-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تفرد مستشفى عين تموشنت بالتخصص وطنيا يعرضه إلى الضغط

أطفال “السكوليوز”.. آمال كبيرة في الشفاء يرهنه نقص الإمكانات

زهيرة قلعي
  • 556
  • 0
أطفال “السكوليوز”.. آمال كبيرة في الشفاء يرهنه نقص الإمكانات
أرشيف

يعاني مرضى اعوجاج العمود الفقري أو ما يعرف بـ”السكوليوز” المقدر عددهم بأكثر من 20 ألف مريض عبر التراب الوطني حسب الجمعية الوطنية “أمل” في صمت، وهم ينتظرون سنوات ليحين دورهم من أجل الحصول على موعد يخضعون فيه لعمليات جراحية تعيد لهم أمل الحياة بدون الانحناء وتقوس الظهر، خاصة شريحة المراهقين الذين إذا بلغوا 16 سنة تزداد صعوبة تحركهم، والمضاعفات الصحية الناجمة عن ضغط القفص الصدري وضيق التنفس، وما إلى ذلك من مضاعفات وآلام يعيشها هؤلاء المرضى من هذه الشريحة، التي يصبح صعبا إجراء عمليات جراحية لهم خلال هذا السن.
هذا المرض يتمثل في تشوهات في العمود الفقري للأطفال، ليتطور مع فترة نموهم وأحيانا يكون ناجما عن تطور المشكل الناجم عن الشلل الدماغي لدى الأطفال الذي يصيب العمود الفقري بمنطقة الحوض، ومع تطوره يمتدّ إلى أعلى العمود الفقري ويتسبب في “السكوليوز”، حيث يتشوه العمود الفقري ويلتف إلى الانحناء ويضغط على القفص الصدري للمريض وجميع الأعضاء الأخرى، ما يتسبب في أمراض مستعصية أخرى تصيب المصاب، كمشكل التنفس، وأمراض القلب وأمراض أخرى كصعوبة الحركة، وتعقيدات أخرى تسبب آلاما كبيرة للمرضى الصغار، ومعاناة نفسية لكل من المرضى وأوليائهم الذين يكابدون معاناة يومية مع أطفالهم سواء بالمنازل أو خلال تنقلهم إلى مختلف المؤسسات الاستشفائية لإجراء التحاليل والأشعة والفحوصات الطبية، وما إلى ذلك من معاناة تتطلب مبالغ مالية كبيرة ومستمرة من أجل التكفل بهم.

سنوات من الانتظار لإجراء العملية
إحدى الأمهات من حمام بوحجر بولاية عين تموشنت، فتحت قلبها للشروق لتحكي معاناتها اليومية مع ابنها البالغ من العمر 9 سنوات، المصاب بهذا المرض والمقعد على كرسي متحرك، حيث تقول “… الحمد لله أولا، أنا موظفة وأعيش يوميات أقل ما يقال عنها جد صعبة بسبب مرض طفلي الذي ولد بهذه الحالة، بسبب نقص في الأوكسجين في المخ أثناء ولادته، كما أخبرني الأطباء، فمند ذاك الحين وأنا أعيش للتكفل به، أقوم بحمله حتى وهو في هذا السن، عندما كان صغيرا كنت أتحمل، لكن اليوم وهو يكبر لم أعد أقوى على حمله كما في السابق، إذا لم أقم بإطعامه لا يمكنه الأكل ولا حتى الكلام، حروفه الوحيدة هي (ماما)… مع نموه المستمر يزيد ظهره في التقوس والإنحناء، يصرخ من شدة الألم على مدار اليوم، لا يمكنه النوم عاديا ولا أي حركة عادية… مشكلتنا كأولياء لهذه الشريحة، زيادة على هذه اليوميات الصعبة، هو غياب جهازي السكانير والاييارام (التصوير بالرنين المغناطيسي)، وباقي التحاليل الدورية التي تتطلب أموالا ومصروفا كبيرا ومستمرا، نرجو أن نجد آذانا صاغية من قبل الجهات الوصية ومساعدتنا في هذا الأمر.
كما يوجد مشكل أهم، وهو الانتظار لسنوات من أجل الحصول على موعد لإجراء العمليات الجراحية هنا بمستشفى عين تيموشنت، لكثرة المرضى من جهة، وغياب المعدات من جهة أخرى، ومشكل يتمثل في كون موعد الأشعة يكون أحيانا بعيدا عن موعد الجراحة، ما يجعلنا ننتظر، ويقل الأمل لدينا مع الانتظار، لأن الطفل كلما ازداد نموه انخفضت نسبة نجاح العملية لديه، كما أنه لا يوجد مستشفى متخصص في هذا النوع من الجراحات المعقدة عبر التراب الوطني، ما عدا مستشفى عين تموشنت الذي حباه الله بجراحين أكفاء وممتازين يشهد لهم حتى خارج الوطن”.

