-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ألا يمكن أن نفرح من دون معاصٍ؟!

سلطان بركاني
  • 188
  • 0
ألا يمكن أن نفرح من دون معاصٍ؟!

من أكثر ما يحمل على الأسى لواقعنا في هذا الزّمان، أنّنا –إلا من عصم الله- نكاد نجزم بلسان الحال أنّه لا فرح ولا سعادة إلا بالمرور على طريق المعصية! وكأنّ دائرة المباحات على سعتها وشمولها لا تكفي لإسعادنا في أفراحنا ومناسباتنا وجلساتنا وخرجاتنا.. إذا نزلنا إلى الشّواطئ، سوّلت لنا أنفسنا التعرّي وكشف العورات وإضاعة الصّلوات، وإذا أحيينا السهرات في أعراسنا استدعينا لها الأغاني الهابطة والفرق المستهترة، وإذا أردنا التعبير عن فرحنا بنجاح أبنائنا لجأنا من دون تفكير أو تردّد إلى الصّخب والتبذير!

كيف استطاع الشيطان أن يُقنعنا بأنّ الفرح بالنعمة والاستمتاع بالحياة لا يمكن أن يحصلا إلا بمقارفة المعصية؟! فماذا لو كانت ألبستنا على الشواطئ ساترة لما أمر الله بستره؛ هل كان ذلك سينقص من استمتاعنا بالبحر؟! ماذا لو كانت حفلات أعراسنا تُحيَا بالأناشيد النظيفة العفيفة، بعيدا عن أغاني العربدة والأصوات الصاخبة التي تصم الآذان؛ هل كان ذلك سينقص من فرحنا؟! ماذا لو كان فرحنا بنجاح أبنائنا خاليا من الأغاني والصخب؛ هل كان ذلك ليدلّ على قلّة اهتمامنا بأبنائنا؟!

السّبب الرئيس وراء هذا التوجّه الذي أصبح يصبغ حياة كثير من المسلمين، هو تعاملهم مع طاعة الله على أنّها تكاليف مرهقة لا أثر ولا طعم لها في الحياة، وربّما يراها البعض من أسباب انقطاع الفرح والسّعادة؛ فالوقت الذي تأخذه هذه الطاعات هو وقت مستقطع من وقت الدّنيا الذي نرجوه وقتا نجد فيه المتعة واللذّة والنّشوة، وهذا الثلاثي هو السّعادة! وبناءً على ذلك فإنّ التقيّد بـ”الحلال والحرام” في مناسبات الفرح يستدعي دخول الدّين إلى حيّز الدّنيا، ما يؤدّي إلى فقدان المتعة!

لقد أصبحنا نقول بلسان الحال أنّ الدّين لا ينبغي أن يتدخّل في المناسبات والأفراح وأوقات الرّاحة والاستجمام، وحتى لو كانت ألسنتنا لا تعترف بهذا الشّعور الذي يخامرنا، إلا أنّ تصرّفاتنا وفلتات ألسنتنا تنطق بذلك.. فلو أنّ صاحب عرس –مثلا- أحيا حفلة عرسه بأغاني الحانات والأصوات الصّاخبة، وجاءه من ينكر عليه، لقال: وما دخل الحلال والحرام في هذا؟ هذا عرس وليس جنازة يا أخي! وكأنّه يريد أن يقول: الحلال والحرام مكانها الجنائز وليس الأعراس! وربّما يتساءل قائلا: وهل وجدتني أحرق المساجد؟! وكأنّ الحرام لا دخل له في الاحتفال بالعرس أو النّجاح، إنّما يكون الحديث عنه في حال العدوان المباشر على الدّين!

وهكذا لو ذهبت تنكر على شابّ يلبس تبانا قصيرا يكاد يكشف عن سوأته على شاطئ البحر، فإنّك إن قلت له إنّ كشف الفخذ حرام، قال لك: يا أخي أنا على شاطئ البحر، فهل تريدني أن ألبس بدلة مثلا؟! لسان حاله يكاد ينطق: الحرام ليس مكانه شاطئ البحر! أمّا إن أتيته من باب الأخلاق والذّوق وأنّ هناك عائلات ينبغي أن يحترمها، فإنّه سيجابهك بقوله: أنا حرّ في لباسي ما دمت لم أعتد على أحد!

الحقيقة التي ينبغي أن نتنبّه لها ونقرع أنفسنا بها، أنّ قصر الدّين على جوانبَ من الحياة دون أخرى، ومحاولة عزله عن بعض شؤون حياتنا التي نريد لها أن تحكم بمبدأ “ما يفعله النّاس”؛ هذا مسلك خطير، قد يؤدّي بصاحبه إلى حبط عمله بل إلى التحلّل من الدّين والمروق منه، يقول الله –تعالى-: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ))، ويقول –سبحانه- منكرا على من يرضون بحكم الله في بعض الأمور ويرفضونه في أخرى: ((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون)).

تديّن المسلم لا يقاس في الأحوال العادية التي لا يجد فيها تعارضا بين شرع الله وهوى نفسه، أو تضادا بين الحلال والحرام من جهة وبين واقعه من جهة أخرى، إنّما يقاس عندما يكون هواه وواقع الناس في جهة وشرع الله في الجهة أخرى، هنا يكون الامتحان، ومعه يكون الميزان: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)).. التديّن الصّحيح يظهر في وقتين مهمّين: في وقت الفرح، وفي وقت المصيبة.. والعبد المؤمن حقا هو من يلزم شرع الله وحدوده في وقت الفرح كما في وقت المصيبة، بينما العبد المنسلخ من آيات الله يجزع ويتسخّط عند المصيبة، ويتمرّد ويبتر عند الفرح.. إذا ابتلي بفقد عزيز تسمعه يعاتب ربّه ويعترض عليه، وإذا كان على موعد مع عرس أو نجاح رأيته يستهين بالمحرّمات ويُعرض بوجهه عن النّاصحين، بل ربّما يتمنّى ألا يرى ناصحا يقترب منه حتّى لا يفسد عليه متعته: ((لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!