الأحرار والحرائر.
وثالثة الأثافي بعد كلّ هذا هو ما أفضت إليه أعراض الوطن العربي الخطيرة، من استخفاف وتنكيل بالعلماء، وهل أتاكم حديث الغاشية، الذي يصنف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ضمن التنظيمات الإرهابية، ويضع عالما جليلاً، ومرجعًا إسلاميًا نبيلاً ضمن المجرمين المطلوبين من الأنتربول، فيا للهول!.
سوف تظلّ كلّ هذه الوقائع السوداء والحمراء، جاثمة على ضمير كلّ مواطن عربي، وكلّ مسلم شريف أبيّ، غير أنّ استشهاد الوزير الفلسطيني “زياد أبو عون” أمام عدسات الإعلام، وفي أتون المقاومة بين الصهاينة، والمقاومين الفلسطينيين يعتبر انتفاضة رسمية جديدة لما يُعرف بالسلطة الفلسطينية. فقد مثَّل التحوّل المطلوب، والمرغوب من زمن بعيد، ذلك أن التحام القيادة بشعبها في ساحة الوغى، من شأنِه أن يقرّب ساعة النصر في ساحة الحسم.
إنّ الموقف الشجاع الذي أقدم عليه رئيس السلطة الفلسطينية القائد “محمود عبّاس” أو مازن من وقف التنسيق الأمني بين السلطة الوطنية الفلسطينية، وسلطة الاحتلال الصهيوني، ليمثِّل رصاصة الرّحمة التي أطلقها “محمود عبّاس” في جسم الكيان الصهيوني المحتّل.
لقد ظلّ الفلسطينيون، منذ اتفاق “أوصلو” المشؤوم يحملون عنوان سلطة بلا حكم، وألقاب مملكة في غير موضعها، فهم كانوا _ويا لهول ما كانوا– يقومون بدور الحارس للاحتلال يمدُّونه بالمعلومات الأمنية عن المقاومة، ويسنِدون ظهره بالمداومة، ويعيشون على فُتات التفاوُض والمساوَمة.
فأن يَخرج علينا اليوم، رئيس السلطة “محمود عبّاس” يوُقف ما يُعرف بالتنسيق الأمني مع العدّو الصهيوني، لهو إعلان لانتفاضة سياسية جديدة، إذا ثبت المسؤولون الفلسطينيون على هذا الموقف، ولم يُذعنوا للضغوطات المحليّة والإقليمية، والخارجية. إنّ الدّم الفلسطيني المراق على الأرض الفلسطينية لهو دمٌ حارٌ وضارٌ، وكلّ خيانة أو تنكّر لهذا الدّم تمثِّل خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.
فالآن! الآن! يا عبّاس! وليس غدًا!
إنّ القدس بقدسيته يستصرخ، وإنّ عربدة المتطرفين اليهود في قدسنا، هي اللّعنة التي تلاحقنا جميعًا، إن لم نصمد ولم نثبت في وقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني. إنّ ذلك ما يمثِّل القوّة بأعمق وأدّق معانيها في حياة السلطة الفلسطينية.
لَيْسَ كَالْقُوَّةِ فِي الْدُنْيَا فَضِيلَةً هَكَذَا، قَالَتْ لَنَا الْرُّوحُ الْجَلِيلَة
يمكن القول _إذن– أنّ القضية الفلسطينية بهذا الموقف الشّجاع للسلطة، إنْ ثبتت وصمدت قد دخلت مرحلة جديدة من الصمود ضدّ التشرذم، وإعادة اللُّحمة بين فتح وحماس، وتقريب ساعة الخلاص على المستوى الوطني، والمستوى الدولي.
إنّ المطلوب الآن، وبعد كلّ الذي حصل أن تخطوَ السلطة الفلسطينية خطوة جديدة على الصعيد الدولي، فتدوِّل الاعتراف بفلسطين، وقد لاحت بوادر النّصر لهذا الاعتراف من عدد كبير من بلدان العالم.
إنّ الأنظار تتجه اليوم إلى رام الله وإلى غزّة لاختبار قدرة الصمود والثبات على المبدإ. والجميع يصرخ في وجه القائد “محمود عبّاس“: الآن… الآن فقط، وليس غدًا…
فقد انتهى عهد المساومات والمفاوضات، وأزفت ساحة الحسم، والجزم، والجميع ينتظر ماذا سيفعل الشرفاء الفلسطينيون بقضيتهم… فإمّا النّصر … وإمّا الاستشهاد!.