العلاج بالخارج يكلف 600 مليون سنتيم
نفس اليوميات وأحيانا أكثر كما أخبرتنا أم أخرى تسكن ببني صاف، التقتها الشروق بمستشفى الدكتور بن زرجب، وهي تحمل طفلها البالغ من العمر 8 سنوات، “… لم يرزقني الله بالذرية بعد سنوات من زواجي، قررنا أنا وزوجي أن نتبنى طفلا يتيما، تحقق حلمنا كانت فرحتنا لا توصف بطفلنا الصغير، لكن مع مرور الأشهر ظهرت عليه بعض الأعراض ومشاكل صحية، لتبدأ المعاناة مع مرور السنوات، طفلي مصاب بالشلل الدماغي، وبداية اعوجاج عموده الفقري بالجهة العلوية بسبب استمرار تطور حالته، لا أملك سيارة لأتنقل إلى مستشفى بن زرجب بعين تيموشنت التي تبعد عن بني صاف بأكثر من 35 كلم، كما أنني موظفة، وبسبب كثرة غياباتي عن عملي، أعاني مشاكل يومية سواء مع الإدارة أو حتى مع زميلاتي وزملائي في العمل… لا يمكنني التخلي عن وظيفتي، لأن أجري أخصصه لتكاليف التكفل الصحي بطفلي، فحتى أجر زوجي لا يكفي…”، تضيف والدموع تنهمر على خديها بمرارة لا يمكن وصفها، “ظروفنا الاجتماعية صعبة جدا، مثل كل الأولياء ممن لديهم أطفال مصابون بالشلل الدماغي والسكوليوز… هناك أولياء يأتون من مختلف ولايات الوطن وظروفهم الاجتماعية صعبة جدا، لكنهم يتنقلون إلى غاية مستشفى بن زرجب بعين تيموشنت الذي يعد أملهم الوحيد هنا بأرض الوطن… من منا يملك أكثر من 600 مليون سنتيم كتكاليف عمليات جراحية خارج الوطن، ولا تكون ناجحة في غالبية الأحيان… لكن خبرة أطباء عين تيموشنت ذاع صيتها لكثرة نجاح عمليات جد دقيقة ومعقدة، يشهد لها حتى بفرنسا وتركيا.. لكن يبقى المشكل في قلة الإمكانات المادية التي تعيق هذه العلميات وتجعلها تطول لسنوات، لتطول معها معاناتنا.. نرجو أن يتم التكفل بنا من قبل السلطات والاهتمام بهذا التخصص بعين تيموشنت، من خلال توفير ما يلزم للقيام بالعمليات الجراحية التي ينتظرها مرضى 58 ولاية من الوطن…”.

جراحون يتحولون إلى حدادين
يوميات وظروف صعبة لهؤلاء المرضى، الوافدين من جميع ولايات الوطن إلى المؤسسة الاستشفائية الدكتور بن زرجب بعين تيموشنت، متشبثين ببصيص أمل في تحسن حالات أطفالهم، وحلم مشاهدتهم يتحركون ويمشون كباقي الأطفال العاديين، أمل زاد بعد تعرفهم على جراحي هذه المؤسسة الاستشفائية، بعد أن فقدوا الأمل سابقا بباقي المستشفيات لقلة الخبرات في هذا التخصص الذي أصبحت تنفرد وتتميز به المؤسسة الاستشفائية الدكتور بن زرجب بفريق جراحيها، الذي يتخصص في المجال منذ عام 2016، حيث لم تكن الوحدة تحوي أكثر من 8 أسرة فقط، وهذا في غياب طاولة جراحة خاصة لإجراء مثل هذه العمليات الدقيقة، والتي تكلف أموالا طائلة.
هذا الفريق من الجراحين قام حينها بنزع المئزر الأبيض للجراحين ولبس مئزر الحداد، وصناعة طاولة جراحة مماثلة لتلك المستعملة لإجراء هذه العمليات الجراحية في المشافي المتخصصة، ليحظى بعدها جناح السكوليوز بذات المؤسسة الاستشفائية عام 2022 بمضاعفة الأسرة ليصبح عددها 16 سريرا، وهو ما أضاف جرعة أوكسيجين من الأمل للمرضى، ورفع من عدد العمليات الجراحية التي يقوم بها ذات الفريق الطبي، والذي واصل مجهوداته من خلال تكثيف دورات التكوين وتبادل الخبرات من أجل التخصص أكثر في مجال الجراحات الدقيقة لمرضى الشلل الدماغي والسكوليوز، من خلال التنقل إلى مختلف المستشفيات الأوروبية، والأمريكية… والقيام بعمليات جراحية في ذات التخصص، من خلال توأمات مع مستشفيات أجنبية، خاصة مستشفى “نيكير” الفرنسي الذي يقوده البروفيسور “خوري”، هذا الأخير الذي يقوم بزيارة ذات المستشفى لإجراء عمليات جراحية جد دقيقة رفقة جراحي عين تيموشنت، وتقديم فحوصات طبية للمرضى الوافدين من مختلف ولايات الوطن، والذين أصبح عددهم اليوم أكثر من 400 مريض ينتظرون حصولهم على موعد لإجراء العمليات الجراحية، والذي غالبا ما يطول، بسبب قلة وتذبذب التزود بالمعدات والوسائل التي تستعمل في هذه العمليات الجراحية الدقيقة، والتي تكلف مبالغ مالية كبيرة جدا.

