جواهر
عندما يلغي الجد والجدة دور الأم

أمّهات بدون صلاحيات!

نادية شريف
  • 5901
  • 6
أسلوب الحوار في العائلة هو الأنجع للتربية

بناء وتكوين أسرة هو أهم حلم يكبر مع كل فتاة ويزداد أكثر عندما تتزوج وتستقر حياتها، فتبدأ بالتفكير ككل أنثى في إشباع رغبتها وممارسة حقها في الأمومة مع أول طفل تنجبه، يصبح شغلها الشاغل مع زوجها وأساس أحاديثهما كيفية تربيته وفق ما يريانه مناسبا، لكن تطبيق هذا الأمر كثيرا ما يصطدم بواقع الحياة الصعبة خصوصا مع انعدام مسكن مستقل لدى غالبية الأزواج ومعاناة غالبية الشعب الجزائري من أزمة السكن جعل العديد من الأزواج يسكنون مع أهاليهم، وهنا تكمن مشكلة تربية الأبناء وسط العائلة الكبيرة، حيث يشترك جميع من بالأسرة وخصوصا الأجداد في تربية الأطفال الذين يعتبرون أبناء الابن أبناءهم، وهم امتداد لهم ويحق لهم التدخل في تربيتهم.

 بحسن النية أفسدوا أبنائي

السيدة “نبيلة” أستاذة بالثانوية وتسكن مع أهل زوجها، عبرت لنا عن مدى أسفها لما تعانيه في تربية أبنائها “عندما يكبر الطفل في وسط العائلة الكبيرة فإن كل واحد منهم يتدخل ويبدي رأيه ولو كان بحسن نية في تربية الأبناء”، لذلك ترى أن الاستقلال بالسكن أهم ركائز استقرار الأسرة والأطفال معا، فالتواجد وسط العائلة الكبيرة ينعكس على تربية الأطفال، وتضيف مبدية تذمرها مما تعانيه في تسوية سلوك أبنائها “عندما يكبر الطفل وسط العائلة الكبيرة فإن كل واحد منهم يتدخل حتى بدون قصد في تغيير سلوكيات الأبناء وتوجيههم بحسب رأيه خصوصا الأجداد الذين يعتبرون أمر تدخلهم ضروريا وواجبا، وفي كثير من الأحيان، فإن تدخلهم السلبي يفسد الأبناء ويجعلنا لا نستطيع السيطرة عليهم، ويحصل نوع من التشويش الفكري على أطفالي الذين كثيرا ما لا ينصاعون لما أطلبه منهم ويحتمون بجدهم، فهم يغطّون على كل ما يقومون به من مساوئ، وككل أم كنت أتمنى أن أربي أبنائي بطريقتي الخاصة”، ثم تضيف ساردة بعض الأمثلة التي عاشتها مع أطفالها” في كثير من المرات أمنع ابني على سبيل المثال من أمر ما فأجد جدته أو جده أو أحد أعمامه أو أي أحد من العائلة يلبي طلبه دون اعتبار لرفضي، كما تعلموا الكذب علينا وأصبحوا يستعملون الحيلة مع أجدادهم الذين ينصاعون لكل ما يطلبونه بدافع العاطفة العمياء، وأمام هذا الأمر، أعاني الأمرين بسبب تدخلهم الدائم الذي كثيرا ما يتسبب لي في مشاكل مع عائلة زوجي”.

لأنهم أصبحوا ملكية عامة تخليت عن دوري

نفس الأمر تتحدث عنه السيدة “ليلى” ربة بيت وأم لأربعة أطفال، تعيش في بيت أهل زوجها بسبب ضيق الحال، تقول متنهدة “منذ زواجي وأنا أسكن مع عائلة زوجي ولازلت إلى يومنا هذا، أبنائي كبروا ولم أشعر يوما بأنني من ربيتهم، كنت مجرد والدتهم البيولوجية لا غير، لم أتمكن يوما من التأثير عليهم مباشرة بسبب العيش وسط الأجداد، عانيت ولازلت لليوم أشعر دائما أنهم ليسوا أبنائي أنا فقط، بل هم ملكية عامة يحق لجميع من بالبيت أن يتدخل فيهم، وما زاد الطين بلة أنني بعد 15 سنة لازلت معهم، بتدخلهم حرموني من توجيه سلوك أبنائي وجعلوني لا أسيطر عليهم في أي أمر حتى أنه وصل بهم الأمر إلى أن يتحدوني ورفض طلباتي وأوامري، لأنهم تعودوا على الحماية من طرف أجدادهم”، ونتيجة لكل ما سبق فإن محدثتنا تخلت عن دور الأمومة نهائيا في حياة أبنائها وأصبحت لا تقوم إلا على توفير ما يلزمهم في حياتهم اليومية بعد ما يئست من كل محاولاتها “كرهت دور الأمومة غير الفعالة”.

