جواهر
المجاهدة والفنانة "السيدة ثريّا" تواصل شهاداتها لـ"الشروق" / الجزء الثاني

أم كلثوم وفنانو مصر رفضوا الغناء للجيش الجزائري في خط سيناء

نادية شريف
  • 14737
  • 7
يونس أوبعيش
السيدة ثريّا

في هذه الحلقة تواصل المجاهدة والفنانة ثريّا سرد تفاصيل “التهميش والظلم” الذي تعرضت له في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في ذلك الوقت، وتحكي بمرارة عن استقدام اليهودية “سيمون تامارا” من باريس من أجل أداء أغانيها دون وجه حق، كما عرجت على حقيقة رفض الفنانين المصريين، على رأسهم كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، الذين رفضوا الغناء للجيش الجزائري، الذي كان في قلب معركة المصريين ضد إسرائيل في معبر سيناء، بالإضافة الى حقائق اخرى تطالعونها في الحوار.

* لم أعتزل ولست غائبة عن بلدي ولكنهم حرموني منه

* جريدة “كازا” صنفت حفلتي في المغرب الثالثة بعد حفلة أم كلثوم والسيدة فيروز

 

بماذا نفسّر اختفاءك من المشهد الفني الوطني، هل هو غياب ام تغييب ام اعتزال؟

لا هو غياب ولا هو اعتزال، كان نتيجة للتهميش والاقصاء الذي عشته منذ مطلع الاستقلال، كانت الابواب مفتوحة لي، فكنت أصور في التلفزيون وأسجل في الاذاعة الى غاية سنة  1973، جاءتنا دعوة للغناء في مصر، بعد أن رفض الفنانون المصريون المشاركة في الحفل الذي أقيم احتفالا بذكرى استقلال الجزائر، وعلى رأسهم كوكب الشرق أم كلثوم، فاتخذت السلطات الجزائرية إجراءات تقضي بإرسال فنانين جزائريين لإحياء حفل للجنود الجزائريين المتواجدين على سيناء، للوقوف الى جانب مصر في حربها ضد العدوان الإسرائيلي، وأذكر أن هذا الموقف كان مشرفا للجزائر وادخل الرئيس هواري بومدين التاريخ من بابه الواسع، ذهبنا الى مصر، وعندما وصلنا قاموا بإسكاننا في نزل يسمى المقطم، وكنت رفقة مجموعة من نجوم الفن في بلادنا، أذكر منهم السيدة سلوى، الفنانة نورة، احمد وهبي وجعفر باك، وكان معنا هارون الرشيد ونسيت بعضهم، بالإضافة الى عدد من المسؤولين، أقمنا الدنيا ولم نقعدها، لانهم وضعونا في ذلك المكان “الحقير” إن صح التعبير، وبعدها قصدنا الملحق العسكري للسفارة الجزائرية هناك، واذكر ان اسمه رضوان، وكان سفيرنا في ذلك الوقت، هو جمال حوحو، وقاموا بإسكاننا في فندق “شهرزاد”، صعدنا الى سيناء، والتقينا الكولونيل بن مالك وأصرّ المسؤولون العسكريون الجزائريون على تنشيط الحفل على خط سيناء، وأذكر انهم حضّروا المكان على احسن وجه، وحضر الحفل مسؤولون في الجيش المصري، ولم اتردد في انتقاد المصريين المجاورين لنا في “المقطم”، الفندق الذي اثار حفيظتي وحفيظة كل عناصر الوفد الجزائري، حيث اديت اغنية “وين نباتو”، ولكنني غيرت في كلماتها وقلت “وين نباتو” في المقطم “وذبّناتو”، تعبيرا عن نزل المقطم الذي نزلنا فيه، فقصدني كولونيل في الجيش المصري، ولامني على لما قلت، فأجبته وقلت انتم من بدأ، كيف تضيفوننا في نزل حقير مثل ذلك المكان، وقلت له ليس من المعقول ان نعامل فنانين مصريين في بلادنا بنفس هذه المعاملة، فعدنا الى الجزائر، ومنذ تلك الفترة تغير الامر في المسرح القومي وحتى في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، ولم اعد مطلوبة، وأصبحوا يتحججون بأتفه الاسباب والحجج، حتى لا أسجل، وأنت تعرفين ان الفن هو مصدر عيش الفنان، وبقيت لسنتين بدون عمل، لدرجة أنني أصبحت أخيط وأطرز حتى أصرف على أولادي.

