جواهر
فيما تبقى الرقابة الغائب الأكبر

أمراض ومنومات.. ترهيب وتجويع يطال الأطفال في دور الحضانة

نادية شريف
  • 8437
  • 13
ح.م
الحضانة ليست البديل المثالي لحضن الأم

تحوّلت دور الحضانة في الآونة الأخيرة إلى مجال استثمار تجاري بحت أكثر منه مجال استثمار تربوي اجتماعي، فراحت تفرض أسعارا باهظة جدا لا تعكس نوعية الخدمات المقدمة وبما لا يضمن نموا بدنيا وفكريا ووجدانيا متوازنا للطفل.

رغم تعدد المناهج من إسلامية وفرنكوفونية ومعتدلة، إلاّ أنها تكاد جميعا تكون قد أدخلت الطفل في دوامة من المتناقضات وجعلت منه سلعة تتداول في سوق من يعرض أقل الأسعار.

لا أحد ينكر أن دور الحضانة تعود بالنفع الكثير على الأطفال والأولياء وأنها باتت أكثر من ضرورة في الوقت الحالي، سواء بالنسبة للأمهات العاملات أو الماكثات بالبيت، بيد أنها قد تصبح عكس ذلك تماما عندما يقتحم المعادلة متغيرات القدرة المالية للعائلات والربح السريع لدور الحضانة، سيما إن علمنا أن معدل ما تفرضه من تكاليف يناهز 5 آلاف دج، وترتفع في بعض الأحيان بالنسبة لمن يقدمون خدمات “ممتازة” إلى حدود 10 آلاف دج للشهر الواحد، وإذا ما كان للعائلة أكثر من طفل فلنتصور الميزانية الشهرية التي يستوجب عليها رصدها لهذا الغرض.
وفي زحمة البحث عن تسيير أمثل لميزانية الأسرة وتفادي الديون، يضطر البعض إلى تقبّل بعض التنازلات تكون في أحيان كثيرة على حساب نوعية الخدمات المقدمة، مثل النظافة في الأكل والمرقد ونوعية الوجبات المقدمة وحتى نوعية المؤطرين والمربين الذين قد يغرسون في الطفل قيما مغايرة تماما لما تلقنه الأسرة، الأسعار هذه قد تصل إلى 3 آلاف دج كأدنى حد وهو ما تطبقه بعض رياض الأطفال ودور الحضانة العمومية أو التابعة لهيئات معينة يجده الكثيرون أنسب الحلول لهم مقارنة مع الأجر الزهيد الذي يتقاضونه والذي لا يسد حاجياتهم، وهو ما يكون في الأصل سببا في خروج بعض النساء للعمل مساعدة منهن لأزواجهن.
تجاوزات لاإنسانية بحق الأطفال
الأطفال وفي جميع مراحلهم العمرية ليسوا في مأمن من الأخطار التي تعصف بهم، غير أنّ الحرص والمراقبة الشديدة التي توليها الأم لصغيرها حين تكون قربه تجعله يتجنب الكارثة.
هذه المراقبة والعناية الفائقة بحسب شهادات حيّة لأمهات عايشن التجربة لا يحظى بها الطفل في بعض دور الحضانة.

وتروي بعض من التقيناهن، أن تجاربهن كانت سلبية للغاية نتيجة ما تعرض له أبناؤهن من معاملة سيئة، وهي الحقيقة ذاتها التي أكدها لنا أطفال صغار حيث اشتكوا من بعض الممارسات التي يرتكبها إزاءهم المربّون والتي تتعدى في بعض الأحيان حدود المسموح به لتشكل فيما بعد عقدا تلازمهم إلى سن متقدمة، فعندما لا تقوى المربية على السيطرة على حركة الأطفال وشقاوتهم فإنها عادة ما تلجأ إلى تعنيفهم وضربهم وتهديدهم بعدم إخبار أوليائهم بالأمر، ناهيك عما يلحق بهم من كسور وجروح أثناء لعبهم وتنططهم هنا وهناك.
وحسب ما استقيناه من بعض الأولياء، فإن أولادهم تعرضوا إلى تجويع وإهمال ظهرت آثاره السلبية عليهم عندما أخضعوا إلى فحوصات طبية، ناهيك عن بعض الأمراض الجلدية والالتهابات الناتجة عن إهمال النظافة، سيما بالمراحيض، وغسل الأيدي قبل تناول الوجبات.

