-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إمبراطوريّة الإجرام وصورتها الكيان وصَمَمُ المطبّعين (الجزء الأول)

بقلم: فريد حاجي
  • 517
  • 0
إمبراطوريّة الإجرام وصورتها الكيان وصَمَمُ المطبّعين (الجزء الأول)

كثيرا ما نقرأ استطلاعاتٍ تتعلّق بالدول الأكثر فسادا، ورشوة، والأقوى عسكريّا، ومقروئيّة، وسعادة، ورفقا بالحيوان..الخ. لكن لم أسمع -في حدود معلوماتي- باستطلاع يخصّ الدوّل الأكثر إجراما، وصناعة للكذب.

باعتقادنا، فإنّ عمليّة السابع من أكتوبر وما تلاها، كانت بمثابة استطلاع بيّن ماهية أمريكا، خصوصا للشباب الذي لا يكترث بالتاريخ أصلا –مع استثناءات طبعا- فقدّم الصّورة الحقيقية لأمريكا والكيان معا، وليس الصّورة الزّائفة التي تسوّقها عن نفسها، حتى غدا الشبابُ يعرف عن أمريكا فقط بأنّها القوّة العظمى عالميًّا، والدولة الديمقراطية، والمتقدّمة ودولة القانون، وحريّة التعبير. والمنافحة عن حقوق الإنسان…

لقد ذكّرت العمليّة باستطلاعها وعلى المباشر بالسجلّ الدموي لأمريكا على امتداد تاريخها، إذ ما تمارسه أمريكا اليوم من بشاعة في فلسطين عبر نسختها الكيان الصهيوني ليس بالجديد، فهو سلوكٌ أقامت على أساسه دولتها. إنّها الدولة التي قال عنها “نعوم تشومسكي” :”… هي أعظم دولة مارقة في الكون، وهي دولة شرّيرة والأكثر احتقارا للقوانين ولكلّ النواميس والأديان والقيم الإنسانيّة، وهي مصدرُ الشرّ والتوتّر والحروب، وهي من تُساوم وتعتدي وتمارس كلّ أشكال القهر والكذب”.

هذه التوصيفات شاهدها العالم من خلال ردود أفعالها على عمليّة طوفان الأقصى، وهو سلوكٌ تفتخر به، منذ نشأتها، ويشي بذلك قول “وليام برادفورد” (1590-1657م) حاكم مستعمَرة بليتموث (1620-1657): “… إنّ نشر الأوبئة بين الهنود عملٌ يُدخل السّرور والبهجة على قلب الله، ويُفرحه أن تزور هؤلاء الهنود وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت، وهكذا يموت 950 هندي من كلّ ألف، وينتن بعضُهم فوق الأرض من دون أن يجد من يدفنه، على المؤمنين أن يشكروا الله على فضله هذا ونعمته”.

ويتجلّى ذلك أيضا في أمر الرئيس الثالث لأمريكا، “توماس جيفرسون” (1743-1826م) والملقّب بـ”رسول الحريّة” الأمريكيّة وكاتب وثيقة استقلالها، لوزير دفاعه بأن يواجه الهنود بالبلطة (الفأس العريضة) وأن لا يضع هذه البلطة حتى يفنيهم، فقال له: “نعم إنّهم قد يقتلون أفرادا منّا، ولكنّنا سنفنيهم ونمحو آثارهم من الأرض”.

 بدوره، قال أحدُ أطبّائها العام 1855م: “… إنّ إبادة الهنود الحمر، هو الحلُّ الضّروري للحيلولة دون تلوّث العرق الأبيض، وأنّ اصطيادهم اصطياد الوحوش في الغابات مَهَمّةٌ أخلاقيّة لازمة لكي يبقى الإنسان الأبيض فعلا على صورة الله”.

ومع تأسيس الجيش الأمريكي في 14/06/1775م أصبح سلوك السّلخ والتّمثيل بالجثث –كما يحدث اليوم في غزّة- تقليدا مؤسّساتيّا رسميّا؛ ففي حفل استعراض عسكري أمام “وليام هاريسون” الرئيس التاسع لأمريكا لمدّة شهر فقط (1841) استعرضوا التمثيل بالجثث، كما كان الرئيس السابع “أندرو جاكسون” (1829-1837م) من عشّاق التمثيل بالجثث.

