-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مالك بن نبي.. مُلْهِمُ الـ”ووك”؟!.. الجزء الأول

د محمد مراح
  • 839
  • 0
مالك بن نبي.. مُلْهِمُ الـ”ووك”؟!.. الجزء الأول

أجرت السيدة أنيسة مخالدي حوارا مع الباحث زيدان مريبوط حول فكر مالك بن نبي في 06/3/2023. وهو الباحث الجزائري السويسري والأستاذ بجامعة جنيف، ومؤلف كتاب “مالك بن نبي: أبو التيار الإسلامي العالمي؟ من الملفات السرية للمخابرات الفرنسية” (دار نشر إيريك بونيي) الصادر بتاريخ 01/10/2020.

تناول الحوار مجموعة من القضايا منها: أسبقية أفكار مالك رحمه الله لعصره، وبمن تأثر مالك فكريا، وكذا ما أثاره مفهوم “القابلية للاستعمار” من ردود فعل وهجوم عليه، وصعوبة فهم فكره لدى العامة، وسوء التقدير الذي ناله من أهله {بلده}، وكذا التهمة الخطيرة التي تعرض لها خلال الحرب العالمية الثانية: التعاون مع النازية. وكذا أثر تنقل مالك وتعدد إقاماته على فكره. ثم ما بقي منه اليوم.

وبالمناسبة فقد صدر في الموضوع نفسه كتاب: “وثائق مالك بن نبي في الأرشيف الوطني الفرنسي”، للباحثين: رياض شروانة (طالب دكتوراه بجامعة السربون) وعلاوة عمارة (أستاذ التعليم العالي بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة)، الذي صدر بالجزائر عن دار الهدى بعين مليلة سنة: 2020، ثم أعيد طبعه في دار الفكر بيروت في 2022، وصدّر لها المفكر عمر كامل مسقاوي أكبر طلابه خدمة لفكر مالك رحمه الله؛ الذي توجه بمؤلفه المرجعي الكبير [في صحبة مالك بن نبي] في جزأين،

وقد تضمنت إجابات الأستاذ زيدان مسائل ووقائع لا تتسق مع ما تضمنته مؤلفات الأستاذ بن نبي، والمصادر المرجعية عنه.

وسعيا منّا للنقاش وإثبات الحقائق التي كثيرا منها بديهيات من سيرة مفكرنا، تصديت لها في هذا المقال/ الرد. خصوصا أنه جاء في صحيفة الشرق الأوسط العريقة بما تمثله من ثقل ومرجعية للقارئ العربي وغير العربي بترجمة بعض المواقع مضامين ما ينشر فيها للغة الإنجليزية،

ومن العبارات المثيرة للتساؤل والملاحظة:

1.يقول ضيف الشرق الأوسط: “اقترح [بن نبي ] على الجميع استجواب الذات”. أي جميع ينسب لمالك مطالبته باستجواب الذات؟ المجتمع المتخلف، في وضعه الحضاري الذي كان حقل الباحث التغييري بشروط تخلفه المعروفة؟ هل يُطلب من فاقِدٍ عطاءٌ؟! ثم أي “ذات” هذه التي يدعى مريبوط أنها موضوع تساؤل {الجميع} المجهول التعيين، والمتعابث معه كتلة بهذا الطلب؟! وعلى حافة المسطرة العلوية ذاتها تُصَفُّ عناصر الإضمامة ذاتها “التفكير النقدي والمُسَاءلة الحضارية”.

