الرأي

إنّه الظلمُ بعينه

محمد سليم قلالة
  • 796
  • 0

عندما قَبِلت المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها مشروع الوسطاء منذ أكثر من شهر لِوقف إطلاق النار وتبادُل الأسرى، لم تصدر من القيادة الأمريكية أو من القادة الأوروبيين أيُّ دعوة لحث الكيان الصهيوني على الرد بالمثل ووضع حد للحرب الظالمة على الأبرياء أصحاب الأرض الفلسطينيين، رغم أن المقترحات كانت من وسطاء كانوا على اتصال بالطرفين..

ورغم أن الكيان كان على علم بالمقترحات وكذلك الأمريكان والدول الغربية. جميعا تعمَّدوا ألا تبدو المقاومة في نظر الرأي العام العالمي قابلة للحلول التفاوضية، يريدونها أن تبقى دائما ضمن قالب التطرف الذي عادة ما يُلصِقونه بحركات التحرر، حتى يجدوا المبرر لمواصلة إبادة الشعب الفلسطيني والقضاء عليه، وهي الغاية غير المعلَنة من كل هذا العدوان على إخواننا في فلسطين.. وإلا كيف نفسر اليوم تكرار القيادة الأمريكية وكافة وسائل الإعلام الغربية التي لم تعد “حرة” في هذا الصراع أنها بانتظار قَبول موافقة المقاومة على المقترحات الأمريكية الصهيونية الجديدة وكأنها هي مَن ترفض وقف إطلاق النار! وكأنها هي التي تُصر على عدم إيجاد حل تفاوضي! وكأنها هي التي تملك أسلحة الإبادة الشاملة التي يُزَوَّد بها يوميا جيشُ الاحتلال؟! أيُّ ظلم هذا على أعلى مستوى؟ وأي تلاعب بالرأي العام العالمي هذا؟ يريدون أن يبدو المظلوم وكأنه يطلب مزيدا من الظلم ومزيدا من التقتيل والتدمير لِنفسه، وأن يبدو الظالمُ في موقف المضطر إلى ظلمه بسبب تعنت المظلوم ورفضه الحلول التفاوضية، بل وأن يبدو من حق الظالم القيام بظلمه مادام المظلوم لا يرغب في وقف الدفاع عن نفسه ولا في القبول بالحلول المقترحة عليه للاستسلام التام.

هي ذي اللعبة العالمية الظالمة تجاه الشعوب المستضعَفَة، منذ مرحلة ما قبل الاستعمار التقليدي إلى اليوم.. وسَتستمر بهذا الشكل إلى أن تتبدل موازين القوى ذات يوم بإذن الله…

لقد صَوَّروا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الشعوب المستعمَرة وكأنها في حاجة إلى الاستعمار، شعوب متوحِّشة همجية تعيش في أدغال إفريقيا أو آسيا تنتظر الملاذ الآمن للاحتلال الأوروبي. وصَوَّروا كل مقاومة شعبية ومُنَظَّمة في تلك الفترة بالهمجية والحيوانية والإرهابية منذ منتصف القرن العشرين، وأن من حقهم تخليص البشرية منها ولو بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية وجميع أشكال التعذيب والقهر، وهو ما حدث بالفعل في أكثر من بلد إفريقي وآسيوي. (الأوصاف ذاتها التي تُطلق اليوم على الفلسطينيين باعتبارهم وحوشا بشرية وتجري إبادتهم على هذا الأساس)… يكفي أن نذكر مستعمرات قديمة كالجزائر والكونغو وكينيا والصومال في إفريقيا، والفيتنام وأفغانستان والعراق وسورية وفلسطين في آسيا، بل يمكننا أن نضيف إلى هؤلاء ما حدث قبل الموجة الاستعمارية الغربية الحديثة في كل من شمال أمريكا إذ كانت الصفات ذاتها تُطلق على الهنود الحمر “الأباش كانت تساوي المتوحش رغم أنها اسم قبيلة”، وفي استراليا، حيث تم التعامل مع السكان الأصليين “الأبوريجين” بأسلوب الإبادة الجماعية ذاته للهنود الحمر…

الصورة نفسها تتكرر اليوم بصيغة تكاد تكون مشابهة تماما، ذلك أن المستعمِر الغربي مازال مسكونا بالأحكام ذاتها عن غيره، مازال يتحرك ضمن النظرة نفسها عن غير الغربي القائمة على العنصرية والاستعلاء والاستكبار والتفوُّق العنصري.

لا يوجد تفسير لتصرف الرئيس الأمريكي “جو بايدن” اليوم، ولا لرؤساء دول مجموعة الست + الاتحاد الأوروبي سوى هذه الخلفية التاريخية الحضارية التي شَكَّلت لنفسها عنوانا واحدا هو مؤازرة الصهيونية العالمية القائمة بدورها في جميع أنحاء العالم، لأجل الإبقاء على تفوُّق الغرب على باقي الشعوب.. ذلك أن المسألة بالنسبة لهم في آخر المطاف هي أنهم ينبغي أن يبقوا سادة العالم والبقية عبيدا تحت الذل، والويل كل الويل لمن رفع سلاح التحدي في وجوههم مثلما تفعل المقاومة اليوم في فلسطين..

هذا هو جوهرُ الصراع والباقي مجرد خداع بصري وأسماء لِأساليب سيطرة من نوع آخر أَعْتى وأَمَرّ من موجة الصراع الأولى عنوانها هذه المرة: الظلم بعينه.

مقالات ذات صلة