وحين تعافت أمريكا من جراح الحرب الأهلية،  أصبح لديها ميولٌ إمبرياليّة أواخر القرن 19م، وهو ما عبّر عنه قائدُها للبحرية الأميرال “ستيفن لوس” (1827-1917م): “… إنّ أميركا يجب أن تتحوّل، منذ الآن، إلى دولة حرب.” وقد حمل لواءَ التوسّع الإمبريالي السيناتور “ألبرت بيفريدج”، إذ خطب في الكونغرس العام 1900م، قائلاً: “… عليكم أن تتذكّروا ما فعله آباؤُنا، علينا أن ننشر الحرية في كلّ مكان، ونحمل بركاتها إلى الجميع. وعلينا أن نقول لأعداء التوسّع الأميركي إنّ الحرية تليق فقط بالشعوب التي تستطيع حكم نفسها، أما تلك التي لا تستطيع، فإنّ واجبنا المقدّس أمام الله يدعونا لقيادتها. إنّ النموذج الأميركي هو أنموذجُ الحقّ مع الشّرف، ونحن لا نستطيع أن نتهرّب من مسؤوليّة وضعتها على عاتقنا العناية الإلهية لنشر الحرية والحضارة. لذلك، إنّ العَلَم الأميركي يجب أن يكون رمزا لكلّ الجنس البشري”.

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تدّخر أمريكا جهدا للسّعي وراء الهيمنة العالمية والاحتفاظ بها. وقد سخَّرت تفوّقها العسكري والاقتصادي والتكنولوجي لشنّ الحروب، فجاءت حرب فيتنام (1965-1975م) لتكشف قبح الطويّة الأمريكية؛ إذ كانت ترمي ملايين الأطنان من القنابل الكيميائية المسمّاة “قنابل العامل البرتقالي”، ولم تكتف بقتل مئات الآلاف من البشر، بل إنها قتلت كلّ أشكال الطبيعة في العديد من المناطق الفيتنامية، وأكّد “هيوه مانكه” العام 1971م أمام الكونغرس الأمريكي العزم على إبادة فيتناميي الجبل، إذ قال: “إنّنا سنحلّ مشكلتهم كما فعلنا مع الهنود”، وقال الجنرال “ماكسويل تايلور” (1901-1987م) واصفا الفييتكونغ أمام الكونغرس: “… إنّ الفيتناميّين ليسوا أفضل من قملٍ يغزو جلد الكلب”.

وكان أكبر برنامج للقتل الجماعي المنظّم عملية “العنقاء” في قرية (ماي لاي) بتاريخ 16/03/1968م، حيث تمّ قتل 347 عجوزا وامرأة وطفلا رضيعا، كما تمّ حرق البيوت والأكواخ، وهنّأ الجنرال “وستمولند” بهذا “الإنجاز” و”العمل الممتاز”، مقتديا في ذلك بالقائد الأميركي العام الجنرال فرانكلين الذي قال: “… لا تُبقوا على الأسرى، ولا أريد سجلّات مكتوبة”.

لقد وصف “تشومسكي” أساليب أمريكا الوحشيّة بالقول: “… لم تكن الأساليب طبيعيّة جدّا، فلم يكن عمل القوّات التي حركّناها في نيكاراغوا أو عمل وكلائنا الإرهابيّين في السلفادور أو غواتيمالا هو القتل العادي، ولكن كان بصفة رئيسة القسوة والتعذيب السادي: تعليق النساء من أقدامهنّ بعد قطع أثدائهنّ وفضّ بكارتهنّ، وقطع رؤوس الناس وتعليقها على خوازيق، ورطم الأطفال بالحوائط. وبين سنوات 1952م- 1973م ذبحت أمريكا زهاء 10 مليون صيني وكوري وفيتنامي ولاووسي وكمبودي”.

قال “وليام برادفورد” (1590-1657م) حاكم مستعمَرة بليتموث (1620-1657): “… إنّ نشر الأوبئة بين الهنود عملٌ يُدخل السّرور والبهجة على قلب الله، ويُفرحه أن تزور هؤلاء الهنود وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت، وهكذا يموت 950 هندي من كلّ ألف، وينتن بعضُهم فوق الأرض من دون أن يجد من يدفنه، على المؤمنين أن يشكروا الله على فضله هذا ونعمته”.

