الرأي

أنا مع كوريا الجنوبية !

قادة بن عمار
  • 6551
  • 31

في البداية.. هذا العنوان المستفز لا علاقة له بكرة القدم ولا بالمونديال، على اعتبار أن كوريا الجنوبية ستنافس فريقنا الوطني في البرازيل، لكن له علاقة مباشرة بالإنسان..وما أدراك ما الإنسان!

كل من تابع الأخبار مؤخرا، لاشك أنه وقف على الفاجعة التالية:..عاشت كوريا الجنوبية كابوسا حقيقيا يوم 16 أفريل المنصرم..حين غرقت سفينة ومات أزيد من 300 راكب..معظمهم تلاميذ كانوا في رحلة دراسية !

ولمن لم يتابع..من تداعيات الفاجعة: خرجت رئيسة البلاد شبه منهارة، لتتحدث عن جريمة..تبعها استقالة رئيس الوزراء، وحلّ جهاز خفر السواحل، ثم إقالة مدير المخابرات العامة..(نعم المخابرات) لأن قبطان السفينة وأحد الضباط غادراها قبل التأكد من سلامة كل المسافرين!.. ورغم كل هذه الإجراءات التي قد يراها أمثالنا “مبالغ فيها جدا”، خصوصا أننا تعودنا على استمرار الحكام في مناصبهم، حتى وإن مات نصف الشعب برمته!!.. خرجت الرئيسة مرة ثانية وثالثة وعاشرة،..في كل مرة، كانت تنحني اعتذرا لعدة دقائق أمام الكاميرات والصحفيين، بسبب ما وصفته “الألم الذي سببته حكومتها لعائلات الضحايا”!

في كوريا الجنوبية يعدّ تقديم الاستقالة وربما دخول السجن إلزاميا لكل المسؤولين الذين يتعرضون للنقد حتى لو كانت الحوادث “خطأ فرديا”، أو نتيجة ظاهرة طبيعية، علما أن البلد لم يعرف حوادث غرق كثيرة، بل كانت هنالك مأساة في بداية السبعينيات وأخرى عام 1993 !..

بالعودة إلى الجزائر..لن نعدّد الحوادث التي مات فيها عدد كبير من المواطنين دون أن يسقط مسؤول واحد عن منصبه، أو حتى يحاسب عن جريمته -ولو أخلاقيا أو سياسيا – بينها جرائم بشعة وقعت في عشرية الدم والدمار..بل يستمر عدد كبير من المسؤولين في مناصبهم حتى الآن، فيما تقاعد بعضهم ليمارس حياة طبيعية جدا في قصره داخل وخارج البلاد دون حسيب ولا رقيب أو حتى وخز ضمير..لكننا سنذكر حادثة واحدة..فقط!

الزمان..يوم الأربعاء 21 ماي.. الساعة الثامنة و36 دقيقة صباحا..المكان، حجرة ضيقة للتكوين المهني والتمهين في بلدية الصوامع بالمسيلة.. آمال، منيرة وذهبية، ثلاث فتيات في العقد الثاني من العمر، كنّ يحلمن بأشياء صغيرة..يعشن بطموح حدّت منه الظروف الصعبة، فجعلته لا يتعد اجتياز امتحان الخياطة للحصول على “حرفة” تجنبهن الكثير من متاعب الحياة..لكن في لحظة “قدرية”..قرر سائق شاحنة متهور أن يجنب نفسه حادثا خطيرا خارج القاعة بأن انحرف نحو هذه الأخيرة، فصدم جدارها..انهار..وقتل آمال وذهبية..20 سنة…ومعهما منيرة 24 سنة !!

صحيح أن الحادثة “قضاء وقدر”..و”مكتوب” لا فرار منه..و”اللي مكتوب على الجبين لابد تشوفو العين” تماما كالحادث الذي مات فيه أسامة، سامي، محمد نصيح..ثلاثة تلاميذ أعمارهم بين 12 و14 سنة، قتلتهم شاحنة فقد سائقها السيطرة عليها بينما كانوا متجهين للدراسة بمدينة سكيكدة (صبيحة الـ8 ماي المنصرم)…لكننا..لم نقرأ عن استقالة مسؤول واحد..لا مدير التكوين المهني ولا رئيس البلدية ولا حتى رئيس لجنة الحيّ.. حتى لا نقول الوالي أو الوزير !! بل إن هذا الأخير..تكرّم فزار المكان.. ليقرر معاليه.. من خلف نظارته السوداء الغليظة، وهو يقف على بقية الحجارة وأكوام التراب التي لم تتمكن من إخفاء بقايا الدم..دم آمال ومنيرة وذهبية،..إنشاء مركز جديد للتكوين المهني وإطلاق اسم الضحايا عليه..لا أكثر ولا أقل!

مجرد سؤال: عندما قررت هذه السلطة أن تطلق أسماء الشهداء على الشوارع، والثانويات والجامعات وملاعب كرة القدم..هل أصبحت بذلك سلطة وطنية؟ حتى تعثرون على إجابة..سأظل أنا مع كوريا الجنوبية!

مقالات ذات صلة