ويشير بعضهم إلى إصابة أبنائهم بالقمل نتيجة الاختلاط في مواضع النوم التي تخصص في كل يوم لطفل جديد بما يجعل احتمال نقل العدوى مرتفعا جدا.

وتضيف سيدة أخرى، وهي تذرف الدموع ندما على ما اقترفته في حق طفلها بتفضيلها العمل على رعايته بنفسها، أن المربية التي كانت تشرف على قسم ابنها كانت تقدم لهم منوما بشكل منتظم لترتاح من بكائهم وإزعاجهم ولم أتفطن للأمر، تقول المتحدثة ذاتها، إلا صدفة عندما زلّ لسان طفلي أمام إحدى قريباتي التي لم يتوقف ابنها عن البكاء وحينها نصحها ابني قائلا: “لِمَ لا تعطيه شرابا مثل الذي تطعيه لنا طاطا فلانة في الروضة؟“.
طفلة أخرى كانت تبدي بحسب والدتها خوفا شديدا حين الذهاب إلى النوم وتصرخ رافضة الذهاب إلى فراشها، ولما حاولت الوالدة معرفة السبب اكتشفت أن المربية في الروضة ترهبهم بنزع أعينهم منهم بالمقص إن لم يغمضوها… والأمثلة الأخرى المشابهة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
وحتى في بعض دور الحضانة ذات التوجه الإسلامي، فإن بعض الأطفال عند عودتهم إلى البيت لاحظ أولياؤهم أنهم باتوا شديدي البكاء على أتفه الأخطاء التي يرتكبونها خوفا من عقاب الله ومن الذهاب إلى النار أو الموت إن هم خالفوا ما أمرنا به الله.