كذلك، لا ننسى كم من جرائم فضيعة اقترفتها أمريكا في عالمنا العربي والإسلامي، مثل قتل المسلمين داخل سجن القلعة الأفغاني. وفي العراق، حيث قدّر معهد واتسون في جامعة براون الأميركية أنّ أميركا تسبّبت في قتل مباشر لـ929 ألف امرأة ورجل وطفل، ناهيك عن جريمة ملجأ العامرية، كذلك الشأن في سوريا واليمن، ناهيك عن جرائمها في زنازين أبو غريب وغوانتنامو. وباختصار، فأينما سار الجيشُ الأمريكي، سار الموت في ركابه.

وللتذكير، فقد اجتاحت أمريكا أكثر من 40 دولة وقصفتها، من منطلق حقّ التضحيّة بالآخر، وعقدة التفوّق العرقي والثقافي، وتقمّص الدّور الخلاصي للعالم، ومن ثمّ القدرة على التوسّع اللّانهائي في كلّ اتّجاهاته، فأصبحت ثوابت راسخة تعمل على ترجمتها إلى واقع عملي في علاقتها بالآخر، معتبرة التضحيّة بهذا الأخير حقّا وتفويضا اختصّها به الرب، هذه اليهودية الجديدة -بثوابتها الاستعمارية الدمويّة- تكشف مناخ العنف والدّم الذي رافق رحلتها على مدى 247 عاما من الإبادات الجماعية. وهيّ تدّعي، أنّ الله “اصطفى” الأمّة الأمريكيّة من بين كل الأمم والشّعوب، وفضّلها عليهم وجعلها شعبه المختار، وذلك من أجل قيادة العالم وتخليصه من شروره” مثلما عبّر عن ذلك “ألبرت بيفردج”.

 إنّ أمريكا، لا ترى بأنّ الكيان الصهيوني أُختُلق بالكذب أصلا، وعلى تزوير الحقائق التاريخية، لكنّها تسوّق بأنّه تعرّض للظلم، وتتجاوز ظلمَها وجريمتها في حقّ الهنود الحمر وتنسى شعب فلسطين الذي تضرب جذوره في الأرض والتاريخ. وتتناسى أنّ اليهود تمّ اضطهادهم في الغرب وليس في البلاد العربية، ومادامت أمريكا، هي رقم واحد في صناعة الكذب، نجدها تصدّر عبر إعلامها فكرة “إسرائيل” المظلومة من طرف المقاومة الفلسطينيّة التي قامت بعمل “وحشيّ” ينبغي الردّ عليه بكلّ قوّة، وحصر إعلامها المشهد في يوم 7 أكتوبر وتجاهلت 75 عاما من القتل والتنكيل ضدّ الفلسطينيّين.

لقد صرّح المكلّف بالمفاوضات الدولية””جيسون جرينبلات” والذي لا تختلف مواقفه عن مواقف رئيسه “ترامب” قائلا: “… أعتقد أنّ إسرائيل هي في الواقع ضحيّة أكثر من كونها مسؤولة عن النزاع؛ فمنذ تأسيسها، تعرّضت للهجوم عدّة مرّات، وما زالت تتعرّض للهجوم من قبل الإرهاب” وهو بذلك يمارس الإعلام الأسود الذي يصنع الكذب.

ويكفي الاستشهادُ بما جاء في كتاب “جيمي باترسون” تحت عنوان “يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة” الصادر العام 1994م، وترجمه إلى العربية “محمود بن سعيد البشر” إذ يقول: “… يوجد في أمريكا80  مليون دجّال ومنافق”.

وفي دراسته لعيّنةٍ من الشعب الأمريكي، خلُص إلى أنّ” 91% ممّن شملتهم الدراسة قالوا إنّ الكذب أصبح عادة وسلوكا مألوفا في حياتهم اليومية، و20% اعترفوا أنّهم ليس في استطاعتهم الصّبرُ عن الكذب ولو ليوم واحد، و75% يعتقدون أنّه لا حرج في الكذب. وفي موضع آخر يضيف قائلا: “… أمريكا تضمّ مجتمعاً أكثر جشعا ودناءة وأنانيّة وعدم اهتمام… وأنّ المجتمع الأمريكي من أكثر المجتمعات عنفا وقسوة على وجه الأرض”.

.. يُتبع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!