الجزائر
الرافضون لمصالحة الذاكرة في فرنسا يضعون العصا في العجلة

استعادة ممتلكات الجزائر تحيي جدل الدور “الإيجابي” للاستعمار

محمد مسلم
  • 1768
  • 0
أرشيف

تحرك الرافضون لمصالحة الذاكرة من الجانب الفرنسي، وشرعوا في الضغط على سلطات بلادهم للحيلولة دون تجاوبها مع الطلبات التي رفعتها اللجنة المختلطة الجزائرية الفرنسية، والمتمثلة في استعادة بعض الممتلكات “ذات الدلالات الرمزية”، التي نهبتها فرنسا من الجزائر خلال فترة الاحتلال.
وقبل نحو أسبوع رفعت الجزائر قائمة مفتوحة لممتلكاتها “ذات الدلالات الرمزية” المحفوظة في مختلف المؤسسات الفرنسية، والمقترحة للاسترجاع والتسليم بصفة “رمزية للجزائر”، حيث قالت اللجنة في آخر اجتماع خامس لها عقد بالجزائر في الفترة الممتدة ما بين 20 و24 ماي المنصرم، إنها “تأمل أن تتحقق الإجراءات الملموسة التي تعكس الإرادة الحقيقية لمعالجة كل أبعاد المرحلة الاستعمارية من أجل التطلع إلى المستقبل”.
استهداف مشروع مصالحة الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، بدأ يتوسع ويتمدد من البعد السياسي إلى الإعلامي، فيما بدا وكأنها خطة ممنهجة ومدروسة لوضع العصا في عجلة اللجنة المختلطة، التي يراهن عليها كل من الرئيس عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في تحقيق الهدف المرسوم وهو الحد من حروب الذاكرة، التي كثيرا ما تسببت في تسميم العلاقات الثنائية على مدار عقود.
وبدأ هؤلاء المعارضون لمصالحة الذاكرة عملهم بشكل علني نهاية الأسبوع المنصرم، عندما خرج زعيم حزب “الجمهوريون” اليميني، إريك سيوتي، بتغريدة مستفزة على منصة “إكس” هاجم من خلالها الجزائر، قائلا: “رسالة خدمة للجزائر، يجب استعادة كل شيء، الجيد والسيء: المجرمون، والجانحون، والمهاجرون غير الشرعيين، وأولئك الذين صدرت بحق إلزام بمغارة التراب الفرنسي(OQTF)”.
وبعد السياسي جاء الدور على الإعلامي، فقد نشرت المجلة المتخصصة في التاريخ والفن “لاتريبين دو لار” بدورها تغريدة على منصة “إكس”، رفضت من خلال مطالب تمكين الجزائر من ممتلكاتها المسروقة والمعروضة في المتاحف الفرنسية خلال فترة الاحتلال. والملاحظ في هذه التغريدة أنها تتشابه كثيرا في المبنى مع تلك التي صدرت عن رئيس حزب “الجمهوريون”، وإن اختلفت معها في المعنى.
وعلقت على ذلك بالقول: “هل نعيدها إلى الجزائر (تقصد الممتلكات المنهوبة)؟ جيد جدا، لذا يجب علينا استعادة جميع الأعمال التي تم الحصول عليها بفضل فرنسا خلال الاستعمار، وخاصة مجموعات متحف الفنون الجميلة بالجزائر العاصمة”، مستعيرة مثالا فرنسيا شهيرا: “لا يمكن الحصول على الزبدة وثمنها في آن واحد”.
ومنصة “لاتريبين دولار” هي مجلة فرنسية متخصصة في تاريخ الفن والتراث الغربي في القرون الوسطى إلى غاية 1930، وقد أسسها المؤرخ الفرنسي ديديي ريكنر، المتخصص في تاريخ التراث والفن، ويرفع لواء الدفاع عن التراث وحمايته وترميمه، كما تنشر مقالات علمية متخصصة في التراب أيضا.
والمثير في الأمر هو المنحى الذي أخذه النقاش الإعلامي في فرنسا حول قضية استرجاع الممتلكات الجزائرية، والذي انحرف رأسا على عقب، بحيث أصبح يسير في اتجاه عكسي، أي أن فرنسا هي التي يتعين عليها استعادة تراثها الموجود في الجزائر، في مسعى يصب في أطروحة “الممارسات الإيجابية للاستعمار”، التي نص عليها قانون 23 فبراير 2005، الذي خلف انتفاضة عارمة في المستعمرات الفرنسية السابقة.
وجاء في مقال في منصة “بولفار فولتير”، أن فرنسا هي التي “زودت مستعمرتها السابقة بالأعمال الفنية إلى حد كبير، بما في ذلك عن طريق الشراء، لتزويد المتاحف الجزائرية بأعمال فرنسية ولكن أيضًا… جزائرية!”، وتذهب بعيدا في هذا لتقول إن متحف الجزائر العاصمة للفنون الجميلة، الذي تم افتتاحه في عام 1930، ويضم نحو ثمانية آلاف عمل فني، هو أحد أكبر المتاحف في إفريقيا.
غير أن هذه المنصة اعترفت من حيث لا تدري بوجود عمليات نهب للتراث الجزائري قبل الاستقلال، ففي أبريل 1962، أي قبل ثلاثة أشهر من الاستقلال، تحدثت عن “نقل (سرقة) 300 عمل فني من متحف الفنون الجميلة بالجزائر إلى متحف اللوفر في باريس”. قبل أن تتحدث عن إعادتها في عام 1969.
لكنها اليوم لا ترى مانعا، بل تطالب باستعادة بعض الأعمال الفنية في متحف الفنون الجميلة بالعاصمة الجزائرية، من قبيل لوحات كل من جونكيند، وبودين، وبيكاسو، وسيسلي، وموني، وموريزو، ورينوار وغيرها.

مقالات ذات صلة