وفي نفس السياق، تحدثنا السيدة “شهيرة” أم لولدين تعيش هي الأخرى في البيت العائلي، تتحدث عن معاناتها مع ابنيها “لا أخفي على الجميع أنني أم لا تمارس حقا دورها الفعلي، فالتربية ليست توفير الأكل والشرب فقط للأبناء، بل تقويم لسلوكهم وغرس لمبادئ أخلاقية فيهم منذ الصغر، كل تلك الأمور اختفت من حياتي التي لم أكن أتخيلها أنها ستصبح هكذا، صار أولادي لا يستمعون لكلامي ويستعملون الحيلة في تعاملهم رغم صغر سنهم، حيث أنهم دائما يحتمون بجديهم لتحقيق طلباتهم خصوصا عندما شاهدوا قلة حيلتي مع حماتي المتسلطة التي تعمل دائما على كسر كلمتي والتقليل من قيمتي أمام الجميع خصوصا ولداي حتى تولد لديهما شعور بعدم الانصياع لي ولأوامري وشعروا بضعفي، حتى أن ابني الأكبر لا يستجيب لي في أي شيء، حتى في دراسته دائما يهرب مني باكيا شاكيا حاله لجدته ويحتمي بها، ونتيجة لكل ذلك كرهت حياتي في ظل انعدام أي دور لي في حياة ابني”.

ممكن استعادة الدور

من جهة أخرى، قد يحالف الحظ بعضهن ويتمكن من استعادة دورهن في حياة أبنائهن بعد ما يبتسم لهن القدر ويرزقن بمسكن خاص مثلما هو حال السيدة “نبيلة” التي استقلت عن بيت العائلة بعد 7 سنوات عاشتها معهم، تقول “الحياة وسط العائلة حقيقة تكون جحيما لكل زوجين لا يشعران أبدا باستقلاليتهما و لا يمكن لأي امرأة توجيه أبنائها وقد عشت هذه المرحلة مع ابني الأكبر، لكن الحمد لله لم ينشأ عندهم، حيث استقليت بمسكني الخاص عندما بلغ ابني 4 سنوات واستطعت بعد ما ابتعدنا عنهم من السيطرة عليه وعلى سلوكياته”.

الأخصائية النفسائية “سميرة فكراش”:

تحاوروا مع الأجداد والأبناء وتعاونوا معهم ولا تقفوا ضدهم 

وللإحاطة أكثر بهذا الموضوع الحساس في حياة العديد من الأسر، اتصلنا بالأخصائية النفسانية “سميرة فكراش” التي تحدثت عن سلبيات مثل هذه التدخلات في نشأة الأطفال “أن تدخل الأجداد والأعمام في تربية وتوجيه سلوكيات الأطفال يتسبب في ضياعهم، فالأجداد يتعاملون مع أحفادهم بأسلوب التدليل الزائد الذي يفسد طباعهم، وأن جميع رغباتهم مستجابة، كما أنهم قد يوحون للوالدين بأنهما ليس جديرين بالمسؤولية وأنهم غير قادرين على تربيتهم”، وأضافت محدثتنا “أن الأطفال هم غاية في الذكاء، يدركون جيدا كيف يلعبون على أكثر من جهة وهذا ما يتسبب للكثير من الأزواج في مشاكل بين الأم وعائلة الزوج وحتى الزوجين، حيث تكثر المشاكل بينهما، لأن الزوجة تطلب من زوجها التدخل لوقف تدخل الجدين في حياة أبنائهما، كما أن الطفل دائما يحب جديه، لأنه معهما يشعر بمساحة أكبر من الحرية، ودائما يستجيبان لرغباته وطلباته الممنوعة”، ولذلك تنصح الأخصائية أي عائلة تعاني من هذا المشكل أن يضعا حدودا لكل شيء “على الوالدين أن يتعاملا بحزم مع أبنائهم وأن يشعروهم بجدية كلامهم في إلقاء أوامرهم، وينصح بعدم إظهار هذا التعارض بين الأجداد والأبناء أمام الأطفال حتى لا يستغلوا الفرصة، وأن يفتحوا باب الحوار مع الأجداد، وإن كان الباب مسدودا وكانوا ممن يحبون التحكم، فهنا على الوالدين فتح الحوار مع أبنائهم حتى لو كانوا في سن صغيرة، فالطفل يفهم ما يقال له والتعامل معه على أنه كبير وإخباره فوائد ومضار أي شيء يطلبونه”، كما أن هذا الاختلاف بين الأجداد ولأبناء في تربية الأطفال ليس له حل نهائي، لكن يمكن التفاهم فيما بينهم ليتعاونوا على تربيتهم وفق رؤية الوالدين مع أخذ النصائح من الأجداد في كيفية التعامل وإشراكهم من حين لآخر في التربية.

 

* نقلا عن مجلة الشروق العربي

مقالات ذات صلة