ولكن من كان وراء ما تعرضت له؟

لا أعرف.. وأجهل من يقف وراء ذلك، شطب اسمي من المناسبات المهمة على غرار الاسابيع الثقافية التي تعقد في الخارج، وحدث أن شطب اسمي من القائمة، ورغم ذلك فقد ذهبت الى المغرب، وكانت اول زيارة لي الى هذا البلد، ورغم ذهابي إلا أنهم حرموني من الغناء في الحفلة الرسمية، وأجبروني على البقاء في الفندق، ولحسن حظي أن الفنان عبد الهادي بلخياط والحاجة حمداوية والدوكالي زاروني في الفندق، وقاموا بمرافقتي الى خارج الفندق، وغنيت في اليوم الموالي، وكانت أكثر الحفلات نجاحا، حتى أن جريدة “كازا” صنفتني في المرتبة الثالثة من حيث الحفلات الأكثر نجاحا، حفلة ام كلثوم التي كانت في المركز الاول، والسيدة فيروز التي كانت في المركز الثاني، غنيت المالوف الجزائري بالڤندورة، وحضرها أمراء المغرب، حيث كانت الحفلة جد ناجحة، أذكر أن الجمهور بقي مدة ربع ساعة واقفا يصفق لي، ومنذ تلك الحفلة أصبحوا يفضلون أن أكون أول من تغني، وتنبهت وأنا أغني الى خروج عناصر من الوفد الجزائري عندما صعدت للغناء، ومن يومها أصبحت توجه إلي الدعوات للغناء في المغرب بشكل مستمر، وأذكر أن الوزير طالبي في ذلك الوقت بعث لي برسالة “تيليغرام” في اليوم الموالي ليشكرني، وقال لي “اشكرك على الحفلة التي نجحت فيها”، لكن بعد أن عدت الى الجزائر استمروا في معاملتي بنفس الطريقة فقلت في نفسي “الاستعمار خرج من بلادنا ولكن الاذاعة مازالت مستعمرة”، امتطيت سيارتي رفقة زوجي، وتركت اولادي عند أمي، وذهبت الى تونس، أين عملت لبعض الوقت، حيث سبق وان تعاملت مع  ملحنين وكتاب كلمات تونسيين، فرحوا بي كثيرا، أقمت بعض الوقت هناك، ثم ذهبت الى ليبيا، وبينما كنت جالسة في الاذاعة سمعت أغنية لي بالصدفة، فقلت للسيد الذي كنت اجلس بالقرب منه هذه الاغنية لي، فقال لي لا يا سيدتي هذه الاغنية لمطربة مصرية، فقلت له هذه الاغنية لي وشرحت له أنني غنيتها بمناسبة النكسة التي أصابت مصر، وعندما بحثوا عن الاسطوانة وجدوا غلافها خاليا من أي اسم، لأنها بعثت من الإذاعة الجزائرية في الاصل من غير اسم، وعندها برمجوني على التلفزيون وعلى الاذاعة وأحييت مجموعة من الحفلات في ليبيا، وبعدها اقترح عليّ أحمد حشلاف الذي دعمني منذ بداياتي الفنية، وأحمد الجاموسي أحمد زهار، أداء طابع المالوف، وقالوا لي أنت قسنطينية، ولكنك لم تغن يوما الطابع “القسنطيني”، فقلت لهم انني لا امانع في ذلك، ولكن ماذا سأغني، واقترح علي أن أؤدي اغنية “ما عندي زالة”، وهي أغنية مالوف ممزوجة بطابع الغناء البدوي المعروف بـ”الياياي”، كما سجلت أغاني أخرى، دخلت الى الجزائر بعدها، وسجلت “أوبيرات” بعنوان “الجريح في الصحراء” مع الطاهر بن أحمد والسعيد سايح ومع الدرسوني الذي حفظني وبن تومي وعمي العربي براشي، الزواوي الفرقاني، صالح رحماني ومجيد، وكل الذين كان لهم الفضل في احترافي لطابع المالوف القسنطيني، بعد ان كان أدائي يقتصر على الأغنية الشرقية، ونجحت كثيرا، ولكن بعدها لا أحد يتصل بي ولا يعرض علي لا الغناء ولا العمل.

