-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إهدار الثورة!

قادة بن عمار
  • 3689
  • 8
إهدار الثورة!

ما يحدث في مصر حاليا، وأيضا في تونس وليبيا، يؤكد أن إسقاط الرؤساء الدكتاتوريين هو أسهل شيء عند اندلاع الثورات، لكن تصفية تركة الاستبداد وإعادة بناء المؤسسات واختبار صبر الشعوب للمرور نحو مرحلة جديدة، أمور تعدّ صعبة جدا بل وخطيرة تماما على الدول الرخوة التي قد تنجرّ إلى ما هو أسوء من العهد السابق.

ثورات الربيع العربي أفرزت لنا قيادات سياسية “مؤقتة”، حيث من الصعب جدا التكهن بالفترة التي سيصمد فيها كل من محمد مرسي في رئاسة مصر، أو منصف المرزوقي في حكم تونس، وحتى القيادة الجماعية في ليبيا.. فكل تلك الأسماء مرشحة للسقوط في امتحانات متكررة تحت أقدام شارع ما يزال يعيش على وقع التغيير المضطرب بعد سنوات طويلة من السكينة السلبية وعقود من الجمود المملّ، وبالتالي، فمن المستبعد جدا أن يستمر هؤلاء الحكام لفترات طويلة، بل يمكن اعتبارهم مجرد أرانب سباق في طريق إنشاء دول حقيقية.

تأكدنا جميعا اليوم، أنّ من سقط في مصر هو مبارك لا نظامه، ومن فرّ في تونس هو زين العابدين بن علي لا رجاله، ومن مات في ليبيا، هو القذافي وليس أتباعه.. لذلك فإن الممسكين بالسلطة في تلك الدول المصنّفة بدول الربيع العربي، يواجهون اليوم ارتدادات التغيير أو السقوط المدوي لدكتاتوريات ظنّ البعض أنها ستزول بمرور أشهر قليلة، لا بل إن الوضع في سوريا سيكون أكثر خطورة من الجميع، فبقاء بشار الأسد كل هذه المدة، وممارسته القتل في كل اتجاه مع تداخل مصالح أكثر من محور في صناعة القرار بدمشق، من شأنه أن يفجر البلد بالكامل في المرحلة المقبلة.

لا نقول هذا تشاؤما ولكن تحذيرا مما سيأتي، كما أن الله ابتلانا بعد سقوط الدكتاتوريات المقيتة بنخب تتقن جدا فن إهدار الثورة، حيث يتحدث أكثر من محلل هنا، ومثقف هناك، عن مساوئ الربيع العربي وكأن الاستقرار العظيم الذي كنا نعيش في ظلاله تحت رحمة الأنظمة السابقة، لا يمكن أن يتحقق إلا مع مستبد جديد، هكذا يصوّر الإخوان المسلمون الأمر للرئيس المصري حاليا، ناهيك عن أن القيادات التي تسلمت السلطة بالقاهرة وتونس وطرابلس وأيضا في صنعاء، لم تكن أبدا في مستوى الدماء التي سُفكت والأرواح التي أُزهقت دفاعا عن الحرية.

المخاوف هنا وهناك من تحوّل محمد مرسي إلى محمد مبارك، أو راشد الغنوشي إلى بن علي آخر، أو حتى استيقاظ روح القذافي بداخل الحكام الجدد في ليبيا، هي مخاوف جدّية ومشروعة، وتتحمل الشعوب جزءا كبيرا منها إذا ما تحققت على أرض الواقع، فحتى مبارك حين تسلم السلطة كان زاهدا فيها، وبن علي كان خائفا منها والقذافي كان مناضلا وجنديا في سبيلها، لكن مع مرور السنين تحول كل واحد منهم إلى فرعون ودكتاتور وجنرال قاتل، والسبب هي الشعوب التي استكانت في الماضي وتتحرك اليوم سلبيا دون بوصلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • AHMEDRADWAN

    الأستاذ قاده بن عمار انا متابع لمقالاتك من وقت طويل لان كتاباتك ممتازة وارى فيها اضافة لضمير وثقافة القارئ . اعتقد انك من افضل الكتاب العرب حاليا

  • مروان

    كلمة حق أقولها كمواطن عربي, لا أرجو بها لا تهكم و لا سب :

    دائما تسقطون ما يجري في مصر على الأمة ؟ هذه العقلية سائدة في المصريين عموما و هي عقدة في أنفسهم أضنها كانت و لا تزال سبب كل مأسيهم. قاموا بحراك شعبي و أسقطوا رئيسهم هذا يخصهم كشعب و كدولة مصرية و فقط. و هذه العقدة لا تختصر في العامة منهم بل حتى نخبها في جميع الميادين و هذا منذ عهد عبدالناصر الذي أراد بدوره قيادة الأمة.

    من خولهم و من نصبهم ناطقين باسم الأمة إلا ألسنتهم.

  • ismail

    هذا تجني على شهداء هذه الثورات

  • عبد الحفيظ

    إن إقحام اسم الإخوان بسلبية في أي موضوع ليس من الموضوعية أو العدل الفكري. إذ إن رسالة الكاتب والصحفي أن يساعد في بناء الأمة وليس في قتلها. إن مصر اليوم تحتاج إلى المخلصين من أبناء الأمة في الإعلام في العالم أن يفوتوا الفرصة على المتآمرين والأعداء. فالمواضيع التي تنتقد الأحداث تؤدي إلى شل التفكير واختلال الموازين مما يقوي عوامل إحداث الفوضى. إن تعامل الكتاب والصحفيين مع ما يحدث يمس مصير أمة وليس مصير حزب أو جماعة فقط، فليأخذ كل مسئوليته وليكن صوتاً يدافع عن وحدة الأمة ووحدة الوطن وبناء المستقبل.

  • BOURA

    السبب هي الشعوب التي استكانت في الماضي وتتحرك اليوم سلبيا دون بوصلة

  • بدون اسم

    هذا الدرس قريتو في اليتيمة؟

  • Bilal

    هذه الشعوب صبرت قرابة نصف قرن تحت حكم العائلات الفاسدة وقبلت بالذل والهوان والإستعباد !كان الشخص منهم لا يتجرأ على فتح فمه حتى عند طبيب الأسنان!بل كان يخشى مجرد السعال بصوت مرتفع حتى لا يعتقل بتهمة المساس بأمن الدولة!أما بعد الثورة التي خيبت ظن العلمانيين ومن ورائهم من ذوي الحقد الدفين على المروؤة والدين فقد إنقلب بعض هؤلاء المضطهدين إلى أسود شرسين ! فسبحان مقلب القلوب خالق الجن والإنس أجمعين! في أقل من عام يريدون أن ينزل عليهم المن والسلوى ويتنعمون بالمال والبنين! وحل مشاكل ومفاسد تراكمت لسنين!

  • ishak

    الثورة معناها مقاومة الاحتلال الاجنبى والانتصار عليه وليس مايتدوله البعض عن قيام ثورات ضد السلطة فى مصر اوتونس وكدا ليبيا.
    وتبقى الثورة الحقيقية هى النهوض بلاقتصاد الوطنى فى جميع المجالات و كدا انسجام تام بين السلطة و المواطن لخدمة الوطن .
    وهى للاسف مفقودة فى الوطن العربى .
    واعتقد ان الامر يزداد تعقيدا الى غاية قيام الساعة .