تقنية جديدة لتقليص زمن العملية
“الشروق “حاورت الدكتور “بن منصور فريد أمان الله” رئيس وحدة السكوليوز بمصلحة جراحة الأطفال بالمؤسسة الاستشفائية الدكتور بن زرجب، هذا الدكتور الذي يعد من خيرة الجراحين عبر التراب الوطني في ذات التخصص، وهو خريج الجامعة الجزائرية ومفخرتها، والذي أوضح أن ذات الوحدة شهدت تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، يتماشى واحتياجات التكفل بهذا النوع من الحالات التي تتوافد على المؤسسة الاستشفائية من كامل ولايات الوطن، على اعتبار أنها الوحيدة التي تعمل بشكل متواصل، مشيرا إلى أن المصلحة متكونة من طاقم طبي متكامل، منهم 4 أطباء جراحين أخصائيين، بمعية طاقم الإنعاش، للتكفل بالمرضى المصابين بالإعوجاج الفقري.
وأضاف أنه تم استحداث وحدة خاصة بالإعوجاج الفقري على مستوى الطابق الثاني، حيث تحصلت المؤسسة على مضاعفة عدد أسرتها ليبلغ 16 سريرا، للتكفل السريع بالمرضى، وقد سجلنا نتائج جد إيجابية في هذا التخصص من الجراحات المعقدة، كما تمكنا من تقليص عمليات تحويل المرضى إلى مستشفيات أخرى بالخارج، والتي تعد تكلفتها جد باهظة، نقوم بفحوصات طبية دورية لمرضانا الذين يتعدى عددهم 60 مريضا في الحصة الواحدة، وأحيانا أكثر من ذلك، يأتون من جميع ولايات الوطن، نتابع حالاتهم باستمرار، فقد قمنا بإجراء أكثر من 130 عملية جراحية دقيقة منذ بداية فريقنا الطبي العمل بهذه الوحدة، وحاليا نقوم بعمليات التجبيس للمرضى المقيمين بذات الوحدة، وعمليات جراحية خفيفة للتعقيدات التي ترافق نمو العمود الفقري على مدار سنتين ونصف، كما تمكنا والحمد لله من إتقان تقنيات جديدة وحديثة في مجال ذات الجراحة مؤخرا، وهي تقنيات حديثة اكتسبناها وطبقناها على 12 طفلا استفادوا من عمليات جراحية دقيقة، كللت جميعها بالنجاح، وما يميز هذه التقنية، هو تقليص وقت العلمية الجراحية الذي يتعدى 7 ساعات متواصلة، وهو ما يعني تخديرا متواصلا للطفل المريض، وهذا الذي يعد من بين أهم أسباب فشل هذه العمليات، لأن عديد الأطفال يموتون على طاولة الجراحة.
وقال الدكتور “أن هذه التقنية تسمح بتقليص عدد الساعات التي تتطلبها العملية الجراحية، وحتى التحكم في فقد كميات الدماء، وهذا أمر مهم جدا لنجاح العملية، ناهيك عن أن المريض وبعد شفائه الذي يكون سريعا، يمكنه التحرك بصفة عادية والتمدرس واسترجاع حياته من دون استعمال معدات أو تجبيس… هذه التقنية (جراحة النمو) تتم من خلال وضع قطعة طبية أوتوماتيكية خاصة، يمكنها التمدد، ونقوم بغرسها داخل العمود الفقري للطفل المريض، ويمكنها التمدد مع نمو عموده الفقري من دون الحاجة لعمليات جراحية أخرى متواصلة ومكملة، هذه العملية تكون في سن مبكر ما بين 7 و9 سنوات، ما يعني القيام بعملية جراحية واحدة فقط، ونحن رفقة إدارة المؤسسة نعمل جاهدين على تطوير الوحدة وتدعيمها بجميع الوسائل المادية، التي يبقى توفرها متذبذبا بسبب تكلفتها المادية المرتفعة جدا، وهذا ما يُقلّص عدد العمليات الجراحية التي نقوم بها، علما أننا أحصينا توافد 600 مريض، على المستشفى من بينهم 150 مريضا كانوا أطفالا وهم اليوم مراهقين، والعمليات من الأفضل أن تكون في سن مبكرة لضمان نجاحها بشكل دقيق ومضمون، فعند المراهقة تكون هناك مضاعفات صحية لا يمكن بسببها تخدير المريض… من جهتنا نحن كطاقم طبي مستعدون للقيام بأكثر من 6 إلى 7 عمليات جراحية في اليوم لإنقاذ مرضانا”.

