-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تنقلها "الشروق" وفق رواية بن طوبال في الجزء الثاني من مذكراته:

… أسرار قيادة الأركان

زهية منصر
  • 17705
  • 4
… أسرار قيادة الأركان
أرشيف

استغرق اجتماع العقداء، الذي انطلق بعد نقاش وصدام دام قرابة ساعتين، مع أحداث متبوعة برفع الجلسة التي كانت تستمر أحيانا لأيام، إضافة إلى ما كان يشوب هذه الاجتماعات من اشتباكات وصدامات، خاصة عندما طرحت للنقاش مسألة اختيار أعضاء مجلس الثورة. يقول بن طوبال: “لم يحدث بيننا أي خلاف حول استبعاد بعض الأسماء، اتفقنا على استبعاد لمين دباغين وتوفيق المهدي وإبراهيم مزهودي ومحمد شريف. بالنسبة للأول، كان قد قدم استقالته من الحكومة. وبالنسبة لنا، كان لمين دباغين ضالعا في قضية لعموري، فقد انساق في لعبة المصريين ضد فرحات عباس وضد من كانوا يعرفون بالتغريبيين والفرانكوفويين. وبالنسبة لتوفيق المهدي، الذي لم نكن نعرفه جيدا، جاءتنا معلومات تؤكد أن له علاقات مع مصالح الحكومة العامة، بينما مزهودي فقد أخل بمسؤولياته في الولاية الأولى وانتهى بإخراج كل مسؤولي هذه المنطقة إلى الخارج”.
“اندلعت خلافات حادة عندما بدأ النقاش حول تعويض الأسماء المستبعدة من مجلس الثورة، كل واحد كانت له قائمة، لكن القائمة التي فجرت الخلافات كانت تلك التي اقترحها كريم بلقاسم، حيث حدثت صدامات كبيرة متبوعة بتوقيف الأعمال نحو عشرين يوما. كريم كان ضمن قائمته أحمد بومنجل، الذي كان يتقاضى تعويضات بصفته عضو مجلس الاتحاد الفرنسي. ولم يكن لدينا استعداد لقبول واحد له أي علاقة مع فرنسا بصفته عضوا رفيع المستوى في الحكومة المؤقتة، كانت مسألة مبدأ وثقة”. ويضيف بن طوبال قائلا: “كان في كل مرة يأتي كريم بقائمة جديدة يتم رفضها من قبلنا بالإجماع. كان كريم يأتي بقوائم لأناس لم تكن لهم علاقة بالثورة. ولما طلبنا منه تفسيرا للمعايير التي اعتمدها في اختيار هذه الأسماء كان رده صادما قال: أعتقد أن تركيبة مجلس الثورة لم تكن تمثيلية بخصوص القبائل. لهذا أقترح بومنجل لأنه قبائلي، أنتم أتيتم بالعرب وأنا آتي بالقبائل”، ويقول بن طوبال: “لم يسبق أن سمعت هذا الكلام من قبل قائد وطني حتى وإن كان لهذا التفكير وجود في نفوس البعض”، لكن ذهب كريم حد واجه فيه الجماعة: “سواء أحببتهم أم لا، فإن الرئاسة تعود إلي”. عند هذا الحد، يقول بن طوبال: وصلنا إلى نقطة القطيعة، والنقاش لم يبق له مكان ورفعت الجلسة، حيث ذهب كل في طريقه للتفتيش الخارجي واجتماع العقداء تفجر وترك مكانه لسلسلة اجتماعات موازية.
وللخروج من المأزق الذي خلقه موقف كريم بلقاسم، يقول بن طوبال: “ذهب للقاء مسؤولي الولايتين الثالثة والرابعة، مثل الرائد قاسي ومثل مبروك بلحوسين، الذي كان له بعض التأثير على كريم. وهذا الأخير، أي كريم، صار أكثر تعقلا، لأنه رأى بأنه لم يكن مدعوما من طرف أي كان”.
هذه الحادثة تركت آثارها التي ستكون لها تداعيات لاحقا على عدة أحداث في الثورة، “الجو أصبح ثقيلا وفي وسط هذا الجو المشحون استأنف اجتماع العقداء العشرة أعماله، وانتهى إلى إقرار لجنة مهمتها تحضير القوانين والبرنامج. واستمرت اجتماعات هذه اللجنة التي كان مقررا أن تقدم نتائجها إلى مجلس الثورة نحو شهرين أو ثلاثة، وضمت كلا من بن خدة وأوصديق، ولمين خان، وبلحوسين، وشنتوف وحربي”.

