الرأي

إساءة‭ ‬للثورة‭!‬

قادة بن عمار
  • 3956
  • 4

مندوب سوريا في الأمم المتحدة، رجل مستفز من الطراز الرفيع، حيث يُشعر الجالسين أمامه، وهم يستمعون لتقاريره إزاء الوضع المتوتر في بلاده المتفجرة، أنه قادم من سويسرا أو السويد، وليس من بلدٍ يقتل النظام فيه أزيد من مائة شخص يوميا، أو حتى لا نزعم أن النظام وحده من‭ ‬يقتل،‭ ‬فلا‭ ‬ريب‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الاستبدادي‭ ‬لا‭ ‬يوفر‭ ‬الحماية‭ ‬لمائة‭ ‬شخص‭ ‬يموتون‭ ‬يوميا‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬جهات‭ ‬ما،‭ ‬لا‭ ‬نراها‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬ولا‭ ‬نسمع‭ ‬بها‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬قناتي‭ ‬الدنيا‭ ‬والتلفزيون‭ ‬السوري‭ ‬الرسمي؟‭!‬

 

هذا المندوب قال في أحد تقاريره أنه مستاء من العرب، وهو السوري الذي تربى على النشيد الوطني الجزائري وثورة المليون شهيد عندما كان صغيرا، فتعلم حب الجزائر قبل سوريا، وحفِظ قسما قبل نشيد بلاده، علما أن هذا الموقف قاله منتقدا الجزائر قبل أن تتراجع هذه الأخيرة عن موقفها وترفض الاستعانة بقوة أجنبية على الأرض.. لكن، على من يكذب هذا المندوب، ولماذا لم يتحرك أي مسؤول جزائري ليقول له أغلق فمك، ولا تستعمل اسم الثورة الجزائرية على لسانك الملوث بالكذب والنفاق دفاعا عن الأسد وشبيحته؟ لماذا ثار الجميع حين شاهدوا علم الجزائر‭ ‬يحرقه‭ ‬بعض‭ ‬الحثالة‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬من‭ ‬المحسوبين‭ ‬على‭ ‬الثورة،‭ ‬ولم‭ ‬تتحرك‭ ‬شعرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬هؤلاء‭ ‬عندما‭ ‬استعمل‭ ‬مندوب‭ ‬سوريا‭ ‬اسم‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭ ‬العظيمة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬عروبة‭ ‬نظام‭ ‬قاتل؟‭!‬

 

حمدا لله أن واحدة من بنات الشاعر الكبير نزار قباني تحركت لتتبرأ من استعمال قصيدة الشاعر الكبير ضمن الديباجة التي قدمها المسؤول السوري ذاته في الأمم المتحدة، وهو يعلم جيدا أن الأسد مثل غيره من الطغاة، كان يقصدهم نزار حين وصفهم أكثر من مرة بقتلة الياسمين؟ ألم يرهن هذا الدكتاتور البلاد والعباد والتراث والثروات والأنهار والأشجار والثمار والذكور والإناث والأمواج والبحار على طاولة القمار؟ ألم يقل نزار، أنه في كل عشرين سنة، يأتي إلينا رجل معقّد يحمل في جيوبه أصابع الألغام؟!

ولكن نزار أخطأ، حيث لم يعد الطغاة والمستبدون يكتفون بعشرين عاما فحسب، بل باتوا من أصحاب العقود الثلاثة والأربعة، وأحيانا يسرقون منا العمر كله، لولا البوعزيزي رحمه الله، وثورة الياسمين في تونس. وإن كان هنالك ميزة واحدة لهذا الربيع العربي المبارك، فيكفي أنه أجهض‭ ‬مشروع‭ ‬التوريث‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بلد،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬واليمن،‭ ‬وتونس،‭ ‬وليبيا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬تعلمت‭ ‬من‭ ‬الثورات‭ ‬درسا‭ ‬واحدا،‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬لا‭ ‬تموت‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬ظهرت‭ ‬جامدة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأوقات‭.

 

مقالات ذات صلة