أخطأت حينما رفضت الاستفادة من بطاقة مجاهدة فرحا باستقلال الجزائر..!
![أخطأت حينما رفضت الاستفادة من بطاقة مجاهدة فرحا باستقلال الجزائر..!](https://i.dzs.cloud/www.echoroukonline.com/wp-content/uploads/2021/03/thoyraya_0_674793633.jpg?resize=790,444.375)
أكدت الفنانة والمجاهدة السيدة ثريا، أنها رفضت الاستفادة من بطاقة مجاهدة مطلع الاستقلال، لأنها كانت تعتقد أن الجزائر استقلت، وأنها ليست بحاجة الى هذا النوع من البطاقات لأنها جزائرية، وهذا يكفي لتُعامل كبقية الجزائريين دون تمييز، غير أن الأيام غيرت قناعاتها وجعلتها تتراجع عن اعتقادها، خاصة بعد “الظلم والحڤرة” اللذين عاشتهما في بلدها، وحرمانها حتى من الغناء وممارسة فنها، كما روت الفنانة في حوار مع “الشروق” تفاصيل بداياتها الفنية والصعوبات التي صادفتها، خاصة وأنها ابنة عائلة محافظة، تحرم أبناءها من التعليم في المدرسة، فما بالك بالغناء، ليس هذا فحسب، فقد وجدت ابنة قسنطينة نفسها مجبرة على ارتداء “لملاية” والمكوث في البيت وهي ابنة العشر سنوات.
* قدّمت على خشبة موسكو مسرحيّة “الجزائر حرة” في سنة 1958
* كنا نحيي الحفلات ونقوم بجولات لنجمع الأموال للثورة الجزائرية
– كيف كانت بداية السيدة ثريا مع الفن والطرب؟
بدأت الغناء وأنا طفلة صغيرة، لم يتجاوز سني الست سنوات، كنت أحب الفن وكنت أمارس هوايتي عندما كنت أذهب الى الأعراس، حيث كنت أحمل البندير والى جانب ذلك كنت أهوى تقليد نجوم الفن السينمائي في ذلك الوقت، مثل رابحة وجوهرة، وكنت كلما شاهدت فيلما لهما أعود الى المنزل وأحاول تقليدهما والقيام بنفس الحركات التي تقومان بها.
– من هم الفنانون الذين كنت تحبين الاستماع إليهم؟
كنت أعشق أم كلثوم وأحب أن أغني لها، كنت أحب أن أغني لأسمهان، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش وشادية، وفي يوم من الأيام لاحظ أحد أطباء الاسنان والذي كان قد أسس جمعية مسرحية “موهبتي”، فطلب مني المشاركة في مسرحية “3 أبناء فقراء”، في ذلك الوقت، لم أمانع، فرحت كثيرا رغم أن ذلك سيكون دون علم عائلتي، لأن والدي كان يعارض ذلك بشكل قاطع، فنحن من عائلة معروفة ومحافظة، ومن غير الممكن أن أغني أو أمثل وكل عائلة يظهر فيها شخص يغني فإن الأمر حتما سيؤدي إلى قطع أواصر الاتصال معها وحتى عندما مثلت “أولاد الفقراء” لم يكن أحد يعرف هويتي سوى الدكتور محمد دردوري رحمه الله، أعود إلى حديثنا قضيت الليلة عند خالتي، وفي نفس الوقت طلبوا مني في الاذاعة أداء أغنية فغنيت لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم “على بلدي المحبوب” كما غنيت لاسمهان ولكن دون أن يدري أحد بحقيقتي.
– وماذا عن تعليمك، ألم تدرسي؟
لم أدرس في المدرسة، لأن تعليمي كان يجب أن يقتصر على دراسة القرآن الكريم فقط، أنا بنت عائلة محافظة واستحي على حالي، فدخلت إلى مدرسة سيدي الطيب في سيدي بوعنابة لحفظ القرآن الكريم، وبعدها دخلت الى جمعية السلام والتي درست فيها رفقة أختي ليلى التي تكبرني بأربع سنوات، كان سنّي في ذلك الوقت لا يتجاوز العشر سنوات إلا أن والدي أجبرنا على ارتداء “الملحفة” أو “القصرية” وهي لبس يشبه إلى حد كبير “الملاية” بعد ان توقفنا عن الدراسة، ولأنني كنت أعشق الفن فكرت في طريقة تضمن لي ممارسته، إذ كانت أختي متزوجة في تونس وتعيش هناك مع زوجها، فذهبت للعيش عندها.