مجلس الثورة في مواجهة الأزمة

اتخذ اجتماع مجلس الثورة سريعا شكل محاكمة للطريقة التي كان كريم يسير بها وزارة القوات المسلحة، الكل كان متفقا على أن الطريقة التي اتبعها مسؤول القوات المسلحة منيت بالفشل.
وفي خضم هذا الاجتماع، يكشف بن طوبال أنه ورد اتصال في شكل استغاثة من الولاية الخامسة تطلب التدخل العاجل، فبعد حادثة “زوبير”، كل الجيش انتفض ضد القيادة على المستوى الخارجي، تغيّرت أيضا المواقف بما فيها موقف بورقيبة وجمال عبد الناصر ومحمد الخامس، الكل كان يعتقد أن الثورة على وشك أن تهزم عسكريا. “الوضع كان خطيرا، دخلنا في نوع من الدوامة ولم نعد نسيطر على شيء”.
في هذا الوضع، قرّرت الحكومة المؤقتة إيفاد بعثة رفيعة المستوى إلى الدول الاشتراكية، وطلب المتطوّعين، ورغم كل الانتقادات التي وجهت إلى كريم والأعضاء الآخرين، غير أن الوضع أعيد تصحيحه. ويقول بن طوبال: “خرجنا من الاجتماع والكل عازم على الخروج من الأزمة والمساهمة في إيجاد الحل وبمعنويات لم نكن عرفناها من قبل. عدنا لطرح أولوية الداخل على الخارج، وتقرّر تدعيم كل المدن ووضع كل إمكانيات الحكومة في خدمة الداخل، وتقرّر معاودة عبور الحدود لجل المسؤولين السياسيين والعقداء، وتقرّر مضاعفة العمليات العسكرية ضد الجيش الفرنسي”.
ويوضح بن طوبال قائلا: “الحكومة الجديدة لم تكن راديكالية كما كنا نريدها، عباس احتفظ بالرئاسة ولكن تم تقليص عدد الوزارات، بن خدة ودباغين فقدا منصبيهما، وتم حذف وزارة القوات المسلحة وتم تعويضها باللجنة الوزارية المشتركة للحرب وقيادة أركان موحدة، كما تم تحديد امتيازات كل واحدة منها بوضوح، اللجنة الوزارية تعود إليها مهمة قيادة وتوجيه الحرب وتقسيم الميزانية التي تعدها قيادة الأركان واللجنة الوزارية هي التي تبرق بيانات الحكومة المؤقتة إلى الولايات التي لها سلطة على عقداء الداخل وقيادة الأركان لم تكن لها أي سلطة على التراب الجزائري، وتنحصر مهمتها في إعادة تنظيم جيش الحدود حتى يتمكن من تدعيم الوحدات الموجودة في الداخل، إذ لم يكن لها أي سلطة على عقداء الداخل، ولم تكن لها أي توجهات على المستوى العملياتي، لأن هذا المجال هو من صلاحيات قادة الولايات الذين كانت لهم صلاحيات سياسية. فيما كان التوجيه العام من صلاحيات اللجنة الوزارية المشتركة. ويقر بن طوبال بأنه بعد مؤتمر الصومام، كان هذا الاجتماع هو الذي حاول تسطير مستقبل الجزائر، وليس الحكومة المؤقتة فقط. وقد أقر مجلس الثورة المشروع بعد أن طرح عليه للإثراء والنقاش، حيث دام الاجتماع ثلاثة وثلاثين يوما، لكن، كان جهدا مستحقا، لأن أفق الرؤية بدأ يتضح لأول مرة، كان مسؤول رفيع المستوى يقدّم نقدا ذاتيا”.