والمثير في الأمر، أن الطفل لايزال في سنّ مبكرة جدا لا تجعله يفهم أو يفرق بين الأمور الدنيوية والأخروية. وبشأن هذه النقطة، تؤكد إحدى الوالدات المتديّنات أنها اهتدت إلى حل يجنبها الخوف الذي يلازم ابنها على نفس طريقة الروضة وهي أن يطلب الطفل السماح من الله فور ندمه على الخطإ الذي ارتكبه والله سيغفره له إن هو لم يعاود الأمر.
أما دور الحضانة المفرنسة فيعيب عليها البعض ما تلقنه الأطفال من انفتاح وميع بين الأطفال إناثا وذكورا وتسميم أفكارهم ببعض القيم الدخيلة على مجتمعنا.
الطبيب يزور الأطفال كل سنة مرّة
الواقع الذي لاحظناه أثناء تنقلنا إلى العديد من دور الحضانة وأثناء حديثنا إلى الكثير من الآباء عن تجاربهم الخاصة، أكد لنا أن ما يفوق 60 بالمئة منها لا تتوفر فيها المقاييس الصحية الأمنية والترفيهية والتربوية المطلوبة فعادة ما تكون هذه الحضانات في فيلات تفتقر إلى مساحات خضراء وعادة ما يشترط مسيروها جلب بعض المستلزمات الخاصة بالطفل كالغطاء والكرسي الخاص بالرضع وحتى المنديل الذي يمسح به الطفل عقب الانتهاء من تناول وجباته.
ونادرة جدا هي دور الحضانة التي تقدم فحوصات طبية دورية بانتظام تراعي خلالها الصحة البدنية للطفل، فدور الحضانة حين تسألها عن الجانب الطبي، تؤكد تكفلها به، غير أن الواقع لا يبيّن صحة ذلك. فالأولياء في أحسن الأحوال يؤكدون أن أبناءهم يعرضون على الطبيب مرة واحدة في السنة وهي الحقيقة ذاتها التي أكدها بعض المربون في دور حضانة تابعة للدولة، غير أن الصحة النفسية تعنى بأهمية أكثر لدى هذه الأخيرة حيث يزور المختص النفساني الأطفال مرتين في الأسبوع تقريبا، ويؤكد بعض المسيرين أنهم يتكفلون بنقل الأطفال في الحالات المستعجلة والخطيرة إلى أقرب مستشفى منهم وذلك بعد الاتصال بأوليائهم.
المربيات مهمة مضنية والأجر على الله
تؤكد بعض المربيات اللواتي استطلعنا مواقفهن بشأن التوفيق في رعاية الأطفال أن هذه المهمة صعبة جدّا وتتطلب الكثير من الصبر. ولم تخف بعضهن أنها في بعض الأحيان »تجرم« في حق بعض الرضع حينما يحين موعد أكلهم ولا تستطيع التوفيق في ذلك دفعة واحدة، ما يجعلها تتداول الوجبة من رضيع لآخر لتصبيره، وتضيف، أن أصعب فئة في دور الحضانة هي فئة الرضع لأن الفئات الأخرى كبيرة تستطيع الاعتماد على نفسها نوعا ما، وما يتقاضينه من أجر يصفه الجميع بالزهيد والمهين فهو في أحسن الأحوال لا يتعدى حدود 12 ألف دج بالنسبة للقطاعات العمومية أمّا لدى الخواص فهو يتراوح بين 8 آلاف و10 آلاف دج.
المرسوم التنفيذي رقم 08 – 287… في انتظار التفعيل
شتّان بين ما ينص عليه المرسوم التنفيذي وآليات الرقابة التي تسخرها الجهات المعنية التي تكاد تنعدم تماما فالهوة بينهما بالغة، ويحدد المرسوم التنفيذي رقم 08 – 287 المؤرخ في 17 سبتمبر 2008 شروط إنشاء مؤسسات ومراكز استقبال الطفولة الصغيرة وتنظيمها وسيرها ومراقبتها وكذا طاقة استيعاب مؤسسات الاستقبال بما لا يتعدى 200 مقعد ولا يمكن أن تفوق طاقة استيعاب مراكز الاستقبال العائلي 150 مقعد، كما يجب أن تتوفر على محلات مهيأة تسهل تطبيق مشروع المؤسسة وتسمح باستقبال الأولياء وآداء المستخدمين والأولياء لمهامهم في ظروف مرضية من الأمن والوقاية الصحية والرفاهية، بالإضافة إلى فضاء لنشاطات تنمية الأطفال وقاعة للاجتماعات. ويتعين على مؤسسات استقبال الطفولة الصغيرة وكذا المساعدات الحاضنات في المنزل، ضمان وجبات غذائية صحية ومتوازنة للأطفال المستقبلين وكذا عقد تأمين طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما لتغطية مسؤوليتهما المدنية، كما يجب أن تتوفر تلك المؤسسات على نظام داخلي.
ويفصّل القانون في مؤسسات استقبال الطفولة الصغيرة ويوجزها في أنواع عديدة، منها دار الحضانة وهي التي تستقبل خلال النهار وبصفة منتظمة الأطفال البالغين 3 أشهر إلى 3 سنوات وتضمن لهم المراقبة الصحية ونشاطات التنمية، روضة الأطفال وتستقبل بصفة منتظمة الأطفال البالغين 3 سنوات وما فوق غير المتمدرسين لإعطائهم الاهتمام الكافي الذي يقتضيه سنّهم وضمان تنميتهم الحركية والنفسية بالتمارين والألعاب.
وفي مجال المراقبة يوكل المرسوم هذه المهمة لمصالح الوزارة المكلفة بالتضامن الوطني، بحيث يجب أن تنصب على تطبيق المشروع الاجتماعي التربوي وبرامج النشاطات المنجزة واحترام مقاييس الصحة المعمول بها بما في ذلك توازن الوجبات ويتعين على المراقبين تدوين المخالفات والتقصيرات المعاينة وتبليغ نسخة منها إلى الوزارة وغيرها في أجل لا يتعدى 15 يوما، بالإضافة إلى توجيه إعذرا في أجل شهر وفي حال عدم امتثالها للاعذار تتعرض المؤسسة لعقوبات إدارية على غرار الغلق لمدة ثلاثة أشهر وتوقيف ممارسة النشاط لمدة 6 أشهر أو سحب الترخيص.

مقالات ذات صلة