الجزائر
"الشروق" رافقت حرقتهن في متابعة مستجدات القصف الصهيوني

أمهات جزائريات بقلوب ممزقة على أبنائهن في غزة!

وهيبة. س
  • 1454
  • 0
أرشيف

في الوقت الذي تعيش فيه العائلات الجزائرية، حالة من التوتر والحزن، تأثرا بما يحدث من مجازر رهيبة، في حق الأطفال والنساء والعزل في غزة، وسقوط ألاف الشهداء تحت القصف العشوائي، هناك عائلات تعيش الأمرين، باحتراق كبدها على أبناءها الذين يعيشون هناك مع إخوانهم الفلسطينيين.
وإلى جانب الحب الكبير الذي يحمله الجزائريون تجاه سكان غزة، وتقاسم المعاناة وجدانيا معهم، ومساندتهم بالمسيرات والمساعدات الإنسانية، وتألمهم الشديد من الحالة التي يعيشها القطاع تحت قصف عشوائي يجعل من السكان يتوقعون الموت في أي لحظة، فإن تواجد جالية جزائرية ولو قليلة في غزة، يجعل من أهلهم هنا في الجزائر يعيشون لحظات عسيرة، لا تفارق خيالاتهم وعقولهم هذا القصف العشوائي، منتظرين وهم على الجمر سماع خبر استشهاد أحد أفراد عائلاتهم المتواجدين هناك.
واقتربت “الشروق” من بعض الجزائريين الذين يعيشون مأساة أخرى إلى جانب مأساة التأثر الشديد بما يحدث للغزاويين، وهي الحيرة والقلق على بنات لهم متزوجات هنا، ولديهن أطفال، فرغم مرارة الفراق، والمدة الطويلة التي لم يجتمعوا فيها بفلذات أكبادهم، فهم اليوم يصارعون القلق والهواجس، في انتظار اللحظة التي يصل فيها خبر استشهادهن، رفقة أبنائهن تحت القصف الإسرائيلي.

أمهات لا يعرفن النوم!
ومن بين الأمهات الجزائريات اللواتي لا يعرفن النوم منذ بدء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، خالتي نصيرة زايدي التي تجاوزت الستين سنة، فهي تقضي يومياتها تتابع كل صغيرة وكبيرة حول تطورات الوضع في غزة، وقلبها وعقلها مسافر إلى منطقة المغازي، أين تعيش ابنتها التي تزوجت مع فلسطيني ولها أبناء أحدهم طبيب في الأقصى.
وقالت السيدة نصيرة لـ”الشروق”، إن النوم يأتيها متقطعا، وأسرة ابنتها وأحفادها، لا تفارق تفكيرها، مؤكدة الاتصال بفلذة كبدها، يكون من حين إلى آخر، عبر الإنترنت أو الهاتف، وتشعر وهي تتحدث إلى ابنتها بأن لها أجنحة قد عجزت عن الطيران نحو قطاع غزة، إلى درجة أن كل الحياة حولها باتت توترا وقلقا، وانتظار مؤلم للمجهول..

“كنت في غزة أياما قبل بداية طوفان الأقصى”
وأكدت محدثتنا أنها كانت في غزة عند ابنتها قبل بدأ القصف الصهيوني بأيام فقط، أي قبل 7 أكتوبر، لكن أولادها في الجزائر، طلبوا منها العودة لظرف ما، فغيرت تاريخ تذكرة المجيء التي كانت من المفروض نهاية ذات الشهر، ولكن تقول: “أبنائي يرون أن مجيئي قبل بدء الحرب كان لصالحي ولحسن حظي، لكنني أن أرى عكس ذلك.. تمنيت لو بقيت مع ابنتي وفي حال استشهادها أكون معها أو استشهد معها”.
ومن جهتها، قالت ابنة السيد نصيرة، المتواجدة معها هنا في الجزائر، زهور دمارجي، إن شقيقتها تحدث معهم مؤخرا، وكان صوتها أجش، ومنهك، وحزنها طاغ، حيث يبدوا أن القصف العشوائي بمثابة موت بطيء لسكان غزة قبل أن يصيبهم بشظاياه!