مظاهرات 11 ديسمبر أنقذت الحكومة المؤقتة

بحسب شهادة بن طوبال، فإن مظاهرات 11 ديسمبر لم تكن متوقعة، لا من طرف الحكومة المؤقتة ولا من طرف الولايات الداخلية. لم تعط أوامر للشعب للانتفاضة، غير أن أجهزة الثورة تدخلت في ما بعد لتأطير المظاهرات وتوجيهها إلى أهداف سياسية واضحة.
المظاهرات انطلقت في البداية تحت شعار “الجزائر الجزائرية”، قبل أن تضاف إليها “تحيى الحكومة المؤقتة ويحيى الاستقلال وتحيى الجزائر العربية”.. وهذا ردا على شعار الجزائر الفرنسية. وقد كانت هذه المظاهرات ردا على السياسة القمعية، وكذلك ردا على الجنرال ديغول، الذي كان يعتقد أن الولايات ستمشي خلفه”.
بالنسبة إلى بن طوبال، مظاهرات 11 سبتمبر كانت هدية للحكومة المؤقتة والثورة ونوعا من “وعي الشعب الجزائري باتخاذ مسؤولياته، فقد جاءت لتنقذ جيش التحرير من التضييق والحصار الذي عانى منه من القوات الفرنسية”.

