الرأي

أمراض التسيير وكثرة التبذير

ياسين معلومي
  • 651
  • 0

تعيش الكرة الجزائرية منذ سنوات حالة من الفوضى وعدم الاستقرار على كل المستويات، والسبب -حسب المتتبعين- هو الأزمات المالية الخانقة التي تتخبط فيها معظمُ الأندية ماعدا القليل منها من تمكنوا من الحصول على شركات وطنية تمكّنهم من العيش في بحبوحة مالية ويستطيعون جلب أحسن اللاعبين والمدرِّبين ويقيمون في أحسن الفنادق ويلبسون ماركات رياضيات كبيرة ويتلقى لاعبوهم أموالا كبيرة تصل إلى 400 مليون شهريا.

عندما تجد فريقا مثل الوفاق الرياضي السطايفي الذي تأسس سنة 1958، ونال عديد الألقاب المحلية والجهوية والقارية، وكان له شرف التتويج بكأس رابطة الأبطال الإفريقية سنة 2014 في نسختها الجديدة، وشارك في كأس العالم للأندية.. وكان وراء تدعيم مختلف المنتخبات الوطنية، عندما تجده يعيش وضعية مزرية تكاد تعصف به إلى الأقسام السفلى، مثلما حدث لبعض الفرق على غرار وفاق القل وترجي قالمة ومولودية سعيدة والقائمة طويلة… فقد أصبح النسر الأسود يتخبط في مشاكل لا تُعد ولا تحصى، حتى إن مدرِّبه المصري حسام البدري يقول: “لا أدري كيف أن ناديا وصل إلى نصف نهائي رابطة الأبطال الإفريقية لا يملك حتى الأموال لدفع رواتب اللاعبين؟!”. مسيرو الفريق عجزوا عن إيجاد حل للأزمة التي يتخبط فيها النادي الذي شرّف الجزائر في عديد المناسبات، في وقت نجد فيه أندية أخرى لا تملك لا نتائج ولا تاريخ الوفاق يتحصلون سنويا على مئات المليارات تُصرف من دون حسيب ولا رقيب، فهل يعقل أن يمضي مدرِّبٌ أجنبي تسيره شركة وطنية على عقد مع فريق جزائري ويفسخه بعد 48 ساعة ويلجأ إلى “الفيفا” ويتحصل على تعويض قدره سبعة ملايير سنتيم؟ وهل يُعقل أيضا أن يقيل فريقٌ آخر تسيره أيضا شركة وطنية مدربها الأجنبي بعد مرور ثلاث جولات فقط وتمنح له تعويضا حتى ولو كان بسيطا؟ وفريق آخر له نفس خصوصيات الناديين السابقين (شركة وطنية) يختار أحسن لاعبي البطولة الوطنية ويمنحهم أموالا كبيرة بحجة لعب الأدوار الأولى في المنافسة القارية.

والطامّة الكبرى أننا لم نسمع أبدا أن وزارة الشباب والرياضة، أو بدرجة أقلّ الاتحاد الجزائري لكرة القدم، عيّن لجنة لمحاسبة المتخاذلين والذين يبذّرون هذه الأموال؛ فعندما نجد رئيس فريق أو رابطة لا يزال في مكانه لمدة فاقت الثلاثين سنة ولم يقدم شيئا لكرة القدم الجزائرية، والأكثر من هذا يطمح للبقاء سنوات أخرى، علينا أن ندق ناقوس الخطر ونعود إلى القانون الذي سنّه يوما وزير الشباب والرياضة الأسبق يحيى قيدوم رحمه الله حين طلب من كل المسيِّرين عدم الترشح إلا لعهدتين فقط، لأنه كان يدرك أن أي مسؤول رياضي لا يستطيع أن يقدم شيئا بعد بقائه في منصبه أكثر من عهدتين متتاليتين.

الذي نعيشه اليوم هو أن الرياضة الجزائرية عموما وكرة القدم خصوصا في حاجة إلى”استراحة محارب” لإعادة النظر في عديد الأمور، فهل يعقل أن تُمنح لبعض الأندية شركات وطنية وتُضخّ في حسابات أنديتها الملايير سنويا، وفرق أخرى لا تملك سنتيما واحدا، ونطلب منها التباري ومواجهة الفرق الغنية؟ لا أدري لماذا لا نفكر يوما في العودة إلى الإصلاح الرياضي الذي كانت قد طبقته الدولة الجزائرية سنة 1976، حين حرصت على دمج كل الفرق تحت غطاء الشركات الوطنية، فنمنح لكل شركة ناديا رياضيا تقوم بتسييره وفق المعايير القانونية وليس تعيين كل من هب ودب ليصرف هذه الأموال وفق أهوائه؟

عندما نرى ما يحدث في الرياضة الجزائرية المقبلة على المشاركة في عديد الاستحقاقات المهمة وخاصة الألعاب الأولمبية بباريس سنة 2024 وكأس العالم 2026 ومسابقات قارية وإقليمية أخرى، علينا مراجعة أنفسنا اليوم وقبل فوات الأوان أملا في انطلاقة جديدة وصحيحة.

مقالات ذات صلة