الرأي

اكتشاف حكومي عظيم!

قادة بن عمار
  • 5824
  • 11

الخطاب الذي قدّمه كلّ من الوزير الأول عبد المالك سلال، ومعه وزير الداخلية دحو ولد قابلية، خلال لقائهما الأخير برؤساء الدوائر، هو خطاب لا يختلف كثيرا، إن لم يكن متطابقا تماما مع لسان حال المواطنين الزوالية في الجزائر العميقة، والمدن الداخلية، وحتى في القرى والأرياف البعيدة عن الإدارة، والتي تعاني من غياب الثقة، وانتشار البيروقراطية وتفشي الفساد!

سلال بارع جدا في اقناع الشعب البسيط بمقاسمته المعاناة ذاتها مع حجم بطاقة التعريف التي تشبه “الزربية”، وخشيته من تحوّل الإرهاب الإداري من حالات استثنائية إلى عقيدة قائمة بذاتها في التعامل مع المواطنين، وهي براعة، تُذكّرنا بالجهد الكبير الذي كان يبذله رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى، حين يسترسل في تقديم المبررات المتعلقة بتسريح العمال وبيع المؤسسات، وتجويع الشعب، ثم ينتظر التصفيق بعد كل خطاب، معلنا أنه في خدمة الدولة لا في خدمة الشعب!

في نفس السهرة التي أتحفتنا فيها التلفزة العمومية، ومعها شقيقاتها الجديدات من القنوات الخاصة بخطاب سلال، تحدثت امرأة عجوز لميكروفون اليتيمة من أحد الطوابير الطويلة في بلدية معزولة بولاية باتنة، فقالت أنها خرجت من بيتها بعد صلاة الفجر مباشرة حتى تكون أول الوافدين إلى البلدية من أجل استخراج شهادة ميلاد!

يحدث كل هذا والتلفزة لا تمل ولا تكل من تذكيرنا على الشاشة بمرور خمسين عاما عن الاستقلال.. المزعوم!

هناك مواطنون تعوّدوا على الطوابير حتى أنهم أصيبوا بما يمكن تسميته “صدمة حضارية”، فباتوا يمارسون عاداتهم القديمة في أسواق الفلاح، ولكن هذه المرة داخل الترامواي والميترو، الحضريين، بدليل قيام بعضهم بنقل خرفان العيد عبر هذه الوسيلة الحديثة في النقل، وكأنّ لسان حالهم يقول أن الأضحية هذا العام أغلى بكثير من وضعها داخل عربات قديمة، بل هي أغلى حتى من الإنسان الذي لم يعد يساوي “بصلة” عند الحكومة!

سلال قدّم اكتشافا عظيما خلال لقائه برؤساء الدوائر، اكتشاف أهم بكثير من قفزة فيليكس “رائد الفضاء” قبل أسبوع، حين قال بأن المواطنين الغاضبين في الشوارع والطرقات، لا يفعلون ذلك بسبب بحثهم عن أموال البترول ولا دفاعا عن حقهم الضائع من الريع، ولكن بسبب غياب استقبال جيّد من طرف الإدارات المحلية، وخصوصا في البلديات التي تحولت إلى محاشر عمومية!

وعليه، قررت الحكومة، واستدراكا منها لهذا المشكل الخطير، أن تخصص غلافا ماليا مهما من أجل تكوين أعوان استقبال، يليقون بعظمة هذا الشعب المكافح في الطوابير، شعب المعجزات الذي يبقى رجاله ونساؤه، شبابه وشيبه، واقفون لساعات دون كلل ولا ملل بحثا عن “كاعط”!

مقالات ذات صلة