قضية زوبير في مواجهة أكثر الأزمات خطورة

ما يعرف بقضية زوبير، كانت الأزمة الأكثر خطورة التي عرفتها الثورة على الحدود المغربية، فمن بين 4000 جندي لجيش التحرير في ناحية الغرب ثلاثة آلاف جندي كانوا وقفوا إلى جانب النقيب زوبير.
زوبير كان من قدماء حرب الهند الصينية، الذي التحق بصفوف جيش التحرير، وخاض معارك كبيرة في الداخل، رغم أنه لم يكن يتوفر على العتاد والوسائل لتجهيز رجاله، ورغم كل الرسائل التي وجهها إلى أعضاء مجلس الولاية الخامسة، وإلى بومدين بصفته مسؤولا عن “قيادة التنظيم العسكري” للغرب “الكوم”، و”بقيت الوضعية ثابتة كما هي، وواصل الجنود السقوط أمام الخصم، لأنه لم يكن لديهم ما يكفي من الأسلحة للمواجهة”.
ويقول صاحب المذكرات إن النقيب زوبير أراد طرح الأمر على مجلس الولاية وعلى بومدين الذي كان مقره في وجدة، وكان يجب أن ينتظر الرد، وكان الوقت يمر وطلبه لم يعالج، وفي لحظة يأس، قام بتجنيد الجيش ضد القيادة كان يريد انتزاع الاعتراف بالنقائص وإقالة قادة جيش الحدود.
وقف الجنود إلى جانب قائدهم زوبير، لأنهم كانوا يرون ما كان يقع على أرض الواقع، وأن كل ما كان يقوله لهم صحيح. كانوا يرون “مسؤوليهم يتجولون في سيارات أمريكية، ويعيشون حياة الرفاهية في الفيلات، وممارساتهم كثيرا ما كانت محل شجب، لم يعد أحد يحترمهم”، ولفرض سلطتهم، كان إطارات الجيش يمارسون تسلطهم على الجنود، فأخضعوهم للسجن والتعذيب. من جانبه، زوبير استغل حالة عدم الرضى لتحريض الجنود ضد القيادة.
ويضيف بن طوبال أنه “بينما كان في مهمة إلى المغرب واتصل بالزوبير من أجل إيجاد حل دون إراقة الدماء، لكن المعني بقي على رأيه، وفرنسا استغلت القضية، وقالت إنها ستفتح الحدود لهذه الوحدات لعبورها دون أي مشكل إذا هوجمت من قبل قواتنا”.
اتخذت قضية زوبير أبعادا دولية، وكتبت عنها الصحف الإنجليزية بالتفصيل، وقالت إن الجيش خرج عن سيطرة القيادة، وإن الثورة حدثت فيها انقسامات، ويؤكد بن طوبال عبر شهادته أن زوبير كانت له بعض الثقة في الحكومة المؤقتة، لكنه رفض الاعتراف بسلطة قيادة الأركان، وتماطل هذه الأخيرة في إيجاد حلّ للقضية التي طرحها، دفعه إلى طلب الحماية من الملك المغربي محمد الخامس، الذي أعطاه وعدا بحمايته، الأمر الذي اعتبرته الحكومة المؤقتة تجاوزا من طرف ملك المغرب، الذي كان يحمي “جنديا خارج عن القانون”، وعلى إثر ذلك، التقى عبد الحفيظ بوصوف بملك المغرب الذي أخبره خلاله بأنه يتعين على الملك البقاء على الحياد في قضية داخلية تخص الثورة الجزائرية، وأعطاه وعدا بأنه في حالة عودة زوبير إلى النظام، لن يحدث له أي شيء لا له ولا لأتباعه، لكنه إذا تعنت واستمر في نفس النهج، فحتما سيتم استعمال القوة “مهما كانت الوسائل”.
يقول بن طوبال إنه وبفضل المساعي التي قادها هو ومحمدي السعيد لحل المشكل، أعطيت ضمانات للجنود والمسؤولين، بأنه لن يحدث لهم أي شيء. وبالفعل، أعيد زوبير إلى حماية ملك المغرب الذي سلمه بدوره لشوقي مصطفاي، الذي قاده إلى مقر الممثلية السياسية للثورة في وجدة، ولكن قائدي الأركان، بومدين وقايد أحمد، خانا الاتفاق، وألقيا القبض على زوبير، ونفذا فيه حكم الإعدام، من دون إخطار الحكومة المؤقتة.
ويعتقد صاحب المذكرات أنه وبعيدا عن الجوانب النظامية والمعلن عنها في هذه القضية، لكن زوبير لم يكن مخطئا في تمرده على قيادة الأركان، لأنه كان يرى فعلا مسؤولين سياسيين وعسكريين يعيشون حياة الرفاهية مثل مغتربين في الفيلات والسيارات الأمريكية الفارهة، بينما ثمة جنود يقاسون الأمرين في الداخل وينتظرون السلاح والذخيرة لمواجهة الجيش الفرنسي.
ويذكر بن طوبال في هذا الجانب أن بعض اجتماعات مجلس الثورة كشفت لأول مرة عن أسماء ووجوه سيكون لها مستقبل ودور في جزائر ما بعد الاستقلال، ولم تكن معروفة من قبل، وبعضها لم يكن له دور كبير على غرار أحمد مدغري، الذي كان “مجرد موظف” في مصالح الولاية الخامسة، وشريف بلقاسم الذي كان مجرد “حافظ ورق” في الولاية، وبوتفليقة الذي كان أكثر الوجوه حضورا ومعروفا نوعا ما، لأنه كان السكرتير الخاص لبومدين، يتبعه حيثما تنقل بشكل دائم، وكنا إلى حد الآن لا نعرف غير اسمه الثوري عبد القادر. يضيف بن طوبال: “لم نبحث كثيرا عن أسماء هؤلاء ولا كيف وصلوا إلى الجلوس إلى طاولتنا تم تقديمهم كشباب ممتلئين بالمستقبل”.
يسترسل بن طوبال بشكل من التفصيل في شرح تداعيات قضية زوبير، فيقول: “عرفنا خبر مقتل زوبير من طرف حسين قادري، الذي كان مسؤول التنظيم السياسي في الأفلان في المغرب. لقد وجه تقريرا إلى مجلس الثورة، كان يشعر بشكل أو بآخر بأن له جزءا من المسؤولية في مقتل زوبير، لأنه لعب دور الوسيط بينه وبين جماعة بن طوبال وحتى المغاربة احتجوا على الحادثة”.
لاحقا، “سجل مجلس الثورة في دورته المنعقدة بتاريخ 6 أوت 1961 في محضر الاجتماع القضية في خانة سوء استخدام السلطة من طرف القيادة التي تجاوزت صلاحياتها من خلال الحكم في ظروف غير محددة على ضابط سام لجيش التحرير، وتم تقييد الحادثة على أنها خيانة وتوقفت القضية عند هذا الحد، ولم يتم اتخاذ أي قرار لمحاسبة المسؤولين”.
وفي الاجتماع اللاحق لمجلس الثورة، تم تقييد الحادثة في جدول الأعمال، غير أن انشغالات الوفود كانت خارج هذه الحادثة، فقد كانت أزمة أخرى على وشك الحدوث لتعيد الخلافات بين قيادة الأركان والحكومة المؤقتة، فقد كان الوضع في الداخل سيئا جدا وقضية بن حبيلس عمّقت الانقسامات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • رابح

    رحمهم الله جميعا و اللهم ارحم ضعفهم و أخطاءهم...

  • Nassim

    Tout ce que j ai apri à l école sur la révolution Algérienne c est faut

  • جمال

    ثورة مجيدة وبابطال خلدوا أسماءهم على غرار بن طوبال وبوصوف وبومدبن les trois B .

  • عمر

    شوفو الافلان تاع دروك تعرفو الافلان تاع زمان