-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أول من سقطوا في مظاهرات 11 ديسمبر.. قصص شهداء في عمر الزهور

فاروق كداش
  • 665
  • 0
أول من سقطوا في مظاهرات 11 ديسمبر.. قصص شهداء في عمر الزهور

هتفوا مع الهاتفين، وركضوا مع الراكضين، واخترقوا حواجز المحتلين، وتحدوا بنظراتهم البريئة عيون المظليين، بأجساد هزيلة وأعمار لا تتعدى أصابعهم الصغيرة، حملوا الراية الوطنية بشجاعة الرجال والنساء. قصتهم نرويها لكم من وحي مظاهرات ديسمبر، التي غيرت مجرى الثورة والتاريخ.. هما صليحة وفريد، ومنهم الآلاف الذين لا نعرفهم، ولكن..

لم تكن صليحة واتيكي تتجاوز الثانية عشرة من عمرها،كانت حين خرجت مع الحشود من أبناء حي بلكور العتيق والأحياء المجاورة، تزفهم زغاريد النساء على أسطح البنايات..

بصوتها الطفولي، هتفت صليحة مع الهاتفين: الجزائر جزائرية.. جملة كبيرة، لكنها كانت في ذهن تلك الصغيرة واضحة كشمس حيها الجميل. كانت صليحة تستمد قوتها من قوة الرجال والنساء، الذين يمشون أمامها وخلفها وعلى يمينها وشمالها، فوجدت نفسها تقتحم مع المقتحمين الحاجز الذي وضعته قوات مكافحة الشغب الاستعمارية.

وكأن ما كانت تفعله لم يكن كافيا بالنسبة إليها، فاعتلت ظهر أحد المتظاهرين الذين كانوا يرفعون الراية الوطنية، وحملت بيديها الطاهرتين العلم عاليا، متقدمة الجموع الذين اقتحموا الحي الأوروبي، حي أبيض تسكنه الأقدام السوداء بقلوب أكثر سوادا.

لم تمر لحظات، حتى سمع صوت طلقات نارية آتية من إحدى الشرفات، رصاصات قاتلة ومصوبة نحو جسم صليحة الصغير، الذي كان يحمل راية لا تقهر بالرصاص.

سقطت صليحة شهيدة، قبل أن تعي أنها لبت نداء الأرض والسماء.. والدها بعد أن طال غيابها، خرج بحثا عنها، فعثر عليها مسجاة بقرب أحد الأكشاك، حيث وضعها المتظاهرون، بعد إن اشتد وابل الرصاص عليهم.

**طفل برتبة ثائر

فريد المغراوي، بطل من أبطال إلياذة الجزائر، ولد بحي كلو سالمبي، المدنية حاليا بالجزائر العاصمة.

كان فريد من بين الأطفال الذين شاركوا في مظاهرة الحادي عشر من ديسمبر.

كان ذلك اليوم يوم أحد، يوما خالدا، لأنه شهد بداية مظاهرات عارمة، في مدينة ديار المحصول الواقعة في مرتفعات العاصمة..

سار ألف من المتظاهرين في شوارع المدينة، وهم يهتفون بصوت عال: لا للجزائر الفرنسية.

على الحادية عشرة صباحا، تشكل موكب مهيب من المتظاهرين، لكن سرعان ما احتشد جنود فرنسا من المظليين لصدهم.

ينتزع جندي مظلي العلم الجزائري من أحد المتظاهرين، لكنه لم يكن يدري أن طفلا في العاشرة يدعى فريد سيأخذه منه غصبا، وينطلق به بكل ما أوتي من قوة، رغم جسمه الصغير، ويلوح بالعلم عاليا، فخورا بكونه جزائريا، ربما لم يستوعب عقله الصغير عظم ما يحدث، لكن قلبه خفق حبا لبلاده.

لكن رصاص هذا المظلي الحقير وقف حائلا بينه وبين الحرية، لم تكن طلقة أو طلقتين، بل سيلا من رصاص مباغت.

لفظ الطفل البطل فريد المغراوي أنفاسه الأخيرة، وهو في بداية حياته، لكن اسمه بقي مدويا في ذاكرة الثورة، في ذاكرة من شاهده، وفي ذاكرة ذلك الجندي الأرعن، الذي ربما أدرك بينما كان يزفر زفرته الأخيرة أنه مجرم حرب.

فريد لم يكن حينها الطفل الوحيد الذي اقتنص روحه جنود فرنسا، فمظاهرات ديسمبر شكلت منعطفا حاسما في تاريخ الثورة المجيدة، وعجلت بهزيمة فرنسا، التي ظنت أنها ستخلد وأبناؤها بأقدامهم النجسة، في أرض طاهرة.

لم يتبق لفريد مغراوي إلا جزء من الذاكرة، واسم مكتوب على لافتة متوسطة في الجزائر العاصمة، يحفظه آلاف التلاميذ، الذين درسوا وتخرجوا من صرح تربوي يجهلون ربما أنه يحمل اسم شهيد يصغرهم سنا، ولكنه سقط متمسكا بعلم الجزائر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!