مناقصة لتزويد المستشفى بالمعدات
“الشروق” تقربت من مدير الصحة لولاية عين تيموشنت السيد “زلماط” على هامش الملتقى العلمي حول “التكفل الصحي والاجتماعي بالأطفال المصابين بالشلل الدماغي”، والمنظم بذات المؤسسة الاستشفائية نهاية الأسبوع الفارط، والذي أكد لنا “أن الإدارة قامت بإطلاق مناقصة لانتقاء المؤسسة التي يمكنها توفير المواد اللازمة والمطلوبة، حيث سيتم فتح الأظرفة ومعرفة من سيتحصل على الصفقة لتوفير ما تحتاجه المؤسسة وباقي المؤسسات التابعة للقطاع بعين تسموشنت…”.
نشير إلى أن الملتقى العلمي شهد حضور مريم شرفي، مفوضة الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة ووالي عين تموشنت ورئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث “ّفورام” البروفيسور مصطفى خياطي وجمال فورار ممثلا عن الوزارة الوصية، حيث تم الاستماع إلى محاضرات الجراحين في ذات التخصص، وحتى التخصصات الأخرى التي تعتبر مكملة لدورة التكفل بمرضى الشلل الدماغي والسكوليوز، من مختصي التدريب الوظيفي، الإنعاش… وحتى الأطباء النفسانيين للتكفل بالمرضى وذويهم… وتمّ تشكيل 3 ورشات لإنجاح هذا الملتقى العلمي المعول عليه كثيرا لمساعدة مرضى الشلل الدماغي والسكوليوز كما أخبرنا بذلك الدكتور “خوجة عبد السلام”، مدير النشاطات الصحية بالمؤسسة الاستشفائية بن زرجب لعين تيموشنت، حيث صرح لنا قائلا: “..كانت هناك 3 ورشات، الورشة الأولى موضوعها الجانب التنظيمي والتكفل بمرضى الشلل الدماغي، أما الورشة الثانية فخصصت لأولياء هؤلاء الأطفال، والورشة 3 كانت أكثر تقنية، وجمعت جميع التخصصات الطبية”، وخرجنا بجملة من التوصيات، سيتم رفعها إلى الوزارة الوصية، وأملنا كبير في مساعدة هؤلاء المرضى بتوصيات الملتقى التي صبت بالأساس في التكفل الأمثل بمرضى اعوجاج العمود الفقري، والتي أكدت بشأنها السيدة “مريم شرفي” للشروق، أنه سيتم العمل على تنفيذها ضمن إستراتيجية وطنية، بالتنسيق مع كل الجهات، خاصة مع وزارة الصحة، كما أشادت بالمناسبة بأطباء وحدة السكوليوز لذات المؤسسة، معتبرة إياهم مفخرة للجزائر.
وفي لقاء لـ”الشروق” مع مدير الوقاية وترقية الصحة بوزارة الصحة السيد “جمال فورار”، أكد بدوره، أنه سيقوم بتوضيح هذه الوضعية لوزارة الصحة، لتحسين فعالية هذه الأطقم الطبية، وإيجاد الحلول للمشاكل التي يعاني منها هؤلاء الأطفال المرضى، وأضاف “تم اعلامنا بوجود أكثر من 400 طفل مريض ينتظرون دورهم لإجراء عمليات تقويم العمود الفقري، والمؤسسة الاستشفائية لعين تيموشنت أصبحت نموذجية في هذا التخصص على المستوى الوطني، ما جعلها قبلة لمرضى جميع ولايات الوطن، الأمر الذي يجعلها مرشحة لتكون ذات طابع جهوي…”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!