الجزائر
رائحة الجثث تكشف خبر وفاتهم

آباء يموتون بمفردهم في شقق مغلقة ويخلفون حسرة أبدية للأبناء

سمير مخربش
  • 20182
  • 2
أرشيف

تكررت حوادث موت بعض الأشخاص بمفردهم في بيوتهم دون أن يسمع بهم أحد في صورة تعكس انشطار الروابط العائلية، وعقوق الوالدين اللذين ينهيان حياتهما في عزلة بين أربعة جدران، لتكون رائحة الجثة هي الوسيلة الوحيدة لكشف خبر الوفاة.

أن يموت والدك بمفرده في بيته دون أن تسمع به، فذاك دليل قطعي على أنك عاق لوالدك لأنك تركته يموت دون أن تجلس عند رأسه تلقنه الشهادة، مثل هذه الحوادث تكررت أكثر من مرة، ومنذ أيام فقط عثر على شيخ بولاية سطيف ميتا داخل منزله ولم يعلم أحد بوفاته إلا بعد انبعاث الروائح الكريهة من داخل الشقة التي كان فيها بمفرده.

ومنذ نحو شهر عثر أيضا بولاية سطيف على شيخ وزوجته ميتين بعدما أصيبا بفيروس كورونا فظل الشيخ يقاوم المرض رفقة زوجته العجوز إلى أن فارقا الحياة ولا أحد يعلم من مات أولا الشيخ أم العجوز بل لا أحد يعلم ماذا قالت الحاجة وهي تحتضر وبماذا أوصى الشيخ الذي تألم من المرض ومن غياب أبنائه من حوله وهو يفارق الحياة، وفي نفس الظروف لقي شيخ حتفه ليلا داخل منزله، ولما زاره ابنه في الصبيحة اضطر إلى كسر الباب ليكتشف والده جثة هامدة ملقاة على الأرض، وكانت حسرة الابن كبيرة وظل يصرخ كيف مات والده في غيابه وفي غياب كل أفراد العائلة.

مثل هذه الحوادث وقعت في أكثر من بيت وفي كل مرة تخلف حسرة كبيرة وندما يلازمان أفراد العائلة مدى الحياة، فالمعلوم عند الجزائريين أن لحظة احتضار الوالد أو الوالدة لا تحتمل غياب الأبناء فتجدهم يجتمعون حول مريضهم ويترقبون لحظة الفراق وصعود الروح إلى بارئها، وحتى المغتربون الذي يقطنون خارج الوطن يقطعون عملهم ويشدون الرحال إلى وطنهم ليشهدوا لحظة الفراق التي تعني الكثير بالنسبة لكافة الجزائريين، وكل من حضرها يطمئن قلبه ويشكر الله على نعمة وفاة الأب بحضور أفراد عائلته. لكن لما أصبحنا نسمع بالموت الانفرادي للوالد فيفارق الحياة دون أن يسمع به أحد فذاك نوع من عقوق الوالدين، ويعني أن الأبناء أهملوا والدهم وتخلوا عن خدمته بل تخلصوا منه بعدما أدرك أرذل العمر، وهو حال العديد من العائلات التي يتخلى فيها الأبناء عن آبائهم ويبررون ذلك بخلافات عائلية أو بتصرفات الوالد الذي يدركه الضعف الجسدي والذهني فيتصرف كالصبيان، وهو ما لا يحتمله الأبناء الذين يفرون منه بطريقة لا تختلف عن أولائك الذين يرمون والديهم في دور العجزة.

وحسب بعض المحامين، فإن وفاة الوالد بسبب المرض داخل المنزل بمفرده وفي غياب أبنائه يمكن اعتباره جريمة تصنف في خانة عدم تقديم يد المساعدة لشخص في حالة خطر، فما بالك لما يكون الضحية هو أحد الوالدين.

والموت الانفرادي لأحد الوالدين يعني المساس بقدسية الأم والأب، فبعدما ابتدع البعض ظاهرة التخلي عن الوالدين ورميهما في دار العجزة، جاء هذا التصرف الغريب الذي يورط كل ابن مات والده في منزل مغلق ولم يعلم به إلا بعد انتشار روائح الجثة المتعفنة والتي تبقى وصمة عار في جبين كل ابن فقد والده بهذه الطريقة.

مقالات ذات صلة