من وراء هذه الحملة التي استهدفتك؟  

لا أعرف شيء ولم أفهم ما حدث، سجلت نوبتين مع الفنان الكبير محمد الطاهر الفرقاني، وأديت العديد من النوبات معه، ولكن تلك الاسطوانات لم تنزل الى السوق، ليس هذا فحسب بل استقدموا اليهودية “سيمون تامار” من باريس الى قسنطينة وأعطوها الاغاني الخاصة بي، وقامت بتسجيلها في قسنطينة وساعدوها، بينما مسحوا اسمي تماما فيها، ورغم ذلك فأنا لم اعترض على احضار هذه الفنانة التي أعجبت بصوتها، خاصة وأننا الوحيدتان اللتان أديتا أغنية المالوف بنجاح، بالإضافة الى زهور الفرقاني التي كانت في ذلك الوقت تؤدي “لفقيرات”، كنت لا أمرّ إلا بـ”القندورة” القسنطينية، ولكن بقيت اجهل كل ما حدث خلال تلك الفترة، الى غاية سنة 2003، اتصل بي شخص أقدره كثيرا لدى نزولي الى قسنطينة، وأذكر أنني أحييت حفلا بحضور وزيرة الثقافة خليدة كما أحييت 11 حفلة في مختلف انحاء التراب الوطني، وذلك بعد الحفلة التي اديتها لوالي باريس السيد “لا نوي”، حيث اتصل بي السيد كمال حمادي وهو زوج السيدة نورة، قال لي انه يملك هدية لي من اتحاد النساء الجزائريات والسيدة زهور ونيسي وكان هذا سنة 2003، فقلت له بكل سرور، فذهبت لرؤية السيدة نورة التي كانت مريضة في ذلك الوقت، وقدم لي كمال حمادي صكا من اتحاد النساء فقلت له، بلغهم شكري وأسمى معاني تقديري لأنهم لم ينسوني، بالإضافة الى تكريمي من طرف والي قسنطينة وسكيكدة اللذين وقفا الى جنبي في اكثر من مرة في ذلك الوقت. 

قلت أنك صادفتي عوائق كثيرة عندما ذهبت الى مصر، ما طبيعة هذه العوائق ومن هم الاشخاص الذي حاولوا عرقلتك؟

بعد ما عانيته في بلدي الجزائر، ذهبت إلى مصر سنة 1975 رفقة زوجي عن طريق ليبيا، مع السيد الفزاني الذي يوزع حفلات كبار الفنانين، دخلت مصر وشرفت بلدي، وبعدها ارسلني محمد حشلاف الى محاسب شركة “صوت الفن” أحمد عزو وهو محاسب الفنان محمد عبد الوهاب فقابلته، وساعدني بشكل كبير، ووضعني في اتصال مع الملحن المصري الكبير حلمي بكر، وحسين السيد الذي ألف كلمات أغاني محمد عبد الوهاب، وفي نفس الوقت طلبت من السفارة الجزائرية في القاهرة اجراء حفلات في مسرح أم كلثوم بالقاهرة، ونظمنا الحفلة وحضرت الجالية الجزائرية وإطارات السفارة، الحفلة كانت ناجحة جدا رغم العوائق التي صادفتها.

عن اي عوائق تتحدثين؟

قابلت صعوبات كثيرة، سواء من طرف جزائريين أو مصريين وبالنسبة لهم أبقى “غريبة”، عانيت كثيرا في تلك الفترة ولهذا غنيت “ألومو ليه الغريب” من الحان الموسيقار محمد الموجي، غنيت وسجلت العديد من الأغاني، ولكنني لم أتمكن من الاستمرار في هذا النجاح، بعد الافتراق الذي حدث بيني وبين زوجي وطلاقي منه.

مقالات ذات صلة