أما مقولته “أرضية متينة مبنية على التعليم وإشراك المرأة والالتحاق بالزخم المعرفي والتكنولوجي لتحقيق تنمية حديثة ومستدامة”. فتوسيع لخيمة بنات فكر بن نبي المباشرات؛ إذ هي على التحقيق الحقيق بمضمون خطابه، قد تُفهم على وجه المآلات لا على ظاهر الراوية ولا باطنها المباشرين؛ فالنظرة المنصفة المتسقة معهما من خطابه تفضي إلى مستخلص أمين إلى أقصى حدود الأمانة مع تراث الرجل، أنه كان يهندس {جينوم حضارة العالم الإسلامي} بجينات ومورثات لمستقبل قوي ذكي آمن متوازن مبدع مبتكر، طموحه على مدى الإمكانات والطاقة التي حبا الله تعالى بها الإنسان،مفتوحة المجال إلى ما لانهاياتها البشرية.

تناول الحوار مجموعة من القضايا منها: أسبقية أفكار مالك رحمه الله لعصره، وبمن تأثر مالك فكريا، وكذا ما أثاره مفهوم “القابلية للاستعمار” من ردود فعل وهجوم عليه، وصعوبة فهم فكره لدى العامة، وسوء التقدير الذي ناله من أهله {بلده}، وكذا التهمة الخطيرة التي تعرض لها خلال الحرب العالمية الثانية: التعاون مع النازية. وكذا أثر تنقل مالك وتعدد إقاماته على فكره. ثم ما بقي منه اليوم.

وعلى هذا يسع الباحث المتبصر أن يبحث مخبريا عناصر الحزمة التي وردت في عبارة الأستاذ مريبوط في الحوار، أما سوقها على مساقها هذا فهي نمط من مناغاة بل مُراضاة الرؤية الحداثية الغربية.

أخطاء البداهة: فالبداهة هنا ممّا قُضِيَ من سير أعلام العلماء والمفكرين ومن في حكمهم، بصحة لا تحتمل غيرها. وقد تضمن الحوار من هذه الأخطاء ما يأتي ذكره:

أ. قول مريبوط: “وكان يجيد اللغات الألمانية والفرنسية والعربية، مما سهَّل بحثه وجعله أكثر «تعبيراً» عند الغربيين”!

لست أدري سنده الوثائقي العلمي في ” ألمانية” لسان مالك بن نبي! أما ما تضمنته سيرته في هذه “الألمنة” فما تضمنته دفاتره التي تُلحق بمذكراته الشهيرة {شاهد القرن } بجزئيه: الطفل ثم الطالب. فقد حدثت “الألمنة” في سياق ظروف الحرب العالمية الثانية، وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية على مالك وزوجته، متساوقة مع خصيصته النفسية المصاحبة له، التي تعكسها سيرته الذاتية، ألا وهي “التوجس” عالي الوتيرة، الذي يربطه دائما بثابت الاستعمار، ومرابضته أينما مكث بن نبي “مفكرا”؛ سواء أنتج فكرته أو ينوي أن يفكر فيها أو يجسدها فعلا أو نشاطا، وحركة منبثقة عن ذلك كله.

يُحَدّثُ مالك عن سفره للعمل في ألمانيا سنة 1943 أثناء احتلالها فرنسا: “… أمضيت ثمانية عشر شهرا. في بدايتها استلمت عملا مرهقا في هذا المصنع الضخم… في نهاية ستة أشهر احترق إصبعي في المصنع، فعدت إلى المخيّم الذي أقيم فيه للمعالجة، قرأت وتأملت القرآن الكريم، ولم أكن أدري أنني بدأت أنغمر في التحضير للظاهرة القرآنية [فاتحة انتاجه الفكري الذي لا يزال على رأس أهم ما كتب في موضوعه]. كنت مراقَبا من حيث لا أدري من قبل الألمان، الذي دهشوا لرؤيتي منعزلا في مسكني للصلاة وقراءة القرآن”، عمر كامل مسقاوي، “في صحبة مالك بن نبي ” ج1، ص213.