هل انطلقت الثورة في ذلك الوقت؟
لا، لقد تركت الجزائر سنة 1952 وذهبت الى اختي في تونس، ولأنه من الصعب الشروع في العمل، ومن جهة أخرى كان والدي يبحث عني وكان يريد ان يدخلني في بيوت رعاية، وهو نوع من المؤسسات العقابية، قدمت طلبا للدخول الى المدرسة الراشدية في تونس والتي كان يشرف عليها “سي” خميس صدام وشخص آخر لا أذكر اسمه، كانا يشرفان على تسييرها، فطلبا مني اسماعهما صوتي ودخلت بعدها الى المجموعة الصوتية لتعلم الموشحات والمالوف، بقيت سنتين ثم جاء المطرب يوسف التميمي وزوجته سعيدة وكانت تغني معه، قصداني وقالا لي هل تذهبين معنا في جولة إلى باريس فقلت لهما “ياريت”، ولأنني كنت صغيرة ولا يحق لي السفر من دون إذن والدي تصرفنا في الأمر، وصلنا الى مارسيليا حيث شرعنا في تقديم الحفلات وعندما ذهبنا الى باريس لم تكن تعقد الحفلات هناك، وكان المكان الوحيد الذي بإمكان الفنان الغناء فيه هو “الكاباريهات”، وكان يوجد في ذلك الوقت “كاباريه” والد الفنانة وردة الجزائرية، وآخر لصاحبه اللبناني و”كاباريه” آخر لجزائري اسمه الشادلي أو محمد يسمى “كاباريه الجزائر”، وبما أنني كنت في تلك الفترة جديدة في عالم الفن عكفت على تطوير إمكانياتي، وأحب أن أشير الى أنني ذهبت الى فرنسا سنة 1952، وعندما انطلقت الثورة، شرعنا في العمل ودعمها.
– هذا يعني أنكم كنتم تمارسون الفن والجهاد معا، من هم الفنانون الذين تعرفت عليهم في تلك الفترة؟
نعم، وعندما انطلقت الثورة توجهنا جميعا الى العمل الثوري، تعرفت على الكثير من الفنانين والفنانات من بينهم بهية فرح التي كانت مسؤولة علينا أيام الثورة، وكذلك ميسوم، محمد الجاموسي ومحمد لحبيب من تونس، وكان مصطفى كاتب وسيدي علي كويرات، طاهر العامري، محمد دباح، والقائمة طويلة وأعتذر لمن لم أذكر أسماءهم ولكن أجمل صفة كانت تميز الجزائريين في ذلك الوقت هو التحامهم ومساندتهم لبعضهم البعض في السراء والضراء، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، خاصة وأن هدفنا كان واحدا وهو خدمة قضية بلدنا، وأخذت حياتي منعرجا آخر بعد أن قررت الزواج كمحاولة لنيل رضى والدي.
– متى تم زواجك وأين؟
تم زواجي سنة 1954، أي مع بداية الثورة، تزوجت بتونسي من أصول جزائرية ينحدر من تلمسان وهو بن زاوية الرصاصعة، وكان يعيش هو الآخر في باريس، تزوجت لأن أهلي وخاصة أمي ووالدي كانوا قلقين على وضعي، وبالتالي فكرت بأن الزواج سيطمئنهم علي، بعد زواجي أنجبت ابني البكر فتحي، وكان زوجي يشاركني ويشارك الجالية الجزائرية كل نشاطاتها الموجهة لخدمة الثورة، وفي سنة 1958 جاء مصطفى كاتب الذي كان مسؤولا علينا رفقة بهية فرح وجمع كل فناني المهجر وحدثنا عن سفرنا إلى “موسكو” لتمثيل الجزائر في مهرجان كروي، وأذكر أنه كانت توجد سيدة اسمها هدة زوجة الطاهر العامري، وامرأة أخرى وممثلون وممثلات وكذلك صفية قواصي زوجة مصور جبهة التحرير الوطني، ونور الدين شقيق جميلة بوحيرد، سافرنا الى موسكو لتمثيل الجزائر في أحد مهرجانات كرة القدم وكان معنا مخلوفي، وعندما وصلنا الى تشيكوسلوفاكيا، أصبت في تلك الرحلة، فقال مصطفى كاتب الذي كان يتمتع بإنسانية زائدة “لا تخافي نحن هنا” فأدخلني مستشفى هناك، وعادوا هم الى موسكو ويوم المهرجان ذهبت الى موسكو وهناك قدمنا على خشبة المسرح “الجزائر حرة” شهر أوت من سنة 1958 كما شارك عدد من دول العالم في هذا المهرجان.
– هل كنتم تتنقلون بحرية بين فرنسا والدول التي كنتم تسافرون إليها أم أنكم كنتم تتعرضون لمضايقات؟
عندما عدنا الى باريس حاولت السلطات الفرنسية أن تحقق في حقيقة سفرنا الى موسكو، فقلت لهم أنني لا أملك جواز سفر في الأصل وكنا نجمع المال للثورة وكان زوجي هو من يتولى ذلك، لأنه كان يملك الجنسية التونسية من غير الممكن أن تشك السلطات الفرنسية فيه.
