الرأي

أيّها “الشيوخ”.. تخلّوا عن رواتبكم!

قادة بن عمار
  • 11445
  • 15

أعضاء مجلس الأمة اقترحوا على الجزائريين تقليص نصف أجور الإطارات العمومية وكوادر الدولة من أجل صبّها في الخزينة العمومية.. كلامٌ جميل، لولا أن هذه الجرأة التي بات يمتاز بها الجميع هذه الأيام في الدعوة إلى تقليص رواتب المسؤولين، لم يعد يصدّقها المواطنون، بل وصنفوها ضمن “نوادر الحكومة” وحديث المقاهي!

جرأة “نادرة” جاءت بعد قرار الوزراء تقديم 10 بالمائة من رواتبهم إلى الخزينة، كما سمعنا وزيرة التضامن تدعو النساء إلى تطليق رواتبهن شهرا من أجل إعانة الدولة، وسمعنا بعض فعاليات المجتمع المدني تفعل الأمر ذاته، لتتحوّل القصة برمّتها إلى موضة لا طائل من ورائها ولا فائدة اقتصادية مرجوّة منها، طالما أننا نتحدث عن “فُتات” مقابل الضرائب الكثيرة المفروضة على المواطنين في قانون المالية الجديد.

لكن ما يثير التساؤلات فعلا هو أن يأتي مطلب تقليص رواتب المسؤولين من طرف مجلس الأمة، وهو أصلا، يعدّ هيئة تشكّل عبئا على الخزينة العمومية، حيث لا فائدة منها، دستوريا ولا قانونيا ولا حتى سياسيا أو أخلاقيا. وهنا، لا بأس أن نذكّر البعض، أن عددا من السياسيين والفاعلين في المجتمع المدني، حتى أولئك المحسوبين على السلطة والموالاة، اقترحوا ضمن مشاورات الدستور الشهيرة، وفي كل جولاتها، إلغاء مجلس الأمة نهائيا طالما أنّه يغرف من المال العام ولا يقدِّم شيئا مذكورا!

المساعدة الوحيدة التي يمكن أن يقدِّمها “الشيوخ” داخل هذا المجلس، هي حلّه نهائيا ورسميا، والتفكير جدِّيا في كيفية خدمة الدولة بعيدا عن عقلية “حلبها” من المهد إلى اللحد، إذ يقبع تحت قبة الغرفة الثانية للبرلمان، كل الوزراء والمسؤولين المتقاعدين أو حتى أولئك المغضوب عليهم من طرف السلطة، وبعضهم لم تطأ قدماه عتبة المجلس منذ قرار تعيينه من طرف الرئيس، على غرار وزير التربية الأسبق أبو بكر بن بوزيد وغيره كثير!

المجلس تحوّل أيضا إلى عنوان عريض لتبادل الشتائم والاتهامات السياسية الكبيرة، بين حزبي السلطة وليس حتى بين المعارضة والموالاة، وهنا يذكر الجميع كيف أن أحمد أويحيى وصف نواب الأمة الفائزين عن الأفلان بـ”أصحاب الشكارة”، وكيف ردّ عليه الأمين العام السابق عمار سعداني بالثقيل، وغادر منصبه دون أن يتصالح مع مدير ديوان الرئاسة!

وجودُ مجلس الأمة ليس فقط مضرّا باقتصاد البلد، وإنما أيضا بـ”صحة وسلامة” السلطة، حيث لم يقع هنالك تحريضٌ من طرف جهة ما في السلطة ضد جهة أخرى مثلما وقع بسبب انتخابات مجلس الأمة!

نعرف أن الأمر لا يعدُّ سهلا، و”حذف” مجلس الأمة من قائمة المؤسسات في حاجة إلى “إصلاح دستوري” وبالتالي إلى مزيد من صرف الأموال في زمن التقشف، لكن السلطة عوّدتنا على أنها لو أرادت ابتكار حل عاجل فلن تعجز عن الأمر، بل ستجد له خرجة قانونية وفقهية مناسبة، ثم وبعيدا عن حلِّ المجلس، لمَ لا يقْدم أعضاؤه- ومعظمهم من متقاعدي السلطة، المستفيدين من ريعها ماضيا وحاضرا ومستقبلا- على التنازل عن رواتبهم بصورة أبدية ومطلقة؟! ألا يحتاج الأمر إلى جرأة واجتهاد؟ ثم أليس الهدف هو الحفاظ على المال العام؟!

مقالات ذات صلة