القصف في غزة والخوف في الجزائر
وتحدثت زهور على شقيقتها، وكأن قصف الصهاينة يحوم فوق بيتهم هم أيضا في الجزائر، موضحة أن اليوم الذي انقطعت فيه الانترنت والكهرباء، لم يستطيعوا الاتصال بشقيقتهم في غزة لمدة 48ساعة، عاشوها رفقة والدتهم وكأنهم في جحيم.
وأكدت أن شقيقتها لم تأت للجزائر منذ 5 سنوات، وهي متزوجة بفلسطيني، ولديها أطفال وبنات يدرسن في الجامعة، حيث أخبرتهم أن كل شيء توقف إلا الموت الذي بقي يهددهم من حين إلى آخر، وآثار القصف تحيط بهم.
ولا تقل مأساة الأم نصيرة زايدي، عن والدة شيراز عاشور، التي تحدث إلى “الشروق”، وعبرت عن ما تعيشه هذه الأم من حيرة وقلق، على ابنتها حفيظة المتزوجة بفلسطيني وتقطن في قطاع غزة، وبالضبط في خان يونس، والتي لديها أربعة أبناء.
قالت شيراز، إن والدتها الخمسينية، تخاصمت مع النوم ولم تعد تغمض لها عين، لا ليلا ولا نهارا، فصورة قصف بيت ابنتها حفيظة بخان يونس في أي لحظة، تجعلها ترتعد كلما اقتربت الصورة من مخيلتها وتستولي على كل حواسها.
وأكدت شيراز، أن شقيقتها اتصلت بهم قبل يومين، عبر “الماسنجر”، وعبرت عن حالتها وحال منطقتها في بضع كلمات، حيث أخبرتهم أن يهود يضغطون عليهم، ويهددونهم بالقصف العشوائي، من خلال مناشير تسقط عليهم مثل الجراد من حين إلى آخر، يطلبون منهم الكشف عن مخابئ كتائب القسام، سرايا القدس.
وأوضحت شقيقة حفيظة، أن والدتها مريضة وتتخبط في عذاب، خاصة أن ابنتها تعيش منذ 2019 في قطاع غزة ولم تأت إلى الجزائر منذ ذلك التاريخ، وهي الآن حامل وتتعذب تحت تهديدات القصف العشوائي.
وقالت شيراز بأنها كانت تعيش هناك مع شقيقتها وكل العائلة، وخلال الحرب على غزة سنة 2014، تكفلت السلطات الجزائرية بنقلهم، بأمر من الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، ولكن عاد الوالد إلى ابنته حفيظة بعد ذلك وتوفي وفاة طبيعية ودفن هناك.

للفلسطينيين في الجزائر عذاب أكبر
ومهما كانت المأساة التي حلت ببعض العائلات الجزائرية، جراء تواجد أحد أفرادها أو بعضهم في قطاع غزة خلال الحرب الهمجية الصهيونية على المنطقة، فإنها لا تضاهي ذلك العذاب الذي يذوقه يوميا، فلسطينيون يتواجدون خارج بلدهم، ومن بينهم جالية تعيش هنا في الجزائر، يعانون في صمت ويتابعون أحداث غزة، وقلوبهم مذبوحة من القهر والعجز عن فعل شيء ينقذ أهاليهم من الموت بالقنابل، أو بالجوع والعطش.
وعبر علاء الشبلي ممثل جبهة النضال الشعبي الفلسطيني في الجزائر، عن حالة الموت البطيء الذي يعيشه فلسطينيون لديهم عائلات وأهل وأقارب في قطاع غزة، قائلا “إن ما يعذبنا، ويكبل حواسنا، ويزيد مرارة يومياتنا، هو انقطاع التواصل مع ذوينا هناك في غزة، وتعطيل شبكات التواصل الاجتماعي من حين إلى آخر، فلا نكتفي إلا بتلك الصور عبر الفضائيات، ويختلط علينا الأمر وكأننا في دوامة لا تتوقف”.
وأكد أنه لا ينام هو وزوجته وأبناء في الجزائر إلا ثلاث أو أربع ساعات فقط كل ليلة، لأن أخبار شقيقته وأقاربه وأفراد من عائلته، أوضاعهم خطيرة، ومجهولة، فقد كانت آخر المعلومات حول شقيقته أن اثنين من أبنائها اختفوا في ظروف غامضة، وأعمارهما تتراوح بين 14 سنة و18 سنة، ناهيك عن عمارة من عدة طوابق قريبة من الحي الذي تقطن فيه شقيقته، قصفت، وعائلات بأكملها لا يزال مصيرها مجهولا.
وقال: “آلام نفسية نعيشها نحن الجالية الفلسطينية في الجزائر، بعيدا عن أهلنا في قطاع غزة، فالعذاب النفسي لا يوصف، كيف يهدأ لنا بال نأكل ونشرب، وأبناء غزة يشتاقون لقطرة ماء وقطعة خبز!”.

الجوع يزيد الأوضاع سوءا
وأشار إلى أن الوضع الذي يزيد سوء في قطاع غزة، جعل السكان مهددين أيضا بالموت جوعا وعطشا، وإن كل المناطق والأحياء والجهات هناك، لم تعد تسلم من القصف العشوائي، الأمر الذي يزيد عذابهم وهم بعيدين عن ارض الوطن، لأنهم لا يتقسمون المعاناة مع أبناء وطنهم في نفس المكان.
وتأسف لسياسة الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، والذي يقابله خذلان عربي وإسلامي، فلم يعد عذاب الفلسطينيين، عذاب موت الأهل والأقارب، بل بحسبه، المأساة نفسية وجسدية، يتقاسمها البعيدون عن ساحة الحرب مع من هم تحت القصف الصهيوني.

مقالات ذات صلة