– يقال إنك كنت تخيطين الأعلام الجزائرية في الثورة؟
هذا صحيح، كنا نقوم بخياطة الاعلام الجزائرية ونحضرها لاستقلال الجزائر، كنا نعمل في “كاباريه الجزائر” ليلا وفي النهار نقوم بخياطتها، وفي نفس الوقت أحضر لي أحمد حشلاف أخ لحبيب حشلاف أغنية، وطلب مني ان أحضرها للاستقلال، وبدأت أحضر الاغنية في 1960، ومن جهة أخرى كنا نحيي الحفلات في مختلف الاماكن ونقوم بجولات ونجمع أموالها للثورة الجزائرية، وأحب أن أشير الى أن الجالية الجزائرية في ذلك الوقت أدت واجبها على أحسن وجه ودعمت الثورة والثوار في الجزائر من هناك، صحيح أن المجاهدين كانوا يقابلون الجيوش الفرنسية في الجبال، ولكن حتى الجالية كانت تقابل الحكومة الفرنسية المتعسفة هناك التي قتلت وسجنت ورمت بأبناء الجزائر في نهر السين، فقط استغرب سبب إهمالها وتهميشها اليوم وكأنها ليست جزائرية، وأحب أن أقول إنني كبقية الجزائريين شاركت في الثورة وعملت في الثورة الى أن استقلّ بلدي كبقية الجزائريين، ودخلت بعد الاستقلال، حيث كان عندها الرئيس بومدين على رأس الدولة الجزائرية.
– هل كنت تشاركين في المظاهرات التي كانت تقام في ذلك الوقت لمطالبة فرنسا بالاستقلال؟
نعم، كنا نقوم بمظاهرات كثيرة، كانت الجالية تشارك فيها كبيرا وصغيرا، نساء ورجالا وحتى الشيوخ والعجائز، ورغم ردود الفعل العنيفة التي كان يتلقونها من السلطات الفرنسية إلا أنهم لم يتراجعوا، ولكن للأسف الجالية الجزائرية مازالت مهمشة وأقولها صراحة أنا جد مستاءة مما يحدث، لأن الكل يتجاهلنا وحتى الدولة.
– متى كانت عودتك إلى الجزائر لأول مرة؟
كانت لي العديد من الممتلكات هناك في باريس، صفيت كل شيء ودخلت إلى الجزائر، وقبلها أذكر أنني نشطت حفل عيد الاستقلال في باريس بحضور أول سفير جزائري في باريس السيد موساوي، وغنيت أغنيتين، “شعب الجزائر الحر الثائر”، “يا طير ياث ثاير ادي البشاير”، “إن شاء الله تعيش وتتهنى يا شعب الجزائر”، والأغنية الثانية كانت كالآتي “دقوا طبول الفرح وهيا نغنو على الجزائر نباركوا ونهنوا، عيش تعيش سعيد يا بن الشهيد، عيش تعيش سعيد يا بن الجزائر”، وبعد الاستقلال قصدوني وطلبوا مني ان أستفيد من بطاقة مجاهدة، ولكنني رفضت وقلت لهم الجزائر بلادنا جميعا والمهم أننا حصلنا على الاستقلال، ولم أعمل في صفوف جبهة التحرير من أجل الحصول على مقابل ولكن اليوم للاسف لا أحد يعرفني في بلدي لا كمجاهدة ولا كفنانة.
– من كان رئيسا في ذلك الوقت؟
كان بومدين رئيس للجمهورية، دخلت الى الجزائر بعد الانقلاب أي بعد أن تولي الرئيس هواري بومدين زمام الأمور.
– هل كان ذلك بدعوى تلقيتها من جهات رسمية في الجزائر؟
لا، لم يكن ذلك بدعوة رسمية، كان يوجد شخص اسمه بومزراق، كنت قد التقيته في موسكو وكان مسؤولا كبيرا في حزب جبهة التحرير الوطني، كما أنه كان من المهتمين بكرة القدم، التقى زوجي فقال له لماذا لا تأتون للعيش في الجزائر فرد عليه زوجي وأخبره بأننا لا نملك بيتا هنا، فقال له سأتولى مهمة تزويدكما ببيت، وسأكلمك بعد أيام من أجل هذا الغرض، وفعلا بعد أيام اتصل بنا بومزراق وطلب منا العودة الى الجزائر بعد أن أمن لنا مسكنا، فدخلت إلى الجزائر بعدها والشهادة لله، فالسيد بومزراق وقف إلى جانبي كثيرا وساندني ودخلت بعدها للعمل في التلفزيون الجزائري والمسرح القومي.
– هل التقيت الرئيس هواري بومدين؟
نعم، كان أول لقاء جمعني به، عندما أحييت حفلا فنيا في ثكنة عسكرية ببوفاريك، كنت عندها رفقة أكبر أبنائي وسنحت لي الفرصة في التقدم منه فسلمت عليه وأذكر أن الحفلة حققت نجاحا كبيرا.