فهل يتيح وضع مزري إلى هذا الحد للفراغ، ليغدو لَسِنا ألمانيا بالمستوى الذي يتسق مع مَهَامّهِ فكر نيتشة الفلسفي؟!. وقد زار فرانكفورت عام 1967وألقى بها محاضرة بالعربية. م. ن ج2، 1070

ب. يقول زيدان أيضا: “وكان يقرأ [مالك] النصوص الفلسفية المعقدة لنيتشه وهايدغر باللغة الأصلية دون ترجمة” ! هل يقصد أنه كان ينتش {لغة: نَتَشَ اللحمَ ونحوَه: جذبَه قَرْصًا ونَهْشًا} نصوصهما بأسنانه الألمانية التي اكتسبها من مجتمعِ مَصْنِعٍ؟ أمّا هَصْرُ مُخِّ “نيتشة” الفلسفي فقد كان كما قال “اكتشفته مترجما م. ن،ج1/134، وليس هناك ما يثبت أن هذا الهصر غير المباشر لفكر نيشته تحول لهصر مباشر .

جـ. الإقامة الإندونيسية: يقول السيد زيدان ميربوط: “إقامة بن نبي في كل هذه العواصم [الجزائر والقاهرة وباريس]، إضافة إلى ألمانيا، وفي الدول الآسيوية، خصوصاً إندونيسيا، ”

حسب المتوفر من المعلومات زار مالك بن نبي إندونيسيا مرتين هما :

ــــــ كان بحكم مسؤوليته الرسمية مديرا عاما للتعليم العالي [1964ــــ 1967] مسؤولاً عن قيادة الوفد الجزائري إلى المؤتمر الإسلامي الأفرو آسيوي المنعقد في باندونغ، وألقى كلمة باسم الجزائر عن الجزائر. عبد الوهاب بوكروح، “حياة مالك بن نبي”: صحيفة الأمة بالفرنسية، 7/10/2020.

ـــــ يقول الدكتور مولود عويمر : “… هل زار مالك بن نبي اندونيسيا واطلع بنفسه على إنجازاتها، واحتك بنخبتها، فكتب عنها في ضوء مشاهداته؟ أم أنه سافر إليها فقط عبر الكتب والجرائد والمجلات؟ لقد تلقى بن نبي دعوة من جمعية نهضة العلماء في بداية يناير 1966 وقد سافر يوم 27 يناير إلى جاكارتا عن طريق باريس. لكن اليوميات التي كان يسجّل فيها بن نبي خواطره وذكرياته لم تزد شيئا عن خبر سفره. ” “اندونيسيا في فكر مالك بن نبي”، موقع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، 27/9/2014، ومهما يكن من أمر فهي زيارة لا إقامة.

و نلاحظ أن السيد مريبوط منح بن نبي بطاقات “إقامة” إضافية في الدول الآسيوية، خصوصاً إندونيسيا، فهل لديه معطيات جديدة تذكر إقاماته الآسيوية؟ على الرغم من الصعوبة البالغة لتأكيدها؛ لأن تنقلات وإقامات مالك بن نبي {في الجزائر : بلدتي النشأة تبسة وقسنطينة، وفرنسا، والقاهرة، ومعمل الفحم في ألمانيا} مما بات من بداهة الظعْنِ، أمّا ما تبقى فتَرَحُّلٌ {سورياــــــ لبنان- ليبياـــ البقاع المقدسة ـــــ جاكرتا ـــــ الاتحاد السوفياتي ــــ الصين ومقابلته لزعيمها ماو تسي تونغ ــــــــ بريطانيا {ليدز} ــــــ نيويورك}، كلها ثابتة، وتنقلاته لغيرها لو حصلت لما خفيت.

أمّا قوله: “أظهر فضولاً كبيراً تجاه الفكر الشرقي والغربي على حد سواء حتى سُمِّي «الموسوعة المتنقلة”، فهو أبعدُ شيء عن الرصانة الأكاديمية؛ فتعبير “الموسوعة المتنقلة” أدخلُ قول في حديث العامة تعبيرا عن الانبهار؛ أما مالك فمفكر واسع الإطلاع عميقه، مبدع أصالة لا نسخا.

… يُتبع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!